لقد كان أخر اجتماع عادي للمجلس الوطني الفلسطيني – وإن كان احتفالياً بحضور الرئيس الأمريكي بيل كلينتون احتفاءً بإسقاط كل ما يتصل بالمقاومة من الميثاق الوطني – قد عقد في مدينة غزة عام 1996، أي قبل اثنتين وعشرين عاماً لم يعقد خلالها سوى اجتماع خاص في عام 2009 بهدف ملء الشواغر التي وصلت إلى ثلث عدد الأعضاء في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وكان المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي انعقد في رام الله يومي 14 و15 يناير 2018، قد أوصى بـ"إجراء الانتخابات العامة وعقد المجلس الوطني الفلسطيني بما لا يتجاوز نهاية العام 2018"، وكانت اللجنة التنفيذية، التي انعقدت برئاسة الرئيس عباس في 7/3/2018، قد أصدرت قراراً يقضي بعقد المجلس الوطني الفلسطيني في الثلاثين من الشهر الجاري (أبريل 2018)، ما دفع رئاسة المجلس إلى المباشرة بتوجيه الدعوات إلى الأعضاء، تأكيداً على إصرار الرئيس عباس على عقد المجلس الوطني بعد اثنتين وعشرين عاماً من أخر انعقاد عادي احتفالي في غزة (1996) وبعد ثلاثين عاماً من أخر انعقاد عادي حقيقي في الجزائر (1988).
ما الأمر؟! البعض يرى أن عقد المجلس الوطني الفلسطيني ضرورة لا محيص عنها ولا مصرف عن استيفائها لتجديد الشرعيات القيادية الحالية، تأسيساً على أن عقد المجلس الوطني بما فيه من سلبيات وعيوب هو أفضل بكثير من عدم عقده، فيما يرى البعض الأخر أن المجلس الوطني كي يكون عقده مثمراً ووطنياً فلا بد أن يكون توحيدياً في سياق نهوض وطني، وإلا فلا.
إذاً، فالمجلس الوطني من المقرر عقده - حتى اللحظة - في رام الله وفي الثلاثين من الشهر الجاري (أبريل2018) استجابة لما قررته اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في اجتماعها بتاريخ 7/3/2018 بناء على ما انتهى إليه اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني يومي 14 و15 يناير 2018 حيث أوصى بـ"إجراء الانتخابات العامة وعقد المجلس الوطني الفلسطيني بما لا يتجاوز نهاية العام 2018".
إن انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني دون توافق، ودون توفر حالة نهوض وطني، ودون أن يكون مجلساً وطنياً توحيدياً، ودون الاستئناس والاسترشاد – بل والالتزام – بما انتهت إليه اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني التي التأمت بحضور الجميع – بما فيهم حركتا حماس
والجهاد – في يناير 2018، في بيروت، هو انعقاد لا جدوى منه، بل إن كثيراً من الضرر والخطر يحتويه ، ذلك أن انعقاده على نحو غير توافقي وغير توحيدي إنما هو تعميق لحالة الانقسام، بل إنه يغلق الباب حتى عن مجرد الحديث في المصالحة واستعادة الوحدة.
إن كثيراً من الضعف والعوار سوف يلف انعقاد هذا المجلس الوطني لعدم استناده على ما جاء في اتفاقيات المصالحة، لا سيما إعلان القاهرة (مارس 2005) واتفاق (مايو 2011) وأيضاً على ما انتهت إليه اللجنة التحضيرية في بيروت بحضور الجميع وبموافقتهم، فانعقاد المجلس الوطني دون ذلك لن يحقق غاية وطنية، وإنما يحقق غاية حزبية فصائلية على حساب الغاية والمصلحة الوطنية، ما يعيد شعبنا وقضيته إلى الوراء كثيراً.
منذ أن أنهى المجلس المركزي الفلسطيي اجتماعه الذي استمر يومي 14 و15/1/2018 بدأ الموالون للرئيس عباس والمقربون منه يُرِّوجون لانعقاد المجلس الوطني القديم بصورته القائمة حيث جاء هذا الترويج على نحو معاكس تماماً لما كان متوقعاً بحسب ما سبق من أحداث وتطورات ووقائع نشير فيما يأتي إلى بعض منها:
أولاً: لقد كان من أهم مخرجات اللجنة التحضيرية التي التأمت في بيروت في يناير 2017 برئاسة سيلم الزعنون، رئيس المجلس الوطني الفلسطيني ما يأتي:
1. العمل على إنهاء الانقسام.
