أهداف مسيرة العودة الكبرى بين الواقعية والعدمية

بقلم: مصطفى يوسف اللداوي

قد كان ولا زال لمسيرة العودة الوطنية الفلسطينية الكبرى عندما انطلقت أهدافٌ وغاياتٌ، أعلن عنها منظمو المسيرة والمنظرون لها، وكشفت عنها الجهات الحزبية والقوى الوطنية، وانطلق على أساسها المواطنون واحتشد تحقيقاً لها الشعب بكل فئاته، وعبرت عنها وسائل الإعلام وركز عليها المتحدثون باسم المسيرة والناطقون باسمها، وقد آمن المواطنون بالأهداف المعلنة، واعتقدوا بها وعملوا بموجبها، ورأوا أنها أهدافاً واقعية يمكنهم تحقيقها، ويسهل عليهم إنجازها، وتستحق أن يخرجوا من أجلها، وأن يضحوا في سبيلها، ويمكن تطويرها والبناء عليها، وصولاً إلى الغايات الكبرى للشعب الفلسطيني، إن هم أحسنوا التخطيط وراكموا الجهود ونظموا العمل، ولفتوا الرأي العام الدولي، واستجلبوا التأييد الشعبي العربي والإسلامي والأممي لها.
لم يرفع الفلسطينيون سقفهم عالياً مخافة ألا يصلوه، ولم يكبروا حجرهم خشية أن يعجزوا عن تحريكه، فكانت أهدافهم متواضعة بسيطة، ويسيرةٌ محدودة، ومنطقيةٌ سهلة، بقدر ما هي طبيعية ومشروعة، وممكنة ومرنة، واعتقدوا أن مسيرتهم ستكون أمضى من السلاح، وأقوى من المواجهات، وأشد تأثيراً وأكثر تغييراً من المتفجرات، لأنها تخاطب الضمائر وتستفز المشاعر وتحرك القلوب، وتلفت الأنظار إلى الألم والمعاناة، والظلم والقهر، والاضطهاد والجور، وإلى ممارسات الاحتلال بحقهم، واعتداءاته عليهم، وقتله البشع لأبنائهم، وتعمده إطلاق النار عليهم بقصد القتل أو العطب.
أعلن الفلسطينيون عندما خططوا لانطلاق مسيرتهم في ذكرى يوم الأرض، أن غايتهم العودة إلى الأرض والديار، وإلى القرى والبلدات التي أخرجوا منها، وتحرير الأرض واستعادة الحقوق، ونيل الحرية وتحقيق الاستقلال، وأن مسيرتهم التي بدأت يوم الأرض ستتواصل على مدى الأيام، ولن تقتصر على قطاع غزة فقط، بل ستمتد لتشمل مدن الضفة الغربية والقدس، والأرض المحتلة عام 1948، وكافة مناطق شتات ولجوء الشعب الفلسطيني، وستتعدد الفعاليات وتتنوع بكل جديدٍ يفاجئ الاحتلال ويربكه، ويفسد خططه ويبطل مشاريعه، ويجبره على التراجع والانكفاء، والتروي والانضباط والالتزام وعدم التهور.
لكن الفلسطينيين يدركون أن الأهداف العامة التي تضمنها بيان مسيرتهم الأول أكبر من تحققها المسيرة، وأصعب من أن ينالها الشعب أو يحوز عليها المقاومون في هذه المرحلة من الزمن، فهي أداة نضالية جديدة ووسيلة مقاومة مختلفة، يجب الأخذ بها والاستفادة منها، شرط ألا نحملها أكثر مما تحتمل، وألا نتوقع منها أكثر مما تستطيع، وإلا فسنحبط أنفسنا وشعبنا، وسنضر بقضيتنا وأهلنا.
لذا فإن على القائمين على المسيرة أن يكونوا صادقين مع الشعب وناصحين له، وألا يخدعوه ولا غيره، وألا يغرروا به ويضروا بمصلحته، بأن يدعوا أن هذه المسيرة ستحقق ما لم تحققه المقاومة المسلحة، وسترغم العدو على الخضوع والخنوع، والهزيمة والاستسلام، وأنه ينبغي الاستمرار فيها حتى تتحقق العودة ويتم النصر ويعود الشعب إلى دياره الأولى وبلداته الأصلية.
