ماذا أنجزت مسيرات العودة ؟!

بقلم: عبد السلام فايز

سؤال طُرِح كثيراً في الآونة الأخيرة على منصات التواصل و وسائل الإعلام : ماذا أنجزت مسيرات العودة حتى اللحظة و ما الذي يدفع الفلسطينيون إلى خوض غمار المواجهة المباشرة مع العدو الإسرائيلي ، من أجل أن  يبقى الحراك الفلسطيني مستمراً ؟!
تُجِيب النقاط التالية و بجلاءٍ واضح عن جُلّ هاتيك التساؤلات :
أولاً : إنّ مسيرات العودة عكّرت  المزاج الإسرائيلي بشكل عام ، و جعلت الإسرائيليين يعيشون لحظات صعبة للغاية ، و ربما وصل بهم الأمر إلى درجة الهلع و الخوف و الارتباك ، و إلّا كيف قابلَ الإسرائيليون تلك المقاطع التي بثّتها سرايا القدس و التي يظهر فيها كبار القادة العسكريين في جيش العدو الصهيوني و هم في مرمى قناصات المقاومة ؟ و مالذي دفع سلاح الجو الإسرائيلي هذه المرّة إلى إلقاء مناشير ورقية على قطاع غزة بدلاً من الصواريخ الذكية ، يستجدي من خلال هذه الرسائل الورقية بضرورة إيقاف مسلسل العودة ، و يتظاهر بحرصه على أرواح المدنيين ، كأنه حمل وديع ليس له تاريخ طويل في القتل و الإجرام و سفك الدماء و التهجير و سلب الحقوق ؟!
ألا يدلّ ذلك على أنّ مسيرات العودة استهدفت العمق الإسرائيلي في الصميم رغم سلميّتها ؟ و بأنّ العدو الإسرائيلي يمرّ اليوم في مأزقٍ كبير لا يُحسَد عليه ؟!

ثانياً : إنّ مسيرات العودة لفتت أنظار المجتمع الدولي و خاصة المجتمع الأوروبي ، و عرّت إسرائيل أمام أنظار العالم ، و أظهرتها على حقيقتها العدوانية و الإجرامية ..
و بالتالي اعتمد البرلمان الأوروبي أمس الخميس و بأغلبية ساحقة قراراً يطالب إسرائيل بالكف عن استهداف المدنيين ، و عدم توجيه السلاح الحي إلى جموع المتظاهرين العُزّل الذين يطالبون بأدنى حقوقهم ، و طالب البرلمان الأوروبي بضرورة رفع الحصار المفروض على قطاع غزة و إنهاء معاناة السكان هناك ، و لم يكن ذلك ليحصل لولا تلك المسيرات التي نظّمها الشعب الفلسطيني ، ولولا صموده الأسطوري في وجه أعتى كيانات الاحتلال ..

ثالثاً : إنّ مسيرات العودة جعلت و للمرة الأولى منذ أزلٍ بعيد مفاتيح الحل في يد الفلسطينيين أنفسهم ، و ليس في يد العدو الإسرائيلي ..
فقد جرت العادة فيما سلف ، و بعد كل عدوان يشنّه العدو الإسرائيلي على قطاع غزة ، أن يهرول المجتمع الدولي و الدول الإقليمية باتجاه إسرائيل كي تتوقف عن عدوانها ، و تنهي المشكلة ، بينما اليوم أصبح الأمر على النقيض تماماً ، بعدما استحوذ أهالي قطاع غزة على مفاتيح الحل ، و أصبحت دول إقليمية تلعب دورها و تتواصل مع الفلسطينيين لإنهاء مسيرات العودة مقابل تحقيق متطلباتهم ، و أصبح الفلسطينيون هم من يحددون زمان و مكان إنهاء الصراع بعدما أصبحت الكرة في ملعبهم نتيجة التضحيات التي قدمها أبناء قطاع غزة خلال مسيرات العودة ، فدم الشهداء هناك لم يذهب هباءً منثورا ، و صمود الشعب الفلسطيني هناك لم يكن بالمجان ، بل إنّ الثمار أينعت و حان موعد قطافها ..

رابعاً : تمكنت مسيرات العودة من إثبات أنّ الشعب الفلسطيني ما يزال حيّاً ، متمسكاً بحقوقه و ثوابته الوطنية ، و بأنّ حق العودة هو حق مقدس لايستطيع كائنٌ من كان التنازل عنه أو التفريط به ، و بأنّ الشعوب العربية و أحرار العالم الشرفاء ليسوا توّاقين لإسرائيل كما حاول بعض القادة الصهاينة الترويج له في الآونة الأخيرة ..
فالشعب الفلسطيني اليوم قال كلمته ، و هو ليس وحيداً في الميدان ، بل معه أحرار العالم الذين هبّوا على امتداد هذا الكون الواسع ليقولوا كلمتهم الفصل ، بأنّ القدس هي عاصمة لفلسطين شاء من شاء و أبى من أبى ، و بأنّ إسرائيل ستبقى العدو الأول للعرب و المسلمين طالما أنها تتبع سياسة الاحتلال و الاستيلاء على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ..

خامساً و أخيراً : مسيرات العودة وحّدت الصف الفلسطيني إلى حدٍّ بعيد ، فالفصائل الفلسطينية أجمعت على تأييدها المطلق لمسيرات العودة ، و توحّدت الأصوات الفلسطينية تحت سقف واحد و هدف واحد و بوصلة واحدة هي فلسطين ، و ربما تكون مسيرات العودة لو استمرت السبيل الوحيد لإنهاء الانقسام الفلسطيني ..

بقلم عبد السلام فايز