غزة لا تنتظر منة أحد

بقلم: أسامه الفرا

التعامل مع غزة خرج عن سياق ادبيات العمل الوطني، وبات يخضع لمنظومة غير سوية من الأفكار الهدامة، فلم تكن غزة في يوم من الأيام حملاً على كاهل أحد يراد التخلص منه، بل دوماً شكلت رافعة للعمل الوطني ورسمت بدماء أبنائها أروع اللوحات النضالية، ولا تستحق غزة بعد ما قدمته وتقدمه من تضحيات أن يتم التعامل معها بهذا القدر من الاستخفاف، فلم تعد غزة حاضرة في أروقة صنع القرار وبات دورها يقتصر على استدعائها وقتما اقتضت الضرورة، تدلي باصواتها التي لا تغير شيئاً من المطلوب انتاجه كي تكمل تابلوه المشهد المسرحي، ومن ثم تعود أدراجها على وقع اغلاق غرف الفنادق بعد أن تكون أدت المهمة المطلوبة منها، غزة تحولت الى مستقبل لكل من هب ودب أن يجرب عنترياته اللغوية، ولغة مخاطبتها أشبه ما تكون باللغة القائمة بين السادة والعبيد من فاقدي الإرادة، فإلى أي مدى يمكن لغزة أن تتحمل البقاء على هامش القرار والفعل، وهل عليها فقط أن تدلي بآيات الولاء والطاعة أمام هذا الاستقواء دون أن يكون لها مساحة ولو ضيقة في التعبير عن رأيها؟.
يبدو أن السلطة ومعها حكومة الحمدالله فهمت الاستقبال الحافل الذي حظيت به في قطاع غزة بالشكل الذي كنا نخشاه، لم تدرك الحكومة أن الاستقبال لم يكن لها بقدر ما كان للمصالحة علها تتمكن من طي صفحة إنقسام طال أمده وأثخنت نتائجه جراح المجتمع الفلسطيني، ولا نحمل الحكومة وحدها وزر هذا الفهم الخاطيء بل عملنا نحن على إيصال ذلك حين تهافت الكثير لإلتقاط الصور مع القادمين الينا، فبعد القصور البين من الحكومة تجاه غزة وجدت الكثير ممن تهافتوا لمصافحة أركانها وكأنهم الفاتحين لأسوارها المغلقة، الحقيقة التي لا يدنو منها شك أن حماس أخطأت بإنقلابها بل أنها جذرت فيه صفة الخطيئة، ولا يمكن لأحد أن يعفيها من المسؤولية عما آلت إليه الأمور في القطاع من تدهور في كافة مناحي الحياة، ولكن الحقيقة المرادفة أن السلطة تعاملت بردات فعل سمحت لحركة حماس أن توطد من سلطتها عليه.
رغم تخبط السلطة وإهمالها لقطاع غزة على مدار سنوات الانقسام، إلا أن التغول على قطاع غزة في الآونة الأخيرة أخذ طابع العقاب الجماعي الكارثي، ولا تخفي السلطة بأن إجراءاتها الأخيرة تجاه قطاع غزة تهدف بالمقام الأول إلى دفع سكان القطاع للإنفجار في وجه حماس، دون أن يستوقفها مآلات ذلك والمستنقع الذي يمكن أن يغوص فيه قطاع غزة ويصعب الخروج منه لطبيعة التركيبة السكانية فيه، سيما وأن عقد من الزمان لم نتمكن خلاله من معالجة تداعيات الانقلاب، فكيف سيكون الحال عليه إذا ما دخل القطاع في اقتتال داخلي يصعب الخروج منه ويستحيل علينا معالجة تداعياته ناهيك عن انعكاساته المدمرة على المشروع الوطني، ولماذا نحمل أبناء قطاع غزة وزر فشل القيادة في الحفاظ عليه؟.
هل السلطة من خلال رفع وتيرة الخناق على قطاع غزة بإستطاعتها استعادته إلى "شرعيتها"؟، وهل إحالة عشرات الآلاف من الموظفين إلى التقاعد المبكر يكفل لها تدجين القطاع وإبقائه في خانة اللا فعل؟، وهل وقف صرف رواتب الموظفين والشؤون الاجتماعية من شأنه أن يجعل من قطاع غزة يجثو على منكبيه؟، وهل من القيم الوطنية في شيء وقف مخصصات الأسرى واسر الشهداء؟.
غزة لا تستجدي أحداً ولا تنتظر منة من أحد بل تطالب بأقل من حقها، وغزة ليست بحقل تجارب لمن يعيش بمعزل عن همومها، والحقيقة التي لا يدركها سوى جاهل أن من يقطع الحبل السري الذي يصل غزة بباقي الوطن هو من يدفعها رغماً عن أنفها إلى الابتعاد.

 د. أسامه الفرا