لا معاقبة لإسرائيل وتصريحات تخدم الصهيونية

بقلم: فايز رشيد

قضية رش الغاز على الجاسوس الروسي المزدوج سكريبال وابنته، أقامت الدنيا ولم تقعدها. بالطبع هي جريمة مدانة بكل المعايير، غير أن الاتهامات البريطانية وُجهت رأسا إلى روسيا، حتى قبل القيام بتحقيق! تضامنت الولايات المتحدة وأكثر من 16 دولة غربية مع بريطانيا، وجرى طرد ما يزيد عن 160 دبلوماسيا روسيا من السفارات الروسية في هذه البلدان، وسط انهيار وتوتير ملحوظ في علاقتها بالفيدرالية الروسية. بالمقابل، اغتال الموساد الإسرائيلي الكفاءة الفلسطينية خالد البطش الذي استشهد في العاصمة الماليزية كوالالمبور، هذا باعتراف الوزير الأكثر تطرفاً في الحكومة الإسرائيلية يوآف غالانت، الذي قال في تصريح له (مباشرة بعد اغتيال الشهيد البطش)، "بأن إسرائيل ستطارد كل واحد يهدد أمنها، حتى لو كان في نهاية العالم".
لم يكن اغتيال الشهيد البطش، الأول ولن يكون الأخير للكفاءات العربية، إذ تعتبر هذه الاغتيالات إلى جانب الاغتيالات السياسية للقادة لفلسطينيين وبعض العرب، هي سمة من سمات إقامة ووجود الدولة الإسرائيلية على أرض فلسطين العربية في منطقتنا.
منذ إنشاء دولتها، وضعت إسرائيل (كما حليفتها الاستراتيجية الولايات المتحدة) على رأس جدول أعمالها اغتيال العلماء العرب (بمن فيهم الفلسطينيون بالطبع)، فما أكثر من اغتيلوا من هؤلاء: الدكتور علي مصطفى مشرّفة (آينشتاين العرب) عام 1950، الدكتورة سميرة موسى عام 1962 في ديترويت، الدكتورة عبير عياش- لبنانية- 1973 اغتيلت في باريس، الدكتور نبيل القليبي 1975، الدكتور يحيى المشّد 1980، الدكتور نبيل أحمد فليفل 1984، الدكتورة سلوى حبيب، مؤلفة كتاب "التغلغل الصهيوني في إفريقيا"، الدكتور جمال حمدان أهم جغرافي عربي مصري مؤلف كتاب "أنثروبولوجيا اليهود" الذي يثبت فيه أن يهود اليوم لا يمتون بصلة إلى يهود الأمس، الدكتور رمال حسن رمال ـ لبناني ـ 1991 في فرنسا، إضافة إلى اغتيال العلماء العراقيين بعد الاحتلال الأمريكي لهذا البلد العربي المليء بالكفاءات. كلّ الذين سبقوا يشكلون جزءاً ضئيلاً من الذين اغتالتهم إسرائيل على مدى تاريخ إنشائها. رغم كلّ هذه الاغتيالات، لم تجر إدانة إسرائيل لمرة واحدة عليها ولا على واحدة منها، ولم يطرد دبلوماسي إسرائيلي واحد على هذه الجرائم من أحد البلدان.
أيضاً، أكدت هيئة حقوقية فلسطينية مؤخراً، أن قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي تستخدم أسلحة محرّمة دوليًا كـ"الرصاص المتفجّر"، ضد التجمعات السلمية للمتظاهرين، قرب حدود قطاع غزة، وأضاف المفوض العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان عصام يونس خلال مؤتمر صحافي عقده، أمام مقر الهيئة في غزة: "تشير المعلومات إلى استخدام قوات الاحتلال أسلحة محرمة دوليًا كالرصاص المتفجّر، بهدف إحداث أكبر قدر من الإعاقات لدى المتظاهرين المشاركين في مسيرات العودة". كما أكد يونس أن قوات الجيش الإسرائيلي "تعمّدت قتل المواطنين من خلال استهدافهم بشكل مباشر، حيث يتضح ذلك من خلال الإصابات في الجزء العلوي من الجسد، وتحديدًا الرأس والرقبة والصدر". نعم، يتعمد جيش الاحتلال قمع هذه الفعاليات السلمية بالقوة، ويستهدف المدنيين بدم بارد، ما أسفر عن استشهاد 45 فلسطينيًا (حتى اللحظة) وأكثر من 6000 إصابة بين صفوف شعبنا. لقد استخدمت إسرائيل ضد شعبنا في عدوانها عام 2014 على قطاع غزة، قذائف الفوسفور الأبيض، المحرم دوليا استعمالها، إذ تؤدي هذه الأسلحة إلى حرق جسم المصاب ولحمه ولا يبقى منه إلا العظام. كما أن استنشاق دخان هذه القذائف يسبب السعال ويهيج القصبة الهوائية والرئة ويؤدي إلى جروح في الفم وكسر عظمة الفك.
