إشيرائيل

بقلم: الأسير كميل أبو حنيش

يمثل هذا العنوان مجرد فرضية تاريخية تلتمس محاولة الإسناد بأن مسمى " إسرائيل" هو اسم كنعاني وليس خاصاً باليهودية كجماعة ومعتقد ديني وتاريخي.

وقبل مقاربة هذه الفرضية وإبراز المعطيات التاريخية الخاصة بها أود الإشارة إلى أنني ترددت مراراً في الكتابة بهذا الشأن طوال السنوات الماضية لأنني ببساطة لست مؤرخاً أو متخصصاً في الميثولوجيا وتاريخ المعتقدات، وكل ما في الأمر أنني طوال سنوات أسري كنت قد استحوذت على وثائق من دراسات تاريخية ومعتقدات وأديان قديمة، فاستغرقت في القراءة لعشرات الدراسات والأبحاث على هذا الصعيد لأن الاطلاع على التاريخ القديم لاسيما فلسطين ومعتقدات الكنعانيين من ديانة ومعتقدات الشعوب القديمة من شأنه أن يساهم في كشف الستار عن الحقائق الغائبة والمغيبة والمزيفة في ظل ما يرتكبه الصهاينة من عملية تزييف الحقائق وطمسها، فها نحن نقاتل على جبهة لا تقل أهمية عن الجبهات السياسية والكفاحية ألا وهي الجبهة الثقافية والتاريخية، ومن جانب آخر فإن هذه المعتقدات لا زالت تفعل فعلها وتعكس نفسها، بل وتتغلغل في حياة البشر وعاداتهم وثقافتهم، فبعض هذه المعتقدات لا تزال قائمة وكامنة في ثقافتنا ولا تزال أسماء المدن والقرى الفلسطينية هي ذاتها منذ الحقبة الكنعانية.

ولعل أبرز ما شدني هو مسمى " إسرائيل"؛ فانهمكت أبحث عن أصل المسمى حيث خالجني شك بأنه قد يكون أحد المسميات الكنعانية فكان أن توصلت إلى استنتاج واقعي، بأن هذا المسمى ما هو إلا تزاوج إلهين أسطوريين كنعانيين، وطوال أكثر من عشر سنوات حاولت إجراء دراسة مطولة بهذا الشأن أو كتابة رواية أدبية بعنوان " اشيرائيل" إلا أنه وفي ظل عدم توفر المراجع اللازمة في السجن وكذلك بسبب ظروف الأسر وضياع المواد والتوثيقات والاقتباسات قد حال دون إنجاز هذه المهمة، ولكن الفكرة ظلت تلح عليّ إلى أن قررت إنجازها على شكل مقالة مع إرفاقها بالمعطيات بهدف طرحها لنقاش عام لعلها تكون محفزاً للباحثين والمختصين بهذه الفكرة لما للمسألة التاريخية والميثولوجية من أهمية فائقة، خاصة ونحن نخوض صراعاً مريراً مع هذا المحتل الغاشم على كل شيء الأرض والتاريخ والتراث والمعتقدات.

كما وأود أن ألتمس عذراً من القارئ لغياب التوثيق الممنهج والعلمي وتسجيل المراجع والاعتماد على الذاكرة فحسب بسبب ضياع الكراسات ومصادرتها من قبل إدارات السجون، ولكن للأمانة أكتفي بتسجيل أسماء بعض الباحثين والمختصين التي استندت هذه المقالة على دراساتهم وأخص بالذكر الدكتور "عبد الوهاب المسيري" وموسوعته القيمة " الموسوعة اليهودية" وكذلك المؤلفات العديدة "لفراس السواح" و"مشعل الماجدي" و"جورجي كنعان" و"أحمد سوسو" و"شلومو ساند" و"إسرائيل شاحاك"، فضلاً عن عشرات الدراسات والمؤلفات الأخرى التي لا يتسع المجال لذكرها، إضافة إلى التوراة اليهودية والأناجيل المسيحية الأربعة والقرآن الكريم كمراجع عامة.

