إستمرارية وحيوية إنعقاد المؤتمر لأكثر من عقد ونصف؛ يمثل بحد ذاته تحدياً على مستوى القارة الأوروبية، وهو المستهدف من اللوبي الصهيوني الذي يحاول في كل عام وضع العراقيل أمام إنعقاده أو تحقيق أهدافه، بالإضافة إلى محاولات الضغط على المشاركين وثنيهم عن الحضور من خلال بث الإشاعات والأخبار المُضلِله، إلا أن المؤتمر وفي كل عام وبحضور آلاف الفلسطينيين من أوروبا وأماكن اللجوء والشتات ومعهم المتضامنين من صانعي القرار ومن جنسيات مختلفة..، يثبت بأنه قادر على تجاوز تلك العراقيل وتحقيق نقاط إضافية لصالح القضية الفلسطينية لا سيما على مستوى قضية اللاجئين وحق العودة، وبأن الشعب الفلسطيني قادر بوعيه وإدراكه على التمييز ما بين الحقائق الأكاذيب ومعه طيف واسع من المتضامنين.
بمشاركة واسعة فلسطينية وعربية وأجنبية من سياسيين وإعلاميين وفنانين ونقابيين وحقوقيين ومؤسسات أهلية غير حكومية محلية وعالمية وشخصيات.. ينعقد مؤتمر فلسطينيي أوروبا في نسخته السادسة عشر في 29/4/2018 الجاري في مدينة ميلانو في إيطاليا تحت عنوان "سبعون عاماً.. وإننا لعائدون".
بات المؤتمر - كأكبر وأضخم تجمع لفلسطين في القارة الأوروبية - يمثل رافعة للعمل الفلسطيني في أوروبا، ويُنظر إليه كنقطة تحول إستراتيجي في التأثير على صانع القرار في أوروبا، وكقيمة وطنية مضافة من خلال دعوة جميع المشارب السياسية الفلسطينية، إذ لا عَلَم يُرفع في المؤتمر إلا العلم الفلسطيني ومعه الكوفية الفلسطينية للتعبير عن الهوية الوطنية التي تجمع الكل الفلسطيني.
لا يتسع المقام لذكر عشرات المؤسسات الأهلية والمبادرات التي انبثقت عن المؤتمر طوال الفترة الماضية وفي مجالات مختلفة صحية وتربوية وإجتماعية ونقابية.. والتي رصيدها وأثرها تعدى أوروبا ليصل إلى معظم الإنتشار الفلسطيني لا سيما في مخيمات وتجمعات اللجوء.
يتزامن عقد المؤتمر هذا العام في ظل عدد من الإستحقاقات الوطنية والمحطات المفصلية، ربما أبرزها إنطلاق فعاليات مسيرة العودة الكبرى في غزة التي يواكبها فلسطينيو أوروبا والمخيمات والشتات بفعاليات مختلفة، وهي التي بدأت في 30/3/2018 بمناسبة يوم الأرض وستصل ذروتها في 15/5/2018 مع ذكرى سبعينية النكبة التي يحيي شعبنا الفلسطيني ذكراها في كافة دول العالم.
المحطة الأخرى تتمثل بعقد المجلس الوطني الفلسطيني في مدينة رام الله المحتلة في 30/4/2018 والذي شكل حالة من الرفض لدى طيف كبير من أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج والمراقبين من غير الفلسطينيين وامتناع المئات من أعضاء المجلس عن المشاركة لما سيسببه من تفاقم لحالة الإنقسام السياسي في الصف الفلسطيني، إذ أن إنعقاده جاء مخالفاً لما تم الإتفاق عليه في اللقاء التحضيري للمجلس الوطني الذي عقد في مقر السفارة الفلسطينية في بيروت في 11/1/2017 بأن يجري العمل على عقد الدورة العادية للمجلس في دولة عربية، وبمشاركة جميع القوى السياسية بلا إستثناء.
يتزامن إنعقاد المؤتمر كذلك مع ما تتعرض له قضية اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة من تهديد بسبب تراجع خدمات "الأونروا" والإستهداف غير المسبوق للوكالة الدولية والذي بلغ ذروته مع قرار الإدارة الأمريكية بدفع مبلغ 60 مليون دولار من أصل 135 مليون يفترض دفعها في بداية العام 2018، ومع النتائج المالية المخيبة للآمال التي خرج إليها مؤتمر روما لإنقاذ "الأونروا" الذي عقد في 15/3/2018 والتي جمع فيها 100 مليون دولار من أصل 446 مليون هو العجز المالي للوكالة نصف المبلغ دفعته دولة قطر ثم تبعتها بعد ذلك السعودية بدفع 50 مليون دولار، وعلى الرغم من تغطية بعض العجز المالي إلا أن الرسم البياني للتقليص لا زال في الإنحدار، وهذا بالتالي سيكون له إنعكاسات سلبية على حوالي 6 مليون لاجئ فلسطيني على المستوى السياسي والإنساني (الإقتصادي والإجتماعي) والأمني.
التحدي الآخر الذي يواجهه المؤتمر يتعلق بقضية القدس وقرار الإدارة الأمريكية الذي ضرب بعرض الحائط القوانين والأعراف الدولية وتحدى أكثر من 13 مليون فلسطيني وملايين العرب والمسلمين والمتضامنين، أولا بالإعتراف بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي المحتل، وثانياً الإستعداد لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة في 14/5/2018.
قضية حوالي 7 آلاف أسير في سجون الإحتلال الإسرائيلي واحدة من المحاور الرئيسية والهامة التي سيسلط المؤتمر الضوء عليها، وكذلك حصار غزة، وأوضاع فلسطينيي سوريا، ودور المرأة والشباب الفلسطيني، وأوضاع اللاجئين في المخيمات، وسرطان الإستيطان المستشري في أراضي الضفة الغربية، وتهويد القدس وغيرها من القضايا الساخنة.
هي تحديات جسام أمام المؤتمر لمتابعتها وتسليط الضوء عليها كرواية حقيقية في مواجهة الرواية المزيفة التي يحاول الإحتلال وأعوانه ترويجها، وبهدف النشر والتعريف بقضيتنا الفلسطينية العادلة وملفاتها المتعددة والتحديات التي تواجهها، وبأننا كفلسطينيين عموماً وكلاجئين على وجه الخصوص لا زالت قضيتنا حية على الرغم من مرور 70 سنة على النكبة، وبالتالي الضغط على صانع القرار الدولي للمزيد من التضامن أولاً، ولاسترجاع الحقوق التي سلبها الإحتلال وأعوانه منذ عقود ثانياً.
بقلم/ علي هويدي