2. دعوة الرئيس إلى إجراء ما يلزم من مشاورات لتشكيل حكومة وحدة وطنية تمثل الكل الفلسطيني.
3. استمرار اللجنة التحضيرية في نشاطها إلى أن تنجز الانتخابات لمجلس وطني جديد يمثل الكل الفلسطيني في الداخل بما فيه القدس وفي الشتات، غير أن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: ما الذي تم إنجازه في هذا السياق؟ الجواب هو أن اللجنة التحضيرية التي كان من توصياتها أن تستمر في مزاولة أنشطتها واجتماعاتها إلى أن يتم انتخاب مجلس وطني جديد هي ذاتها لم تفعل شيئاً مما كانت قد أوصت به، ولا نظن أن لذلك سبباً غير أن الرئيس عباس لم يشأ للإجماع الوطني الذي تحقق في اجتماعات اللجنة التحضيرية في بيروت أن يكون مثمراً.
ثانياً: لقد شددت جولة الحوار الوطني التي التأمت في القاهرة بتاريخ 22 نوفمبر 2017 بغية المصادقة على اتفاق المصالحة وركزت تأكيدها على ضرورة استئناف اللجنة التحضيرية عملها بناء على ما أوصت به هي ذاتها إلى أن يتم انتخاب مجلس وطني جديد يرث المجلس الوطني القديم (الحالي) الذي مضى على أخر اجتماع احتفالي له (1996) اثنتان وعشرون عاماً وعلى أخر اجتماع حقيقي له (1988) ثلاثون عاماً. أما السؤال هنا فهو: ما الذي جرى حيال تأكيد جلسة الحوار الوطني هذه على ضرورة استئناف اللجنة التحضيرية لأعمالها إلى أن تنجز انتخابات المجلس الوطني الجديد؟! الجواب هو أن الرئيس عباس لم يولِ ولو - أدنى اهتمام - لمخرجات جولة الحوار الوطني التي مهرتها بتوقيعاتها جميع الفصائل الفلسطينية دون استثناء، وكأن الرئيس عباس يريد أن يقول للجميع – كما شأنه دائماً – قولوا ما شئتم وأيدوا كما شئتم ووقعوا كيفا شئتم، أما أنا فأفعل ما أشاء.
ثالثاً: كان المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية قد أصدر في اجتماعه المنعقد في 5/3/2015 قراره القاضي بانتخاب مجلس وطني جديد في الشتات وفي الداخل الفلسطيني بما فيه القدس. والسؤال الطبيعي هنا هو: ما الذي تم إزاء هذا القرار؟ الجواب: لا شيء. ثم انعقد المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية مرة أخرى يومي 14 و15/2018 ليقرر مرة أخرى ما كان قد قرره في 5/3/2015 وهو انتخاب مجلس وطني جديد يمثل الشتات والداخل الفلسطيني بما فيه القدس. أما السؤال حول النتائج فجوابه أن لا نتائج حتى اللحظة غير أن هذه القرارات قد تمت إحالتها - بتكليف من اللجنة التنفيذية - إلى ما تسمى "اللجنة السياسية العليا" التي هي لجنة شكلية بغية تيسير القفز عنها وتجاوزها حيث إنه لا قيمة لها ولا لقراراتها أو توصياتها، إدراكاً منها أن الهدف منها هو الإلهاء وإضاعة الوقت وعدم إعطاء تلك القرارات أي أهمية، الأمر الذي يفسر - بكل وضوح - دعوة المجلس الوطني القديم وبصورته الحالية للانعقاد العاجل في 30/4/2018، غير أن الثابت والمؤكد هو أنه لو كان الرئيس عباس جاداً في إنفاذ قرارات المجلس المركزي لما كان هناك أدنى حاجة للجنة السياسة العليا التي كلفتها اللجنة التنفيذية بمتابعة قرارات المجلس المركزي، ذلك أن متابعة قرارات المجلس المركزي هي من صلاحيات واختصاصات اللجنة التنفيذية، دون سواها، طبقاً للنظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية.
