مسافةٌ بين واقع غزة وجلسة رام الله

بقلم: فايز أبو شمالة

لا يمكنني وصف مشاعر أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني من سكان قطاع غزة، الذين استجابوا للدعوة، وسافروا عبر حاجز "إيرز" بيت حانون إلى رام الله، ليشاركوا في جلسة المجلس الوطني، ولكن يمكنني وصف مشاعر الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وفي الضفة الغربية وفي فلسطين 48  والشتات، وذلك من خلال مئات التعليقات التي طرزت صفحتي على موقع التواصل الاجتماعي، وكلها تحذر من المشاركة، وكلها ترفض الجلسة التي ستطيح بأحلام الفلسطينيين، وستمزق ما بقى متآلفاً من نسيجهم الوطني..

إجماع وطني فلسطيني على ضرورة عدم السفر إلى رام الله، الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي، وعدم المشاركة في جلسة مجلس غير توافقية، وهذا بحد ذاته رسالة إلى رئيس المجلس الوطني، وإلى رئيس السلطة الفلسطينية، رسالة تؤكد على أن الشعب الفلسطيني الذي يبدو صامتاً، تموج في أحشائه تيارات بحرية ستضرب شواطئ الهدوء الوهمي الذي يظهر على سطح الأحداث في الضفة الغربية وغزة.

فكيف يسافر أعضاء المجلس الوطني من غزة  الواقعة تحت العقاب إلى رام الله التي تمارس عليهم فنون العقاب، دون أن يصيبهم الاختناق جراء تغير الأجواء السياسية؟ وماذا سيقول أعضاء المجلس الوطني لسكان غزة الذين لم يتسلموا رواتبهم، ويفتقرون إلى العلاج، وينامون على العتمة، بينما إخوانهم  في رام الله ينامون على أنغام الطرب، ويغرقون في بحر الألوان، وتطفو على أمسياتهم غيم المناصب والمنافع والبدلات؟ ماذا سيقول أعضاء المجلس الوطني لسكان غزة الذين ضاقت بهم الحالة المعيشية، وانحبست عنهم المساعدات الدولية التي صبت أمطارها على رام الله، فغرقت في بحر السهرات؟ ماذا سيقول أعضاء المجلس الوطني لسكان غزة الذين يتوجهون إلى الأسلاك الزائلة، ويهاجمون الأعداء، ويقدمون الشهداء، في الوقت الذي تهجع رام الله على مخدة الأمن الإسرائيلي ، الذي يراقب رموش العيون، ويعد على السكان الأنفاس، ويحاسبهم على صدق المشاعر ورقيق الإحساس؟         

غزة لن تغفر لكم، حتى لو وقف أحدكم، وطالب برفع العقوبات عن غزة، وطالب بحقوقها الوطنية، وانتقد قطع الكهرباء والدواء والغذاء عن غزة، وانتقد الموقف السياسي الرسمي، ورفع صوته ضد التنسيق الأمني، فنحن نعرف جميعنا أن الصوت النقدي لا يجدي في غياب الديمقراطية، الصوت النقدي في غياب الاجماع الوطني كحرير فوق الأشواك، لا قيمة له، لأن الأصل في الدعوة لعقد جلسة رام الله هو الجلسة نفسها، وبغض النظر عن جدول الأعمال، وعن الحضور، وعن الأغلبية البرلمانية، وبغض النظر عن الرأي الآخر، والصوت المعارض، فالبيان الذي سيصدر عن الجلسة قد تمت صياغته قبل توجيه الدعوات، والقرارات التي ستتخذها الجلسة تمت كتابتها قبل سفر أعضاء الوفد من غزة، وأعضاء اللجنة التنفيذية قد تم اختيارهم قبل الدعوة للجلسة، وما حضور أعضاء المجلس الوطني إلا ديكور خارجي، لالتقاط الصور، وعرض الوجوه، والنطق بالأسماء، والتعريف بالمناطق، ومن ثم يسدل الستار على وقع النشيد الوطني!.

د. فايز أبو شمالة