ووثبت دموعي على الوجنات صرخوا “ يششش“ ورقصوا على الدم المسفوك..

بقلم: هادي زاهر

لم استطع ان أسجن دموعي التي وثبت على وجنتي وانا اشاهد الفيضانات التي جرفت الفتية إلى المنية في أحد الاودية في منطقة الجنوب القريبة من البحر الميت، انتصر الهوى والوداد على حقدي القومي، كانت أغلبية هؤلاء من الفتيات في عمر البرقوق، كان يقومون برحلة تهدف إلى التكاتف، لتنمية حسهم بالوحدة، وما أروع الوحدة حين تكون من أجل العمل في سبيل تحقيق قيم إنسانية ترمي بظلالها على سعادة الإنسان، ولكن هذه الوحدة التي ابتغوها كانت مقدمة لدخولهم مرحلة الجندية في الجيش، وحدة من اجل تقوية الروح القتالية وزرع الدمار والخراب والقتل، وليس من أجل  الرخاء والمحبة بين الشعوب.. بين الجيران، كان من بين العشرة الذين أدركتهم المنية تسعة فتيات، كان من المفروض أن تعمل وزارة المعارف على تنمية روح المحبة في نفوس هؤلاء التلاميذ ولكن كيف يمكن ان يحدث ذلك ووزير المعارف في هذه البلاد يفخر بانه قاتل للعرب وأنه غير آسف على ذلك وأنه على استعداد أن يفعل ذلك مجددًا!!

 

 إن وزيرًا كهذا في دول متحضرة مكانه الطبيعي في غياهب السجون، وفي أحسن الحالات في المصحات العقلية ولكنه هنا هو وزيرًا للتربية، يشحن الشبيبة بالحقد والبغضاء للاغيار، حتى أصبح مقياس الوطنية في هذه البلاد يعتمد على مدى البغضاء للعرب، والوطني العملاق الذي يحظى بالشعبية، هو من يقتل من العرب أكثر وأكثر؟!!، هذه العنصرية وصلت جهاز القضاء الذي يحكم على العربي أحيانا كثيرة بضعف ما يحكم على اليهودي على نفس المخالفة، والتي توفر لقاتل العربي شهادة طبية تشير بانه مهووس غير مؤهل للمثول امام القضاء؟! 

هؤلاء الفتية كان من المفروض شحنهم بالقيم الإنسانية بعيدًا عن روح العداء، كان يجب أن يعملوا في تنسيق الزهور بدلا من تدريبهم على تعبئة البنادق بالذخيرة.. كان يجب ان يعيشوا حياة مدنية هادئة.. كانوا يجب أن يستمعوا إلى الموسيقى وإلى زقزقة العصافير بدلا من الاستماع إلى ازيز الرصاص وانفجار القنابل وصوت جنازير الدبابات.. كان يجب العمل على أن تبقى اناملهم ناعمة ملساء بدلا من الخشونة التي تتعارض مع طبيعتهم.. هذه الانامل التي لم تخلق لتصفع عجوزًا.. او احتجاز حامل على الحواجز كي تجهض.. هذه الانامل خلقت كي تمارس الفنون، لترسم لوحة فنية راقية، تعبر عن الطاقات الكامنة التي يجب أن تتدفق محبة للحياة، للطبيعة والإنسان أينما كان.. بدلا من أن تقتل طفلا فلسطينيا عائدا من الروضة او صف البستان، هذه الانامل كانت يجب ان تتدرب على العزف على الغيتار.. البيانو والكمان.. كانت يجب ان تمسك بالقرطاس.. كانت يجب أن تقرع الأجراس كان يجب تربية هؤلاء الفتية كي يخرجوا إلى الحياة المدنية بروح معنوية وبحماس، ليعملوا داخل المكاتب بدلا من تدريبهم على صعود النهاد ونزول الوهاد في سبيل تحقيق الاطماع التوسعية.

إن هذا الحدث يجب أن ينير الطريق أمام المجتمع الإسرائيلي، فالطبيعة عندما تغضب لا تفرق بين العربي وبين اليهودي، وأكبر برهان على ذلك أن المنية غيبت أيضا سائق الشاحنة العربي، وقد تساوى في الثرى البشر منذ أن انبثقت الحياة على هذا الكوكب المنير الذي تصر الصهيونية وقوى الظلام على ان يكون دامسًا حتى لا يتضح الطريق ويتسنى لها تحقيق اطماعها، من هنا على القوى اليهودية الخيرة اللائذة بالصمت أن ترفع صوتها عاليًا.. على القوى اليهودية النيرة بخفوت أن تتوهج أكثر وتفرش نورها كي يرى الجميع الطريق وتفويت الفرصة على القوى الظلامية من تشويه المشهد وقطع نشوة الفرح التي هي من حق الجميع.  

 ومرة أخرى اعترف، لم أكن عاصي الدمع، لقد شاركت ذويهم الحزن، هؤلاء الأهالي الذين من المفروض أن يدركوا بان للطرف الاخر هناك أبناء عزيزون عليهم، ينتظرونهم بفارغ الصبر، فما ذنب هؤلاء الفتية الذين يقعون ضحية لتربية مشوه من قِبل حكام عنصريين آفاقهم ضيقة لا يرون سوى مصالحهم.. هؤلاء الحكام الذين تنضح نفوسهم بالأطماع وبالشرور، هؤلاء الحكام الذين يلوثون الحياة ويشوهون المشهد بشراهتهم.. يشوهون عقول ومخيلة الشبيبة بأفكارهم السامة، التي تسمم الأجواء عامة.

اعترف المرة تلو المرة، باني دموعي كانت منهمرة.. كانت حاتمية السخاء، قد اجتاحتني حالة من الإغتفار ومتدت هذه الحالة حد الاغتمار فنسيت أن الاحتلال يقتل دون تمييز، الكبار والصغار.. نسيت الجنود الذين تباروا على قتل الطفل قبل أيام في وضح النهار حين قال الجندي لزميله مازحا وهو في منتهى الحبور: هل باستطاعتك ان تصيب ذاك العصفور؟ مشيرًا إلى الفتى، فصوب الجندي الثاني فواهة بندقيه إلى رأس الطفل وارداه قتيل وتدفق دم الطفولة الظاهر.. وعندها علت أصوات الفرحة العارمة صرخوا: " يششش" ورقصوا على الدم المسفوك.. نسيت قتلهم للصحفيين وللمسعفين.. نسيت نسفهم للمساجد والمدارس والمشافي.. نسيت فقهِهم للعيون وبقرِهم للبطون.. نسيت انهم استخدموا الأسلحة المحرمة دوليا وقتلوا في غزة الألاف.. نسيت أنهم ابادوا " 92 " اسرة عن بكرة ابيها في حربهم الأخيرة هناك.. نسيت في ثانية، صواريخهم الذكية التي تخترق الملاجئ في غزة وفي "قانا" الأولى وقانا الثانية..  نسيت قتلهم للأبرياء وللعلماء، للعجزة، الأطفال والنساء.. نسيت الأجساد المتطايرة في الأجواء أشلاءً.. أشلاء، نسيت كل ما اقترفت حكوماتهم من موبقات على كل الجهات وانهمرت دموعي على الفتية الذين جرفتهم الفيضانات.

 

هادي زاهر