يقول ماركس " إن الحاضر هو الذي يملك مفتاح الماضي وليس العكس". وفيما أننا نعيش الحاضر وما ينطوي عليه من صراعات مريرة وعملية خداع وتزييف للحقائق على أيدي الصهاينة وفي ظل عملية الطمس والتشويه للتاريخ الفلسطيني القديم الأمر الذي لا يستوجب سجناً وإدانة فحسب وإنما القتال على هذه الجبهة من خلال متابعة الأبحاث والدراسات التاريخية والميثولوجية الحديثة التي من شأنها أن تكشف وتفضح حجم التزوير والتشويه الذي يتعرض له تاريخنا، فلقد ازدهرت علوم الآثار والتاريخ والميثولوجيا في القرنين الأخيرين وهو ما ساهم في الكشف عن عشرات الحقائق المطموسة وإماطة القناع عن أكبر عملية تزوير للتاريخ متمثلة بالتوراة اليهودية التي تدعّي أنها خاصة باليهودي وتاريخهم، فيما أثبتت هذه الدراسات زيف الرواية التوراتية ومزاعمها الفارغة، وكان لهذه الدراسات والكشوفات الأثرية أن سلطت الضوء على مساحات هائلة من المجاهيل الخاصة في التاريخ الكنعاني القديم وهو ما يجهله الناس بشكل عام والفلسطينيون على وجه التحديد، وهو ما يملي علينا نحن الفلسطينيون أن نكون أولى من غيرنا في الاهتمام بتاريخنا السحيق الذي سعى الصهاينة على طمسه وتزويره ونسبه للتاريخ اليهودي المزعوم من خلال اللجوء إلى سياسات التضليل والتحريف والتلفيق.

 حتى قبل أقل من قرنين من الآن كانت التوراة اليهودية تشكّل أقدم وأهم وثيقة تاريخية ومثلت مرجعاً رئيسياً إن لم يكن وحيداً للمؤرخين والباحثين وهو ما نجم عنه كتابة التاريخ البشري بصورة مغلوطة ومشوهة وغير علمية بوصفها كانت تمثل العهد القديم.

 بالنسبة لمليارات المسيحيين فإن هذه الأعداد الكبيرة وقعت ضحية للتلفيق والخداع إلى هذا الوقت إلى أن ظهرت الدراسات التاريخية وعلم الآثار والميثولوجيا في القرن التاسع عشر والعشرين على نحو أتاح للمؤرخين والعلماء والباحثين فرصة الكشف عن آثار وتاريخ الأمم الغابرة والمجهولة، وهو ما جعل من التوراة كتاباً هامشياً ومضحكاً يغص بالخزعبلات وكان أشبه بكتب الفولكلور.