رابعاً: لأن اللجنة السياسية العليا المكلفة من اللجنة التنفيذية يبدو أنها منقسمة على نفسها حيث يرى بعض أعضائها أن الدعوة لدورة انعقاد المجلس الوطني ربما توفر فرصة تتحقق من خلالها إمكانية للم الشمل وإعادة بناء الصف الوحدوي في مواجهة التغول الصهيوأمريكي، لا سيما وأن ترامب مصر على إنفاذ قراره بشأن القدس وأن نتنياهو مصر هو الآخر على مواصلة خطواته العملية في التهويد والاستيطان. هذا البعض يرى إمكانية لدعوة الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية إلى اجتماع عاجل تلتئم فيه جميع الفصائل والحركات والقوى والأحزاب والشخصيات الوطنية الفلسطينية بحضور اللجنة التنفيذية برئيسها ورئيس المجلس الوطني الفلسطيني لاتخاذ قرار وطني سياسي يكون نتيجة اجماع وتوافق وطني يستثمر الدعوة لانعقاد المجلس الوطني باعتبارها فرصة لانتخاب مجلس وطني جديد إعمالاً لما انتهت إليه اللجنة التحضيرية وبما يتوافق مع وثيقة الوفاق الوطني 2006 ومع مخرجات المجلس المركزي وجلسة الحوار الوطني في القاهرة (نوفمبر 2017). أما البعض الآخر، فقد ذهب إلى أن الوقت ليس فيه أدنى متسع لانتخاب مجلس وطني جديد وأن حركة حماس لا يجوز أن يفتح أمامها باب الولوج إلى منظمة التحرير الفلسطينية إلا بعد أن ننهي الانقسام وننجز كل الملفات المرتبطة به. أصحاب هذا الرأي يؤيدون إصرار عباس على أن ينعقد المجلس الوطني القديم بصورته الحالية في رام الله نهاية الشهر الجاري (30 أبريل) بغية إعادة تشكيل اللجنة التنفيذية فيتم إخراج بعض أعضائها وليستبدلوا بآخرين.
بناء على ما تقدم، فإن ما أصدره المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في مارس 2015 وفي يناير 2018 من قرارات ما تزال حبيسة الأدراج وإن قيل بإحالتها إلى لجان
لدراستها حيث إن إحالة أمور لدراستها تعني في معظم الأحيان - إن لم يكن جميعها - قتْلها ودفنها ومن ثم نسيانها حيث لا أحد بعد ذلك يتذكرها كي يتابعها أو يسأل عن مصائرها، وتاريخنا مليء بمثل هذه المعايب.
أما الخطاب السياسي الفلسطيني الذي يتنباه رئيس السلطة والجوقة التي تدور في فلكة فهو الخطاب الذي ألقاه عباس أمام مجلس الأمن في 20 فبراير 2018 والذي عاد فيه - على نحو بائس ويائس - إلى النهج الأوسلوي من جديد، باحثاً عن رعاية دولية جماعية للمفاوضات بدلاً من الرعاية الأمريكية الفردية، فقد قوبل بترحيب إسرائيلي واضح مع إيماءات أمريكية جريئة تتجه نحو التفكير في تشكيل رعاية جماعية دولية للمفاوضات، شريطة عدم الخروج عن سياسة الثبات على المرامي والغايات النهائية التي تقضي بما يأتي:
1. أن القدس هي عاصمة إسرائيل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
2. وأن الاستيطان لن يتوقف لا سيما وإنه لا يشكل أي إعاقة للتفاوض.
3. وأنه لا وجود لشيء اسمه حق العودة إذ يستعاض عنه بحلول بديلة.
4. إنهاء أعمال وكالة الغوث الدولية وأنشطتها.
