هل من المعقول أن تٌخزن السلطات الايرانية "ارشيفها" حول مشاريع السلاح النووي في مكان جنوب طهران من دون وجود أية حراسة أو رقابة عليه، وحتى بآلات تصوير!
وهل من المعقول أن تستطيع اسرائيل، وبكل سهولة، تهريب نصف طن من الأوراق واقراص حواسيب من ارشيف ايران النووي الى خارج ايران، من دون أن يشعر أحد بذلك!
وهل من المنطق أن تكون أجهزة الأمن الايرانية ضعيفة الى حد أن "جهاز الموساد الاسرائيلي" يستطيع اختراق ايران متى يشاء، ويحصل على وثائق مهمة جداً!
هناك تساؤلات عديدة حول ما كشف عنه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، حصول اسرائيل على "أدلة قاطعة" بأن لدى ايران مشروعاً نووياً خطيراً. ولماذا تم كشف هذه المعلومات الآن وليس قبل عدة أشهر.
لقد انتقد قياديون أمنيون اسرائيليون، وكذلك محللون سياسيون كشف هذه "المعلومات" إذ أن ذلك، ولو كانت صحيحة، سيوقظ جهاز الأمن الايراني، وسيعمل على تشكيل لجان تحقيق ليعرف من ساعد في تهريب هذه الوثائق الخطيرة. كما أنه سيتخذ الاجراءات لمنع المزيد من الاختراقات الاسرائيلية لايران، وبالتالي تشكيل خطر كبير عليها مستقبلاً..
لقد قام نتنياهو بهذه الخطوة ساعياً لتحقيق عدة أهداف ومنها:-
- تحريض العالم كله بشكل عام، والادارة الاميركية بشكل خاص، على ايران واتهامها بـِ "الكذب" حول برنامجها النووي، إذ تنفي ايران باستمرار أن يكون لها مثل هذا البرنامج الخطير!
- تشجيع الرئيس الاميركي دونالد ترامب على اتخاذ قرار جريء بانسحاب اميركا من الاتفاق النووي الدولي مع ايران، إذ انه وعد باتخاذ القرار حول هذا الاتفاق مع حلول 12 ايار الجاري!
- محاولة التأثير نفسياً على الشعب الايراني من خلال اظهار ان اسرائيل اقوى من ايران عسكريا، وقادرة على عمل أي شيء ضدها، وان تصريحات القادة العسكريين الايرانيين ضد اسرائيل قد تكون "فارغة المضمون"!
- محاولة حشد شعبية له في أوساط الرأي العام الاسرائيلي في مواجهة التحقيق الجاري معه حول ملفات فساد عديدة، وليظهر أنه يعمل من أجل الدولة أيضاً، وقد تم تحقيق انجازات أمنية "نوعية" في عهده!
- رفع معنويات الاسرائيليين والتأكيد لهم على أن ايران غير قادرة على المس بأمن بلادهم، والتأكيد أيضاً على عدم الذعر والخوف والخشية والقلق من ردود فعل ايرانية رداً على "غارات" واعتداءات ترتكبها اسرائيل ضد التواجد الايراني على الاراضي السورية.
لم تتحقق جميع أهداف نتنياهو من وراء كشف هذه المعلومات إذ أن وكالة الطاقة الذرية الدولية اكدت جازمة على ان ايران لم تنتهك الاتفاق النووي الدولي معها، وتحترمه بالكامل، كما ان دولا عديدة، وخاصة الموقعة على الاتفاق النووي، اكدت على ضرورة التمسك بالاتفاق الدولي مع ايران لمنعها من تصنيع سلاح نووي خطير، أي ان هذا التصرف لنتنياهو أعطى نتائج عكسية لما كان يطمح اليه، ناهيك عن انه تعرّض لانتقادات لاذعة داخل المجتمع الاسرائيلي متهمين اياه باستغلال انجازات أمنية لصالحه ولصالح حزبه.
واضافة الى ذلك، فان ايران لم تنفعل أمام كشف هذه المعلومات، ووصفت ما أعلن عنه نتنياهو بأنه مسرحية هزلية، مما يؤشر ذلك الى عدة احتمالات ومن ضمنها:-
1. المعلومات التي تم الكشف عنها هي بالفعل مشاريع مقترحة ولكن ليست موضوعة قيد التنفيذ!
2. ان ايران كانت تقوم بتسريب هذه المعلومات لاسرائيل عبر عملاء مزدوجين من اجل تحقيق عدة أهداف وأهمها:-
أ. توفير معلومات على قدرة ايران بانتاج سلاح نووي وبالتالي اجبار الدول المفاوضة على الاسراع في التوصل الى اتفاق يمنع هذا الخطر!
ب. معرفة كيف يعمل "الموساد" من خلال التغاضي عن استيلائه على معلومات ووثائق تركت كي تهرب نسخ منها الى اسرائيل.
ت. خداع اسرائيل واجهزة أمنها من خلال تسريب معلومات مموهة، وغير صحيحة حتى تُفرغ مخططاتها على ضوئه.
ث. تعرف ايران عبر أجهزتها الأمنية أن هذه المعلومات قد تم تهريبها الى اسرائيل عن طريق كردستان ولذلك كانت تهدف الى مراقبة هذا الطريق التهريبي، وتركه، والانقضاض عليه عندما ترى ذلك مناسباً.
رد الفعل الايراني الهادىء على هذه المعلومات يؤكد على أن المعلومات التي حصلت عليها اسرائيل ليست خطيرة، ولن تؤثر على قدرة ايران كقوة اقليمية، بل حققت جزءاً من اهداف ايران في التمويه وخداع الجانب الاسرائيلي، وفي جر نتنياهو الى "مسرحية" سياسية لم تحقق أهدافها، بل بالعكس خدمت الاتفاق النووي الدولي، وحصنته، وقوته.. وهذا الرد الفعل الايراني يؤكد أيضاً على ان ايران ليست دولة ضعيفة، وهي قادرة أيضاً على التمويه وخداع اسرائيل، وكذلك القيام بالرد متى تشاء، وفي الوقت المناسب، وهي ترفض الانجرار وراء استفزازات اسرائيلية لأنها تمتلك قوة أعصاب، وتتحلى بنفس طويل. وهذا ما تخشى منه القيادة الاسرائيلية التي لا تعرف حتى الآن كيفية الرد الايراني على هذه الاستفزازات وتوقيتها، وطبيعتها.. وتقوم ايران بتجميع كل الاستفزازات والاعتداءات الاسرائيلية كي يتوفر لها الرصيد المبرر لأي رد قوي وحاسم قادم!
بقلم/ جاك خزمو
الناشر ورئيس تحرير مجلة البيادر