التحالف الغربي الطامس للوجود العربي

بقلم: عبد الحميد الهمشري

لم تكتف الدول الغربية ممثلة في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا في تقطيع أوصال المنطقة العربية وطمس حريتها واستقلال دولها وحتى وجودها كدول مؤثرة في المجتمع الدولي أو تكون لها لمساتها أو أي فاعلية فيه ، على اعتبار أنها الوريث للاتراك العثمانيين في إدارة شؤونها وإهداء الصهيونية الأرض الفلسطينية لإقامة دولة لليهود فيها لتكون قاعدة متقدمة لها وإمدادها بكل أسباب القوة العسكرية والاقتصادية واللوجستية لتكون لها اليد الطولى في العبث بأمن كل أقطارها كيفما أرادت وأنى شاءت ..
بل سعت وتسعى منذ عشرينيات القرن الماضي لعدم تمكين الكيانات التي صنعتها بموجب معاهدة سايكس بيكو من إدارة شؤون نفسها بنفسها ، وكل من يحاول في تلك الأقطار التدثر بغير عباءتها أو التفكير بالسير على خطا التحرر فالويل والثبور له وينتظره الهلاك ، فتخلصت من شخصيات تحررية من أمثال أحمد عرابي باشا في مصر ، وكذلك رتبت الأمر للكيان الصهيوني لتحقيق نصر على دول الطوق العربية بهدف إحباط حركة التحرر العربية من الهيمنة الاستعمارية التي كان من أهم رموزها الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر ، وتشكيل التحالف الستيني لغزو العراق للتخلص من قيادته العربية المخلصة لشعبها وأمتها وفرض الإرادة الصهيو أمريكية عليها.
لذا فإنها بين فينة وأخرى تقوم وضمن استراتيجية تتبعها بقصف مواقع استراتيجية محددة في عدد من الأقطار العربية كما حصل في سوريا السبت الماضي ، وهذه سياسة زادت وتيرتها منذ العقد الأخير من القرن الماضي والمبررات تكون مرسومة سلفاً ، فهي من تصنع أحداثها وتلقي بتبعاتها على من ترغب بتحميلهم المسؤولية عنها.
فما الدوافع من وراء هذا العدوان الثلاثي الصاروخي الجوي والبحري على الأرض السورية ليلة السبت 14/4/2016 بينما كان العرب والمسلمون يحيون ذكرى ليلة الإسراء والمعراج والذي طال عشرة مواقع عسكرية ومراكز أبحاث علمية ؟؟ ..
هل الدافع من وراء هذا الهجوم كان بسبب استخدام أسلحة كيميائية كما يدعون أم وراء الأكمة ما وراءها ؟ فالكل يعلم خاصة استرتيجيو الغرب أن ما جرى ليس أكثر من سمفونية عازف فاشل يثير زوبعة مع كمبارسات فريقه الفاشل ، يظهرون من خلالها قلقهم على مصائر دُماهم التي دفعوا بها في معمعة الميدان لنشر الفوضى والخراب في كل أرجاء شرقنا العربي وغربه وشماله وجنوبه ، لتسود فيه شريعة الغاب التي يقودها زعار وصعاليك العم سام وبتوجيه من بني صهيون ..
فلنعد للوراء قليلاً لنقتفي أثر الاستراتيجية الأمريكية وحلفائها وأعوانها في المنطقة العربية ، وكيف قررت الانتقال من مرحلة دفع دُماها لخلخلة الأوضاع ونشر النار والدمار في ربوع الأوطان إلى تدخلها المباشر عبر محور الشر البريطاني الفرنسي - الصهيو أمريكي .
السبب يعود إلى هشاشة هذه الدُمى التي تمولها في سوريا وفشلها وعدم قدرتها حتى اللحظة رغم إسنادها برياً بقوات ثالوث الشر الغربي وحليفها الصهيوني في تحقيق ما تمكنوا من صنعه في عدد من البلدان العربية والتي تركوها عرضة لعبث العابثين وتحت رحمة أقدار الفوضى الخلاقة التي يرفعون لواءها في منطقتنا بهدف تكوين شرق أوسط جديد لتركيع الشعوب في هذا الشرق الأوسط الجديد والفرض عليها رفع رايات الطاعة والولاء والخنوع والخضوع لأمريكا خصوصاً والغرب والصهيونية عموماً ، وتجزئته إثنياً وعقائدياً أهم دور ملقى على عاتق تلك الدُمى تحقيقه لها ، خدمة لمصالحها أي دول الغرب، مستغلين الدين تارة والمذهبية والطائفية تارة أخرى وإثارة الفتنة وبث روح الفرقة والخلاف والاختلاف بين مختلف الأصول والمنابت التي تتكون منها مختلف أقطارنا العربية والتي تتعايش مع بعضها منذ قرون في نسيج وطني متحاب ومتآلف في الأساس قل مثيله في العالم أجمع.
ولهذا كان شعار دونالد ترامب مؤخراً " إسرائيل - أمريكا أولاً " وكذا الحال لركني المؤامرة فرنسا وبريطانيا ومعهما الكيان الصهيوني الغادر في فلسطيننا المحتلة ، هذه مجتمعة تشكل مربع محور الشر السادي الأهداف والميول في شرقنا الأوسط ، بيت القصيد في ظل المؤامرة الغربية ، ديدنهم التلذذ بمصائب الشعوب فيه وإلحاق كل دمار وأذى بأهله ، والدفع بدُماهم ليكونوا المعول في ردم وتحطيم كل معلم حضاري وإنساني لا يتماشى أهله مع توجهات الغرب الفاجر ، ولا يقرون بهيمنته ويتمردون عليه.
فالاستراتيجية الغربية عموماً والأمريكية خصوصاً في سبيل ازدهار ورخاء شعوبها تعتمد أسلوب السلب والنهب لخيرات وثروات دول المنطقة وتدمير بناها التحتية وبأسلوب ممنهج ، وبث الخلافات بين شعوبها ومكوناتها لإبقاء ديمومة تبعيتها لها من خلال تأجيج الصراع الداخلي والإقليمي فيما بين دولها وشعوبها وصب الزيت على النار لإبقاء النارمشتعلة في وبين هذه البلدان لتبقى الأبواب مشرعة أمامها للعبث في أمن واستقرار كل منها والمس باستقلاليتها بين فينة وأخرى ، لتبقى فرصها في إعادة بناء وترميم ما دمروه وألحقوا الخراب فيه من جديد ، لاستنزاف ثرواتها وخيراتها واقتصادياتها حفاظاً على هيمنة الكيان الصهيوني الغاصب اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً على دول الشرق الأوسط قاطبةً ..
فما يجري على الأرض السورية منذ العام 2011 تم ترتيبه بأسلوب قذر وخبيث ، فيه تهديد ليس لسوريا وحدها بل لكل مكونات الشرق والغرب والشمال والجنوب العربي ، وما يلوح بالأفق بعون الله وأزره خاصة بعد أن ذاب الثلج وبان ما تحت المرج واتضحت الأهداف والرؤى الغربية الخبيثة وبفعل تعاضد أهله قرب فشل جميع صفقات ورهانات ومخططات التحالف الغربي الطامس للوجود العربي وما كان مأمول منه صهيونياً وغربياً في تمزيق الجسد العربي ...وغداً لناظره قريب.

 


* عبد الحميد الهمشري
[email protected]