ما أبعد الطرح بين تهديد السيد عباس لقطاع غزة، مع بداية جلسة رام الله، حين هدد غزة قائلاً: لا تقولوا لي إخوتنا، ولا تقولي لي أهلنا، وبين ترحم السيد عباس على قطاع غزة، بعد أربعة أيام، حين قال: لا عقوبة على غزة، ولا عقاب للموظفين، هنالك خلل فني، وغداً ستصرف الرواتب.
تناقض رهيب غريب ينبئ بتدخلات خارجية تؤثر على كل موقف فلسطيني، وفي كل سلوك ميداني، وهذا ما عبرت عنه الجبهة الديمقراطية التي شاركت في الجلسة طمعاً بموقع أو مكسب، واعترضت على الجلسة بعد اكتشاف التناقض بين ما تم الاتفاق عليه، وبين لغة البيان الختامي للمجلس الذي لم يتضمن نصّا واضحا وصريحا بشأن إلغاء كافة العقوبات بحق أبناء قطاع غزة، ولم يعتمد خطة إنقاذ وطنية شاملة لقطاع غزة حسبما ورد في اقتراح الديمقراطية.
فمن الذي تلاعب في البيان الختامي؟ وكيف يصير مثل هذا التلاعب؟ وعلى ماذا يدلل؟ وكيف نقرأ خارطة القرارات السياسية في المرحلة القادمة، طالما كان البدايات غش وكذب وتملق وخداع؟
لقد ظهرت الثنائية، والتناقض بين التصريحات والمواقف في تصريحات السيد صائب عريقات لإذاعة (صوت فلسطين)، يوم السبت، حين قال: إن اللجنة التنفيذية ستعمل على تنفيذ قرارات الوطني على الفور، وستواصل جهودها لإنهاء الانقسام، وتحقيق الوحدة لمواجهة التحديات المختلفة، ولكن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح جمال محيسن، قال لإذاعة صوت فلسطين ذاتها، ويوم السبت: إن هناك توجها لعقد المجلس المركزي لمنظمة التحرير، بعد شهر رمضان المبارك، بهدف تنفيذ بعض القرارات التي تم تفويضها له من قبل المجلس الوطني!!.
فأيهم الذي سينفذ القرارات؟ هل هو المجلس المركزي بعد رمضان، وبعد العيد السعيد، أم اللجنة التنفيذية فوراً، وقبل أن ينشغل الناس بأحداث مسيرات العودة الجسام بتاريخ 15/5؟
لن ننتظر الجواب، فالسيرة الذاتية للقيادة الفلسطينية أعطتنا منذ زمن بعيد الجواب، ولن نجبر على قراءة تصريحات المسؤولين بتمعن، طالما هم لا يمتلكون من أمرهم إلا بما أذن لهم به السيد عباس، ولكنني سأراجع فقرتين فقط من بيان جلسة رام الله:
1ـ يعلن المجلس أن الفترة الانتقالية التي نصت عليها الاتفاقيات الموقعة في أوسلو والقاهرة وواشنطن، بما انطوت عليه من التزامات، لم تعد قائمة.
ونسي المجتمعون في رام الله أن اتفاقية أوسلو نفسها قد سبقتهم في ذلك، حين حددت سنة 1999، نهاية الفترة الانتقالية، وبداية المرحلة الدائمة، فما الداعي لأن يكرر مجلس رام الله الإعلان عن عدم قيام فترة انتقالية غير قائمة، إن لم تكن لديهم النية المسبقة بالتسويف؟ والضحك على ذقون الحاضرين، ولاسيما أن انتهاء الفترة الانتقالية تفرض نهاية التنسيق الأمني، والتوقف عن العمل بالاتفاقية الاقتصادية، وكل هذا لا يحتاج إلى إعلان، بقدر ما يحتاج إلى تطبيق، وقد أصدر المجلس المركزي قبل ذلك توصياته بوقف التنسيق الأمني، ولكن دون فائدة، فعاود مجلس ليكرر ما سبق تكراره، في لعبة طفولية لا تشبه العسكر والحرامية.
2ـ يكلف المجلس اللجنة التنفيذية بتعليق الاعتراف بإسرائيل إلى حين اعترافها بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 67 وإلغاء قرار ضم القدس الشرقية ووقف الاستيطان.
انتبهوا إلى لفظة "تعليق" وهذه تعني مواصلة الاعتراف بدولة الكيان الصهيوني، والتعليق أقل درجة من التجميد، والتعليق قرين شروط محددة، وهذا خاضع للتفاوض، والتفاوض نهج، وهذا النهج سائد منذ 23 عاماً، دون الوصول إلى نتائج.
فإذا أضفنا إلى ما سبق تلكؤ اللجنة التنفيذية في تنفيذ ما سبق من قرارات، وعدم قدرة المجلس المركزي على إلزام التنفيذية بتنفيذ ما اتخذ من قرارات، لنكتشف بأننا نسير في الهو السياسي نفسه الذي قادنا إليه السيد محمود عباس منذ اللحظة الأولى التي كفر فيها بالمقاومة الفلسطينية، وآمن حتى العبادة والتقديس بالتعاون الأمني مع المخابرات الإسرائيلية، فإذا بالقضية الفلسطينية تعود أدراجها إلى حيث التوسل والاستعطاف والاسترقاق والرجاء، دون فعل ميداني حاسم.
بقلم/ د. فايز أبو شمالة