وكشفت هذه الدراسات عما تضمنته التوراة من أساطير وقصص ومعتقدات تروي تاريخ اليهود ما هي إلا أساطير ومعتقدات لشعوب أخرى جرى السطو عليها من قبل محررين التوراة طوال عشر قرون من الزمن، وهذه الدراسات الأثرية والتاريخية الهامة التي ظهرت في كافة أرجاء العالم لا سيما في مصر وفلسطين وبلاد الشام والعراق باعتبار هذه البلاد هي مهد الحضارات الإنسانية الأولى، حيث كشفت عن حضارات الفراعنة والسومريين والبابليين والآشوريين والآراميين والكنعانيين. والأهم من كل ذلك أن كل ما تناقلته آثار التوراة عن هذه الحضارات ما هو إلا عملية تشويه وتزوير للحقائق، والنتيجة أن هذه الأبحاث كشفت أنه ليس لليهودي أدب مبتكر وأن معظم ما تضمنته آثار التوراة من شخصيات ومعتقدات وأساطير ما هي إلا معتقدات وأساطير للشعوب القديمة جرى اقتباسها والسطو عليها ونسبها لليهود، وهي معتقدات وأساطير كنعانية وآرامية وسومرية وبابلية وآشورية وفرعونية وإغريقية ورومانية، حيث استمرت كتابة التوراة لأكثر من ألفي عام امتدت من القرن السادس قبل الميلاد وحتى القرن السادس الميلادي، وقد شكّلت المعتقدات الكنعانية والفلسطينية العمود الفقري للديانة اليهودية، ومن يتأمل آثار التوراة ويقارنها بالدراسات الحديثة سيدرك حجم الطمس والتشويه واللصوصية الذي تعرض له التاريخ الكنعاني، وكما تشير الدراسات أنه كان للشعب الكنعاني خامات حضارية وثقافية هامة كان لها تأثيرها العميق ليس على المنطقة فحسب وإنما على العالم القديم بأسره، ومما يجمع عليه المؤرخون أن أولى المستعمرات الزراعية في التاريخ البشري ظهرت قبل أكثر من عشرة آلاف عام في وادي الناطوف جنوب شرقي القدس، كما أن أقدم المدن في العالم ظهرت في فلسطين، ولا زالت موجودة حتى الآن منها: أريحا، يافا، عكا، أورشالم " القدس" ، شكيم " نابلس"، بيسان...الخ.

كما كان للكنعانيين أهم الاسهامات في صناعة السفن والتجارة البحرية، ولعل أهم المنجزات التي قدّمها الكنعانيون للإنسانية هي اختراع الأبجدية التي شكّلت أهم الأسس للحضارة البشرية، علاوة على المعتقدات الدينية الكنعانية التي تركت تأثيرها العميق على المعتقدات والأديان العالمية، وهذه المعتقدات هي موضوعنا في هذه المقالة، ولكن قبل الدخول مباشرة في معالجة هذه المعتقدات يتعين علينا الإشارة الهامة من هذه الحقائق أن الكنعانيين هم ذاتهم الفينيقيون حيث يجري خطأ التفريق بينهما وكأنهما شعبين مختلفين، والفينيقيون هو لقب أطلقه الإغريق ( سكان الجزر اليونانية في بحر ايجه) على السفن الكنعانية التي كانت تطل في البحر حاملةً الأعلام الارجوانية الحمراء ومعنى أرجواني أو أحمر في اللغة اليونانية ( فوينيكِس)  ومن هنا تم تسميتهم بالفينيقيين أو الفينوكس، وفي هذا فإن المعتقدات ومظاهر الحضارة الفينيقية هي ذاتها الكنعانية، أما الحقيقة الأخرى فإن ما يُسمى اللغة العبرية هي ذاتها اللغة الكنعانية القديمة فلا يوجد في التاريخ لغة العبرانيين أو لغة اليهودي وإنما لغة الكنعانيين، أما اسم " كنعان" فتعني في اللغة الكنعانية " الأراضي المنخفضة" ( كنع)، أي منخفض وهي توازي (رام) أي (مرتفع) وفي هذا اُطلق اسم الآراميون على سكان الأراضي المرتفعة، والكنعانيون على سكان الأراضي المنخفضة، أما الشعوب التي كانت تعيش في بلاد الشام كلها تسمى "الأموريون" أو "العموريون" قسم منهم يُسمى " الآراميون" أي سكان الأراضي المرتفعة، والقسم الآخر يُسمى " الكنعانيون" أي سكان الأراضي المنخفضة، وفي الميثولوجيا القديمة للشعب الآموري كان اسم الإله الأول ( شمايم) أي (السماء) واسم زوجته الإلهة ( آدما) أي ( الأرض)، ومن هنا جاء مسمى ( بلاد الشمايم) أي ( بلاد السماء) أي المناطق المرتفعة، وأصبحت مع الوقت تُسمى ( بلاد الشام).

