خطاب الرئيس محمود عباس في المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد الآن في رام الله، كان خطاباً شاملاً ومحيطاً ووضع النقاط على الحروف، ذلك أن هذا الخطاب عكس قوة الرئيس وعزمه وتصميمه على المضي قدماً في تحقيق المشروع الوطني الفلسطيني المتمثل بالدولة والاستقلال، كان خطاباً يعكس قوة الرئيس رغم كل الضغوط العربية والإقليمية والدولية، ورغم التشكيك وعمليات التفكيك المتعددة من الأقربين والأبعدين، كان خطاباً فيه رائحة وروح الانتصار، رغم سوداوية الصورة وضبابية المشهد، كان خطاباً ملؤه التفاؤل والأمل والإيمان بقرب الانتصار وأحقية الدولة.
ولنبدأ من الأول؛ فقد حدد الرئيس، ومنذ الجمل الأولى للخطاب، معنى ومضمون الرسالة السياسية الراهنة والمستقبلية، فلا خضوع ولا انكسار أمام الضغوط، فالولايات المتحدة خارج الصورة وخارج التأثير مادامت لا تعترف بالحق الفلسطيني، وإدارة ترامب، بكل حزمها وصواريخها وتهديداتها، لا تعني شيئاً لشعب قرر أن يضحي من أجل حريته، كان الرئيس واضحاً منذ اللحظة الأولى للخطاب، بأن لا تهاون ولا تعاون ولا تعامل ولا تعاطي مع من يريد نفينا من المشهد الدولي والسياسي.
رئيسنا، الرئيس محمود عباس، الرجل الذي لا يملك صواريخ ولا دبابات، يقف بكامل شموخه وعنفوانه ليقول لأكبر زعيم على الأرض، إن ما يقترحه من حلول ما هي إلا هذيان أو أحلام أو أضغاث أحلام، هذا الموقف ما كان ليكون لولا قوة الحق وقوة الشرعية وقوة المعتقد وقوة القلب وقوة الشعب.
خطاب الرئيس عباس كان خطاباً حدد السقف السياسي وآليات العمل لتحقيق البرنامج السياسي، لم يكن الخطاب قفزة في الهواء أو مجرد شعارات أو دعوة للانتحار أو صرخة للعبث واللاجدوى، بل كان خطاباً مسؤولاً، اعتمد على الحق ومجريات الأحداث والقانون الدولي.
حدد الخطاب الثغرات وأشار إلى الحلول، وعرّى موقف إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، باعتبار أن هذا الموقف ضد القانون الدولي وضد الإنسانية أيضاً.
إشارة الرئيس محمود عباس إلى المبادرة العربية ومن ثم تفصيل رؤيته الخاصة بعملية التسوية كفيلتان بالانطلاق من جديد، وهما كافيتان للبدء بعملية ذات معنى وذات نتائج، ولكن الرئيس عباس يعرف أن المرحلة الآن هي مرحلة التطرف والتعصب، مرحلة الاحتلال والاستعمار الجديد، لهذا، كانت إشارة الرئيس عباس إلى ما يمكن أن تكون عليه العلاقات مع إسرائيل وأمريكا، بأنها قد تكون صعبة، ولم يحدد الرئيس نوع هذه الصعوبة ولا حجمها ولا زمنها، ترك ذلك للناس الذين يعرفون متى وكيف وأين يؤدون ما عليهم من واجبات.
خطاب الرئيس ترك الباب مفتوحاً لغير المشاركين في المؤتمر، حفظ لهم كرامتهم وحقوقهم وتمثيلهم، كان الخطاب مدركاً للمرحلة وتعقيداتها وتحالفاتها، ولهذا، كان الخطاب وحدوياً إلى أبعد الحدود، فالرئيس عباس يعرف ويعذر ويغفر، فاشتراطات الجغرافيا وتعقيد المشهد، كل ذلك قد يجعل من الرافضين اليوم حلفاء الغد، كما كانوا دائماً حماة لمنظمة التحرير.
أخيراً، كان خطاب الرئيس أمام المجلس الوطني الذي انعقد رغم كل المصاعب والعراقيل والعقبات، كان بمثابة انتصار لرؤية الرئيس القائلة بضرورة الاستمرار والمضي للأمام.
رئيسنا الذي ندعوا له بطول العمر ووافر الصحة، وبعد أن حصل على دعم من قمة الرياض، إنما يقوم هذه الأيام بتحصين شرعيات النظام السياسي الفلسطيني، وذلك من أجل مواجهة التحديات الكبرى القادمة.
انعقاد المجلس كان ضرورة، وخطاب الرئيس كان النتيجة، وأدعو شعبنا أن ينتظروا مخرجات المؤتمر والتي قد تحرج من رفضها مسبقاً، ومن ثم لنا كلام نقوله.
بقلم/ د. محمد المصري