قد يرى المتابع لاحداث ارمينيا بأن ما يحدث فيها من حراك وغيره امر طبيعي بدولة تعانى من الفقر والفساد وغيره، وأن الامر فى أرمينيا شأن داخلي بحت، ولكن حقيقة الامر لذلك المشهد تأثير مباشر على نفوذ روسيا وأمنها، والاخطر أن رقعة يريفان تحولت بالاسابيع القليلة الماضية الى جزء من رقعة الشطرنج الكبرى بين روسيا الاتحادية والولايات المتحدة، والتى بدأت من افغانستان وباكستان2001، مرورا بالعراق2003، ثم جورجيا2008، ثم سوريا وليبيا2011، ثم اوكرانيا 2014، وصولا ليريفان اليوم، وبالتأكيد لن تقف عند يريفان، فهناك من يعيد ترتيب اوراق المنطقة تمهيدا للتفرغ لطهران وحدها، فايران الهدف الاول والثاني والثالث لاسرائيل كما قال ليبرمان وزير الجيش الاسرائيلي، كما هناك من يحاول اقحام الحليف الكلاسيكي لروسيا فى شمال افريقيا (الجزائر) بالصراع، ولنا فيما قام به المغرب مؤخرا تأكيد، خاصة بعد التصريح الخبيث للمغرب الذى يزيد من الصاق التهم بالجزائر، عندما صرحت الخارجية المغربية: "نتفهم انكار واحراج الجزائر، ومدى حاجتها لحلفائها ايران وحزب الله والبوليساريو".
فمنذ توقيع ارمينيا على اتفاقية التعاون مع الاتحاد الأوروبي في القمة الخامسة للشراكة الأوروبية الشرقية بنوفمبر الماضي فى بروكسل (وهي القمة التى عقدت فى عاصمة الاتحاد الاوروبي للمرة الاولى)، وروسيا التي تستوعب ربع الصادرات الأرمينية ومليون ونصف عامل ارميني تستشعر القلق تجاه ما يحدث فى نقطة نفوذها الوحيد بمنطقة القوقاز.
ويأتى مشهد يريفان المقلق لروسيا فى الوقت الذى تم فيه التوقيع على مذكرة لتعزيز التعاون العسكري بين جورجيا واسرائيل، في أعقاب الاجتماع الذي عقده وزير دفاع جورجيا ليفان إيزوريا ونظيره الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان في تل أبيب مؤخرا، قبل أن يلتقي ليفان إيزوريا بسكرتير مجلس الأمن القومي الإسرائيلي مئير بن شبات.
فحقيقة الامر أن كانت روسيا تعلم جيدا حقيقة دور القواعد العسكرية الامريكية فى سوريا، حتى أن صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال مؤتمره الصحفي مع نظيره الأردني أيمن الصفدي، قائلا: "إن أشياء غريبة تحدث في الجنوب السوري في منطقة التنف الخاضعة لسيطرة الولايات المتحدة، وهي تدريب جماعات إرهابية من قبل الأمريكيين بقاعدة التنف"، فروسيا تعلم أيضا دور الاستخبارات المركزية الامريكية فى العاصمة الارمينية يريفان، عبر الكم الهائل للمنظمات الغير حكومية والحقوقية التى ظهرت بأرمينيا بالسنوات الاخيرة، وهو الدور المشابهة تماما لدورها فى العاصمة الاوكرانية كييف، حتى تأكد أخر متشكك فى موسكو من حقيقة دور تلك المنظمات بعد مظاهرات يريفان، وأن واشنطن مدت خط الثورات الملونة من كييف الى يريفان، كي يظهر لنا وجه نيكول باشينيان، وكل هذا لم يكن يحدث الا بالتأخر الغير مفهوم فى ردة فعل موسكو على ما كان يحدث من تغيير للارض فى ارمينيا منذ سنوات، ولكن يبدو أن موسكو كانت ثقتها زائدة فى سركسيان كرجل أوحد بالبلاد والذى تهاوي فى ظرف ايام قليلة.
ويبدو أن واشنطن أرادت ان تكون أول المهنئين لبوتين بعيد النصر (9مايو) وبحفل تنصيب بوتين بالولاية الرابعة (7مايو)، بعد ما أعلنت الولايات المتحدة فى (5مايو) اعادة احياء اسطولها الثاني فى المحيط الاطلسي، والاشد قسوة خسارة روسيا نفوذها الوحيد فى منطقة القوقاز الا وهي ارمينيا، بعد تنصيب باشينيان فى البرلمان الارميني (8مايو) كرئيس للوزراء خلفا لحليف موسكو سيرج سيركيسيان.
فأن كانت أي خسارة لروسيا فى سوريا والمياة الدافئة بالمتوسط ستعيد الدب الروسي الى عزلته وسط جبال الثلج، فخسارة روسيا لارمينيا التى تقع فى دائرة أمنها القومي المباشر تمثل انتحار.
فهل سيكون غد يريفان كأمس كييف، أم سيضطر فلاديمير بوتين لتكرار عملية استئصال جراحية أخرى على غرار ما تم بالقرم فى ارمينيا عبر مشرط عشيرة قارة باغ؟.
بقلم/ فادي عيد