أما سكان الأرض ( آدما) حيث أطُلق على سكان الأراضي المنخفضة أو جزء منهم، ( فالأدميون أو الآدوميون وهي تعني الأرضيون مقابل السماويون سكان الأرض المرتفعة)، وحسب الميثولوجيا لهذه الشعوب أن ( الإله شمايم) أنجب من زوجته (آدما) ابنهما البكر وهو الإله (إيل).

حيث خاض هذه الإله الابن حرباً ضد والده ( شمايم) وانتصر عليه، وغدا هو الإله المركزي، و(إيل) في اللغة الكنعانية هو (عَل) أي العالي أو العلي، ولأن حرف العين لا تُلفظ في اللهجة الكنعانية وتُحوّل إلى همزة والهمزة تقتضي الكسر فتصبح ( إيل) وحسب هذه الأساطير فإن للإله ( إيل) كانت زوجة تُسمى ( عشيرة) ولقبها ( ايلات)، ولا تزال مدينة " ايلات" تحمل اسمها إلى اليوم، ولأن حرف العين في " عشيرة" أيضاً يحُوّل إلى همزة مكسورة فتصبح ( إيشرة) وقد اكتسبت الميثولوجيا الكنعانية أهمية فائقة في التاريخ القديم حتى أن قارتي آسيا وأوروبا هما في الأصل إلاهين كنعانيين، كما أنه ونتيجة لتزاوج الآلهة مع البشر أنجبوا أبناءً ضخام القامات سُميت الجبال بأسمائهم مثل جبل ( قاسيون) وجبل ( لبنان) كما تركت الآلهة القديمة بصماتها على أسماء المدن " كبيروت نسبة إلى الإلهة بارات" و"عنابة" نسبة إلى الإلهة " عنب".

وسنة 1929 تم العثور على مكتشفات أثرية مهمة في رأس شمرة قرب العاصمة القديمة " أوغاريت" في سوريا، وأبرز هذه المكتشفات هي ألواح الملك الكبير.

ويرى الأستاذ ( ديل ميديكو) استناداً إلى ألواح الملك الكبير أن فلسطين كانت تُسمى ( مريام) أو (موريم) قبل أن تحمل أي اسم آخر، و(موريم) تشير إلى ( آمور) أي ( بلاد الأموريين) وهم سكان البلاد وأهلها، ولا يزال جبل ( موريان) في القدس إلى اليوم يحمل ذات الاسم، وهو ذات الجبل الذي يُقام عليه الحرم القدسي، وهو ذاته المكان الذي ادعى اليهود أنهم أقاموا عليه هيكلهم المزعوم بعد أكثر من ألفي عام من تقديسه من قبل "الأموريين" أي قبل ظهور اليهودية بقرون، وأصل كلمة ( مريام) أو ( أموريا) يعود إلى الإلهة الوسطانية للأموريين حيث كانت الإلهة الأم للأموريين تدعيّ (يام) وكان إله السماء لديهم يحمل الاسم ( مُر)، كما وبرزت العادة لدى الشعوب القديمة أنه يجري تزويج الإله الذكر مع الإلهة الأنثى، وبهذا يصبح الاسم (موريام) أو (مريام) وتحوّل مع التاريخ إلى اسم ( مريم).

