حين يطرح فيلم جديد على الاسواق مثل "القضية 23"، يقول الجمهور: فيلم لعادل كرم، أو فيلم جديد لكامل الباشا، أو فيلم زياد الدويري المُطبع....الـ... الـ...مع سيل من الشتائم.
اليوم أُعلِنُ رسمياً أنني شاهدت أخيراً: فيلم كامل الباشا وعادل كرم، النجمان اللذان أتابعهما وأحترم أعمالهما، نعم شاهدت الفيلم الممنوع من العرض في فلسطين وبعض المناطق العربية.
استمتعت بتمثيل كما بصمت الفنان الفلسطيني المقدسي الذي كان أبلغ من الكلام في الكثير من المشاهد، أشعرني بما كان يود قولَه، أمام الشجار الصغير بين لبناني مسيحي-وفلسطيني لاجيء في لبنان، شجار تحول إلى قضية رأي عام اصطدم فيها اللبناني بالفلسطيني أمام قاعة المحكمة التي كانت تبت في قضية طوني (عادل كرم) وياسر (كامل الباشا).
فلسطين أم القضايا لكن ليس كلها!!
لقد فتح الفيلم الباب على رؤيا أخرى للقضايا في المنطقة، لقد تعودنا محلياً وعربياً حين تمر بالفيلم رائحة فلسطين تكون القضية حاضرة بقوة، تأسر الجمهور، تجعلهم يذرفون الدموع، لكن هذه المرة لم "تأكل قضيتنا الجو" في الفيلم وهذا ليس عيباً، بل هي جرأة لعمل سينمائي يتحدث عن الطرف اللبناني وأثر الفلسطيني عليه والذي من الصعب نسيانه رغم وحشية العدو الاسرائيلي وغاياته ومطامعه الممتدة عربياً، وذلك حين يتعلق الأمر بمذبحة الدامور والتي قتل فيها 500 مسيحي لبناني.
الكثيرون لا يعرفون هذه المذبحة، لكن عائلات الضحايا مازالت موجودة وذاكرتهم ممتلئة بالجراح، هم حقيقة راسخة، تم سرد أحداث المجزرة بسلالسة ولم تُلقِ باللوم الكامل على الجماعات الفلسطينية التي لها يد فيها، وهي التي حدثت أثناء الحرب الأهلية اللبنانية. أُعجِبتُ بموضوعية الطرح، كما أنها فتحت الباب للفلسطينيين كي يفكروا دوماً بتأثير وجودهم أو تشردهم في أنحاء العالم على الغير. فلا يكفي أن تكون فلسطينيا ومظلوماً، تذكر دوماً أن تحترم المكان الذي احتضن لجوءك، بينما كان هذا المكان مستقراً ومستقلاً.
البطولة ليست فردية
لم تكن البطولة في الفيلم فردية، فكم القصص والشخصيات الموجودة فيه كلها تتسم بالقوة في التمثيل والحضور والآداء والأثر الذي تركته، فالمحامي الأب وابنته المحامية اللذان يتواجهان ضد بعضهما في قاعة المحكمة، والقاضي، والفكر السياسي في الفيلم، وزوجة طوني، ومسؤول ياسر في العمل... والتعريج على قضية عمل الفلسطيني المحرمة في لبنان... كلها جعلت الفيلم أكثر تكاملاً وهذا لا يعني أنني أنفي شتائم العالم عن المخرج زياد الدويري الذي أخرج سابقا فيلما فيه اسرائيليين في قصة تطلبت ذلك كما يقول، لكن كان يكفي أن لا نستقبله في فلسطين، وأن نعرف كيف نُقدِّر عملاً عربياً بمشاركة فنان فلسطيني قدير هو كامل الباشا. لكن الجنون في محاربة الفيلم بكل عناصره وأبطاله وروايته كان مبالغاً فيه، علينا أن نعيد تكوين نظرتنا حول التطبيع ومفهومه والا فلنحارب كل المتاجر في فلسطين والتي تبيع البضائع الاسرائيلية مثلاً. نعم، إما أن نرفض كلياً أو نعيد دراسة الواقع بناء على الاحتياجات وخطط التطوير التي علينا القيام بها قبل أن نحارب ونواجه ونقرر الحجب.
إنني أخشى أن نكون قد أصبحنا نبني صورتنا الوطنية من رفض المواقف غير الوطنية! فهل ننتظرها كي نعلن وطنيتنا أم أننا وطنيون قلباً وفطرة؛ فنرفض منتجات الاحتلال وكل أشكال التطبيع جملة، ونعدم من يستقبل الاسرائيليين في متحف الشهيد ياسر عرفات–لكننا لم نفعل- كما هو الحال حين أعدمنا عرض فيلم "القضية 23" في فلسطين، حتى أنه لم يستطع أي سياسي من المُطبعين والقائمين على فكرة أهمية العلاقات الفلسطينية-الاسرائيلية التجرؤ والدفاع عن فيلم سينمائي؟؟
كامل الباشا
شعرت بالفخر والانتماء لهذا الفنان الفلسطيني، الذي وُجِد في فيلم أعتقد أنه يشكل نقلة نوعية للفيلم اللبناني والعربي عموماً، والذي حصل على جائزة عالمية كأفضل ممثل، وفي فيلم بمقاييس عالمية وشعبية في آن واحد، وهذا أمر استثنائي حيث أن الأفلام العربية التي تنجح عالمياً ليس بالضرورة أن تنجح في بلادها وعادة ما يكون جمهورها من طبقة محددة. لقد كان الفيلم رائعاً بالمقاييس المحلية والعربية والعالمية والشعبية.. ومن لم يشاهده فقد خسر قيمة حقيقية، ومن فعل وأخفى ذلك فهو ليس حقيقي.
بقلم/ بثينة حمدان