وبعد، فإذا كانت المحافظة على منظمة التحرير الفلسطينية وحمايتها من خلال إعادة تفعيلها وبنائها وتطويرها هدفاً نال الإجماع الفلسطيني كما قرأنا في اتفاق القاهرة (مارس 2005) وفي كل اتفاق بعده وتم التأسيس عليه،
وإذا كان من أهم ركائز منظمة التحرير الفلسطينية وأهم وسائل وأسباب حمايتها أن ينعقد المجلس الوطني على نحو توحيدي لا فصائلي حزبي، الأمر الذي لا يترك مسوغاً لحزب أو فصيل أو حتى تحالف بعينه أن يوجه الدعوة (منفرداً ودون توافق) إلى عقد مجلس وطني لا تحضره كل الفصائل والأحزاب والقوى على نحو يمثل شعبنا تمثيلاً ديمقراطيا واقعياً، وإذا كان إعادة تفعيل وبناء وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية هو البوابة الأوسع والتتويج المبدع لتحقيق المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية وتصليب عودها، طبقّاً لما تم التأكيد عليه في جميع اتفاقيات المصالحة، فضلاً عن اجتماع اللجنة التحضيرية في بيروت في يناير 2017 الذي انتهى إلى التأكيد على "ضرورة عقد المجلس الوطني بحيث يضم كل الفصائل الفلسطينية، تطبيقاً لإعلان القاهرة في 4 مارس 2005 واتفاق المصالحة في مايو 2011 بالانتخاب أو بالتوافق"، وإذا كانت اللجنة التنفيذية – التي لا تحرك ساكناً إلا بإرادة الرئيس عباس وبأمره – قد أصدرت قرارها القاضي بعقد المجلس الوطني في 30/4/2018 دون توافق أولاً، وخلافاً لإعلان القاهرة 2005 ثانياً، وخلافاً لوثيقة الوفاق الوطني 2006 ثالثاً، وخلافاً لاتفاق المصالحة 2011 رابعاً، وخلافاً لمخرجات اللجنة التحضيرية في بيروت خامساً، بسبب أن بعض أعضائها قد انتقل إلى رحمته تعالى (غسان الشكعة) وبعض أعضائها قد أعفاه عباس – أو قُل طرده – من اللجنة التنفيذية وهو أمين سرها (ياسر عبدربه)، فيما البعض الآخر لم تعد لديهم القدرة على الحضور والمشاركة بسبب الهرم (النشاشيبي الذي قفز عن التسعين) أو المرض (ملوح)، ما يعني أن عضواً واحداً لو توفي فإن اللجنة التنفيذية سوف تفقد قدرتها على الاجتماع لعدم اكتمال النصاب القانوني الذي يمكنها من الاستمرار، وهو ما يجعل عباس متوجساً ومندفعاً نحو محاولة تنسيب أعضاء جدد إلى اللجنة التنفيذية من المنتمين لحركة فتح ، الأمر الذي يمكن فصيلاً واحداً بعينه من الاستمرار في الإمساك بجميع مفاصل السلطة وأركانها وبمقود السلطة والمنظمة حال غياب عباس، فضلاً عن أنه يبذل قدر ما يستطيع من جهد ليعزز وضعه داخل المنظمة كي يبقى هو المتصرف الأوحد على المستوى السياسي الفلسطيني، وإذا كان إعلان القاهرة 2005 قد انتهى إلى ضرورة تغيير المجلس الوطني القائم لصالح بناء مجلس وطني جديد قادم، دون أن يتم ذلك على الرغم من مرور ثلاث عشرة سنة على ذلك الاتفاق، وإذا كانت اللجنة التنفيذية قد قررت في 7/3/2018 عقد المجلس الوطني القديم بقوامه الحالي في 03/4/2018 في جلسة عادية دون مشاركة حماس والجهاد، كما صرح عضو اللجنة التنفيذية أحمد مجدلاني،
وإذا كانت الدعوة إلى عقد هذه الدورة للمجلس الوطني تتم على نحو يخالف النظام الأساسي للمنظمة، لا سيما وإنها تتم دون مشاورات ودون توافق، وإذا كانت هذه الدورة للمجلس الوطني تنعقد – بفعل قرار القيادة السياسية – دون مشاركة حركات وجبهات وفصائل مقاومة فرضت وجودها بثقل وزنها مثل حماس والجهاد مع مقاطعة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين،
وإذا كانت القيادة السياسية تصر على عقد هذا المجلس الوطني في ظل بيئة خلافية كبيرة على المستوى الفلسطيني بين الفصائل التي تنتمي للمقاومة والأخرى التي تؤيد نهج المفاوضة والتسوية، فهل يصدق أحد في رأسه عقل أن إصرار الرئيس عباس على عقد هذا المجلس الوطني على النحو الذي هو الآن عليه إنما ينطلق من مسؤوليته الوطنية نحو الشعب والوطن والقضية؟!
أما آخر الكلام، فقد وجب أن نتساءل عما إذا كان الإصرار على عقد المجلس الوطني على النحو البائس الذي نراه هو لحساب هدف وطني أم لتحقيق تمكين شخصي أو نصر أو تفوق حزبي/فصائلي على حساب الفصائل الأخرى وعلى حساب المصلحة الوطنية العليا التي تقتضي الابتعاد عن عبادة الأشخاص أو التنظيمات؟!!
بقلم/ د. أيوب عثمان