ومن بين المكتشفات الأخرى في الأوغاريت التوراة الكنعانية اليهودية، وفي ظل هذه التوراة سُجلت الصلوات والابتهالات والأساطير والمعتقدات الكنعانية، ومن بين هذه الأساطير المعروفة أن الإله (إيل) وزوجته (شيرا) أنجبا الإله ( بعل) ( إله المطر الكنعاني) والإلهة ( عنات) ( إلاهة الحب والجمال الكنعانية) ولا زلنا بعد مرور آلاف السنين نستخدم مفهوم الزراعة البعلية نسبة إلى الإله ( بعل)، أيضاً مدينة " بعلبك" في لبنان ما زالت قائمة، وكذلك بلدة " عناتا" قرب القدس نسبة إلى الإلهة الأسطورية (عنات) ، فهذه الأساطير  والأسماء هي كنعانية بالأساس، ولا زالت مئات المدن والبلدات الفلسطينية إلى اليوم تحمل الأسماء الكنعانية ذاتها، واليهودية كما أسلفنا اقتبست معظم التسميات إلى جانب المظاهر الحضارية والثقافية والمعتقدات الكنعانية، ولا يزال اليهود يعبدون الإله الكنعاني ( إيل) وأيضاً بصيغة الجمع ( إيليهوم) أي ( رب الأرباب) ويتسمون بأسماء كنعانية إلى اليوم ( هنيباعل، عانات، ياعيت، راحيل، حبوعيل، أرائيل...الخ) أما المدن فلا زالت هي الأخرى تحمل هذه الأسماء الكنعانية (أورشالم، بيت لحم، عكا، يافا، بيسان، إيلات، شكيم...الخ)، إلى جانب أسماء المدن في الحقبة (البلاستية) ( كأشكلون، واسدود، وغزة) علاوة على مئات القرى والبلدات التي لا تزال تحمل أسماء كنعانية، وبعد الغزوة الصهيونية الحديثة جرى إعادة صياغتها على أنها أسماء وتراث يهودي توراتي.

لقد كشفت البحوث والدراسات التاريخية المستندة على المكتشفات الأثرية في بلاد الشام ( بلاد كنعان) عن نشأة حضارة عظيمة قبل ظهور اليهودية بآلاف السنين، وأن ما حملته أسفار التوراة اليهودية في معظمه ما هو إلا معتقدات كنعانية بالأساس إلى جانب الأساطير والمعتقدات الفرعونية والبابلية والسومرية والآرامية والفارسية...الخ، وكذلك اللغة المسماة " اللغة العبرية" هي " اللغة الكنعانية القديمة" فضلاً عن أسماء المدن والبلدات، فلمِ لا تكون " إسرائيل" أيضاً هي مسماً كنعانياً، وهذه الفرضية نطرحها استناداً على ما أسلفنا، ونصوغها على النحو التالي:

أولاً: الاسم " إسرائيل" ويسميها اليهود " يسرائيل" أو " يشرائيل" مع ضرورة الإشارة إلى أن حرف السين هو أيضاً حرف الشين في اللغة الكنعانية.

ثانياً: الإله (إيل)) هو الإله المركزي في الميثولوجيا الكنعانية، وقد درجت التسميات على إلحاق (إيل) بها مثل (سموئيل) ( أي سماء إيل)، ( عدنائيل) أي ( جنئيل)، ( روفائيل، يشفائيل، اشموئيل، يسماعئيل) إلى جانب ( راحيل وياعيل) ...ألخ.

كما توجد مسميات لمدن ومناطق جغرافية مثل الجليل (معناها جل إيل) أي (يجلى ائيل) أو الكرمل وتعني ( كرمائيل) أو ( كرم ايل) ...الخ.

ثالثاً: الإلهة (اشيرا) وهي زوجة الإله ( إيل).

رابعاً: لدى تزاوج الإلهين الكنعانيين (اشيرا + إيل) بمسمى واحد تصبح ( إشرائيل) أو ( إسرائيل أو يسرائيل)، ولدى قلبها تصبح ( إيلاسيرا) وتحُوّر إلى ( إيلي سار) وهي ذاتها التي يُنسب إليها تأسيس مملكة " قرطاج" المعروفة.