وقد صدق القائمون والمنظمون، وهم في أغلبهم شعبيون ومستقلون، عندما أعلنوا أن من أهداف مسيرتهم الوطنية الكبرى، رفع الحصار المفروض عليهم وعلى قطاعهم منذ أكثر من عشر سنواتٍ، وتمكينهم من العيش الحر الكريم، ووقف الاعتداءات عليهم، والكف عن استفزازهم وإطلاق النار عليهم، والاعتداء على حقولهم وتعطيل عمل مزارعيهم، أو إطلاق النار واعتقال صياديهم، وطالبوا بفتح المجال البحري لهم، وتوسيع مدى نشاطهم وعملهم ضمن مناطق الصيد المتفق عليها، وإطلاق سراح من اعتقلتهم من الصيادين، وإعادة ما صادرته من مراكب الصيد الخاصة بهم.
كما أراد الفلسطينيون أن يبطلوا صفقة القرن، وأن يعطلوا مشاريع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ويلقوا في وجهه كل مشاريع التسوية والتصفية التي يعرضها، وأن يظهروا له وللمجتمع الدولي كله رفضهم لكافة القرارات الأخيرة التي اتخذها بحق مدينة القدس، وإعلانها عاصمة أبدية موحدة للكيان الصهيوني، وكذلك الرد عليه وعلى الدول التي تتآمر على مؤسسة الأونروا وحقوق اللاجئين، وتسعى لتصفيتها وإنهاء خدماتها، تمهيداً لإلغاء قرار العودة، وتوطين الفلسطينيين حيث هم في أماكن لجوئهم وشتاتهم.
وهي تحمل رسائل واضحة إلى كل الدول العربية وجامعتها، وإلى الأنظمة المفرطة المنقلبة على إرثها، والقادة الشباب الجدد الحالمين الواعدين، أن القضية الفلسطينية هي أساس الصراع وعنوان الاستقرار في المنطقة، وأنه لا يمكن الالتفاف عليها أو التآمر على شعبها، وبناء علاقات سلامٍ مع عدوها، أو تطبيع العلاقات معه، فلا سلام مع الكيان الصهيوني الغاصب للحقوق والمحتل للأرض على حساب الشعب الفلسطيني، ولا استقرار في المنطقة دون إقرار حقوقه المشروعة، ولا عدو حقيقي للأمة غير الكيان الصهيوني، وأنه لا يمكن أن يكون يوماً صديقاً للعرب، ولا يصلح بأي حالٍ أن يكون حليفاً لهم وشريكاً معهم.
لعل هذه الأهداف كلها ممكنة التحقيق، وتستطيع المسيرة الوطنية الكبرى أن تفرضها وتحققها، فهي واقعية ومنطقية ويمكن للمجتمع الدولي أن يصغي لها، وأن يقتنع بها، وأن يمارس الضغط على الكيان الصهيوني ليخضع لها ويستجيب لشروطها، فهي في أغلبها إنسانية وحقوقية، وهي تحاكي الضمير وتخاطب العقل والوجدان، وتحرك القلب وتثير المشاعر وتستجيش العواطف، ويؤمن بها المجتمع الدولي ويقيم لها وزناً واعتباراً، وتنسجم مع قراراته الشرعية واتفاقياته الدولية، فضلاً عن أنها توحد الشعب الفلسطيني وتجمع كلمته، إذ عليها يجتمعون وعلى شكل المقاومة السليمة يتفقون.
حتى لا نخسر هذه المعركة، ولا نفقد هذا السلاح، وحتى يستمر معنا شعبنا ويواصل النضال ويعمم المقاومة، وحتى لا نحبطه ولا ندفعه لليأس والقنوط، يجب على القائمين على مسيرته العظيمة التي لم يتأخر في المشاركة فيها، ولم يجبن عن خوض غمارها، ولم يتردد عن التضحية فيها بالروح والدم والمال الجسد، وقبل أن نصل إلى يوم الذروة في ذكرى النكبة، أن نضع الخطط الحقيقية لقطف الثمار، وتحقيق الأهداف، والاستفادة من هذه المرحلة النضالية في التراكم والانتشار، والضغط على العدو والقوى وكل الأطراف، وإلا فلا قيمة في فعلٍ لا مردود إيجابي فيه، ولا لمقاومةٍ جامدةٍ لا تحركنا من مواقعنا ولا تحقق شيئاً من أهدافنا، ولا مشروعية لحراكٍ أعمى ونضالٍ حائرٍ لا يعرف الطريق ولا يستدل على السبيل.

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

بيروت في 24/4/2018
https://www.facebook.com/moustafa.elleddawi
[email protected]