لقد أكدت هيئات حقوقية دولية، أن إسرائيل استخدمت في مختلف الحروب العدوانية التي شنتها على الدول العربية قنابل "الدايم" المحرمة دولياً، ويعمل سلاح "الدايم" على صهر الأجسام وتسميمها، ويؤدي إلى تدمير وتلف في الخلايا الداخلية للإنسان المصاب، كما يعرضه للموت في أي لحظة، وقد يؤدي إلى الوفاة حتى بعد عام من الشفاء. هذا تماما مثلما استعملته إسرائيل في كافة اعتداءاتها على الفلسطينيين والدول العربية، في الأعوام 1982 (حيث كان كاتب هذه السطور شاهدا كطبيب مع عشرات الأطباء على ما تسببه هذه الأسلحة من إصابات وحروق تؤدي إلى وفاة المصاب)، كذلك في عام 2000، عام 2006، 2008- 2009، وغيرها بالطبع.
في السياق ذاته، قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن مجموعة من الأطباء الذين قابلهم في مستشفيات غزة لاحظوا وجود تهتكات وعلامات في أجساد المصابين بالرصاص المتفجر. كذلك، رصدت الأمم المتحدة الأسبوع الماضي، ارتفاعا مطردا في عنف المستوطنين الإسرائيليين ضد الفلسطينيين، في الضفة الغربية، مقارنة مع السنوات الأخيرة الماضية. وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة "أوتشا" في تقرير له، "شهد عنف المستوطنين ارتفاعًا مطّردًا منذ مطلع عام 2018، حيث بلغ المتوسط الأسبوعي لهجمات المستوطنين، التي أفضت إلى إصابات بين صفوف الفلسطينيين أو إلحاق الضرر بالممتلكات الفلسطينية خمس هجمات، مقارنة مع ما معدله ثلاث هجمات في عام 2017 وهجمتان في عام 2016". ولفت التقرير إلى أنه في غضون الأسبوعين الماضيين أصاب المستوطنون الإسرائيليون ثلاثة فلسطينيين بجروح، وألحقوا الأضرار بممتلكات فلسطينية في 11 حادثة عنف أقدموا عليها في مختلف أنحاء الضفة الغربية، وفي يوم 10 أبريل، اعتدوا جسديًا على رجل فلسطيني مسنّ بالقرب من قرية تِلّ وأصابوه بجروح بليغة"، وأضاف التقرير: "وفقًا لمصادر من المجتمع المحلي، أقدم المستوطنون على تخريب 140 شجرة زيتون تعود ملكيتها لفلسطينيين من قرى رجيب وبورين وعوريف في ثلاث حوادث منفصلة"، وأتلفوا إطارات 113 مركبة فلسطينية، وخطّوا شعارات عنصرية، (موقعين باسم جماعة "تدفيع الثمن") على جدران عشرة منازل فلسطينية، وأضرموا النار في مسجد، في قرى اللُبّن الشرقية وعقربا ورمون وبرقا وبيت اكسا، وأصيب طالبان فلسطينيان (يبلغان من العمر 11 و12 عامًا) ولحقت الأضرار بحافلتهما المدرسية وبمنزل في حادثين منفصلين ألقى فيهما المستوطنون الحجارة والزجاجات الحارقة على الطرق القريبة من قرية دورا، وفي المنطقة الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية في مدينة الخليل".
وينفذ مستوطنون هجمات على ممتلكات فلسطينية وأماكن مقدسة إسلامية ومسيحية، وكل ذلك يجري بإشراف جيش الاحتلال، تنفيذا لسياسة حكومية إسرائيلية، وفقا لمؤسسات حقوقية بما فيها إسرائيلية، بينها "بتسيلم" و"ييش دين".
الغريب أن العالم، خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، لا يرى هذه الجرائم الإسرائيلية اليومية ضد شعبنا (وما ذكرناه هو غيض من فيض) بل يعتبرها حقا مشروعا لها ودفاعا عن النفس! لقد استعملت أمريكا حق "الفيتو" 43 مرة، منعا لإدانة إسرائيل، وضد فلسطين، وفي منتصف هذا الشهر، ربما سيحضر الرئيس ترامب مراسم احتفال نقل السفارة الأمريكية إلى القدس بعد أن اعترف بها عاصمة لإسرائيل! رغم كل هذه الجرائم الفاشية، يطلع علينا بعض المسؤولين العرب، يدعون الفلسطينيين إلى التفاوض وإلا "فليخرسوا فلا دولة لهم قامت في التاريخ"، وأن "اليهود عادوا إلى أرضهم التاريخية"، أمثال هؤلاء يقدمون أكبر خدمة للصهيونية، إنه الزمن الرديء… فلا عجب.

د. فايز رشيد
كاتب فلسطيني