خامساً: أما سبب لفظها من جانب اليهود ( بإسرائيل) سنأتي بالمثل التالي ( مدينة أورشالم هي بالأساس عير شالم أي مدينة السلام، ولأن قلب العين إلى همزة يقتضي الكسر فإن اليهود يلفظونها يورشالايم، وبهذا فإن اشيرائيل تلُفظ بإسرائيل)، ومن المؤكد بأن مسمى " إسرائيل" أو " إشيرائيل" كان دارجاً ومألوفاً في الحياة الاجتماعية والثقافية الكنعانية، وقد ورُد في إحدى الألواح الطينية الفرعونية الذي جرى اكتشافه في أحد المواقع الأثرية المصرية قبل أكثر من قرن أنه في أحد الحملات الفرعونية على أرض كنعان جرى إخضاع أكثر من 200 مدينة وبلدة كنعانية، وكان من بين هذه البلدات بلدة تحمل اسم " إسرائيل" وهذه الحملة جرت قبل ظهور اليهودية بقرون، وهو ما يدلل على أن المسمى كان شائعاً قبل ظهور اليهودية.

ومن الواضح أنه قد جرى اقتباسه من قبل اليهود مثلما جرى اقتباس شتى المظاهر الثقافية والمعتقدات الكنعانية، ولم تذكر التوراة اليهودية سبب تسمية " يعقوب بإسرائيل"، ولم تشر إلى معناه الدقيق، وقد ورُد نصان في سفر التكوين عن هذه التسمية، ويقول النص الأول على لسان ملاك الرب الذي ظهر ليعقوب في الطريق (لاَ يُدْعَى اسْمُكَ فِي مَا بَعْدُ يَعْقُوبَ بَلْ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ اللهِ وَالنَّاسِ وَقَدَرْتَ) (سفر التكوين – الأصحاح 32). وفي موضوع آخر (وَظَهَرَ اللهُ لِيَعْقُوبَ أَيْضًا حِينَ جَاءَ مِنْ فَدَّانِ أَرَامَ وَبَارَكَهُ، وَقَالَ لَهُ اللهُ: «اسْمُكَ يَعْقُوبُ. لاَ يُدْعَى اسْمُكَ فِيمَا بَعْدُ يَعْقُوبَ، بَلْ يَكُونُ اسْمُكَ إِسْرَائِيلَ». فَدَعَا اسْمَهُ «إِسْرَائِيلَ») (سفر التكوين-الأصحاح35).

وبهذا فإن المسمى التوراتي لا يشير إلى أي معنى وهو ما قد يدل على طمس مقصود للمسمى الفعلي، كما تدعّي هذه الفرضية أن الديانة اليهودية ليست ديانة توحيدية وإنما ديانة ثانوية تحمل رمزاً لإلاهين أسطوريين أنثوي وذكري.

والآن لنقارب هذه الفرضة من زاوية المعتقدات اليهودية ذاتها ارتباطاً بالمُسمى " إسرائيل":

أولاً: ( إيليا) هو أحد الأنبياء اليهود الكبار الذي وُرد ذكره في التوراة، و(إيليا) هو اختصار اسم (إيلياهو) وأصل الاسم هو تزاوج الإله الكنعاني ( إيل) مع الإله اليهودي (يهوا)، كما ويتسمى اليهود باسم (إيلاهم) وأصل هذا المسمى هو بتزاوج الإله الكنعاني ( إيل) مع الإله السومري ( آم)، وهذا يعني أن تزاوج الآلهة بالأسماء اليهودية عادةً دارجةً، وهو ما ينطبق أيضاً على مُسمى " إسرائيل".

ثانياً: الصوفية اليهودية التي تُسمى ( الكابالا) هي بالأساس عبارة عن تزويج الإله الذكر بالإلهة الأنثى، أما التعبير الأنثوي للإله وفقاً لـ( الكابالا) اليهودية تُسمى ( الشخيناه)، وهي كناية عن الشعب اليهودي بوصفه زوجة الإله المقدسة.

ثالثاً: الصلاة اليهودية هي في الأصل التقريب بين العريس الإله وبين العروسة الإلهة الأنثى أو (الشخيناه) ويقول اليهودي أثناء صلاته ( من أجل توحيد الواحد المقدس مع أنثاه).

رابعاً: أحد الأعياد اليهودية يُسمى عيد " بهجة التوراة" أو عيد " زفاف التوراة" بحيث يجري تشبيه التوراة بالعروسة التي يجري زفافها للإله الذكر.

خامساً: نشيد الإله التوراتي هو بمثابة زفاف الشعب اليهودي الأنثى إلى الإله الذكر.

سادساً: يعتقد اليهود أنه بعد هدم الهيكل الثاني على يد الرومان في القرن الأول الميلادي انفصل الإله الذكر عن أنثاه " الشخيناه" ولم يجرِ الاتصال ثانية بين الزوجين إلا بعد بناء الهيكل الثالث على يد المسيح المنتظر.

سابعاً: كما أن النجمة السداسية هي عبارة عن مثلثين متداخلين حيث يرمز المثلث المقلوب على القاعدة ورأسه إلى الأعلى للإله الذكر، بينما يرمز المثلث الآخر ذو الرأس للأسفل والقاعدة للأعلى إلى الإلهة الأنثى.

وفقاً لهذه المقاربة فإنه يمكننا الادعاء أن الديانة اليهودية ديانة ثانوية، وليست توحيدية تقوم على أساس تزاوج إلهين ذكراً وأنثى، وإذا صحت هذه الفرضية فإن مسُمى " إسرائيل" ما هو إلا اسم مركب من إلهين أسطوريين كنعانيين (شيرا + إيل).

والآن بعد هذه المقاربة أعيد التأكيد على أن ما ذُكر أعلاه حول مسمى " إسرائيل" هو مجرد فرضية مطلوب إثباتها، وهذا يحتاج إلى إجراء بحوث ودراسات من جانب الباحثين والمختصين.

وفي الختام، هي دعوة للشعب الفلسطيني ولعموم الباحثين العرب والمختصين إلى ضرورة الاهتمام بهذا التاريخ، وإعادة دراسته، ونحن أيضاً أجدر من غيرنا في الدفاع عن تاريخنا وتراثنا وحمايته من كل محاولات الطمس والتزوير، ففي هذا الصراع استخدم الصهاينة الماضي التوراتي الذي هو في الأساس ماضٍ وتاريخٍ كنعانيٍ ساطعٍ، ويتعين علينا استحضار هذا التراث واسترداده، فنحن الشعب العربي الفلسطيني نُعتبر امتداداً طبيعياً للشعب الكنعاني الأصيل، ولابد من الإشارة إلى ضرورة تبني أسماء المدن الكنعانية القديمة، فعندما نصر على القول أنها ( القدس وليست أورشاليم، أنها أم الرشراش وليست إيلات، أنها نابلس وليست اشكيم، وأنها بيسان وليست بيت شان، وأنها  عكا وليست عكو، أنها يافا وليست يافو) نكون كأننا نعفي أنفسنا من التاريخ، ونمنح الصهاينة فرصة ذهبية للسطو على تاريخنا وتراثنا وإدعائه وتزييفه وتكييفه، بما يخدم الأهداف الصهيونية.

وأختم بهذه العبارة البليغة للمفكر العربي قسطنطين زريق" ( لسنا متخلفين فكرياً لأننا ننظر إلى تراثنا نظرة خاطئة، وإنما نحن ننظر هذه النظرة بسبب تخلفنا الفكري).

إنه تاريخنا وتراثنا ومعتقدات أسلافنا وأساطيرهم التي لا تزال تترك بصماتها الواضحة في هوية هذه الأرض رغم مرور آلاف السنين.

كميل أبو حنيش (*)

مسئول فرع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في سجون الاحتلال، ومن أبرز قيادات الحركة الوطنية الأسيرة
مركز حنظلة للأسرى والمحررين