ما بين انتخابات لبنان وتونس.. والتصويت العقابي

بقلم: اماني القرم

تأتي نتائج الانتخابات في كثير من الدول ( أقصد تلك الدول التي تقام بها انتخابات نزيهة يسمح فيها بتعدد اللاعبين بحرية) مفاجأة مدوية وغير متوقعة على الإطلاق. وعند قراءتها والتمعن فيها نجد أن النتائج جاءت إثر توجه معين للتصويت يطلق عليه "التصويت العقابي". فالمواطن يجد في الانتخابات فرصة سانحة له ليعاقب القيادات الحالية عبر إعطاء صوته للحزب المضاد  نكايةً وانتقاماً. وغالبا ما تعود أسباب هذا التوجه إثر شعور بخيبة أمل من عدم تحقيق الأهداف المرجوة أو تفشي الظلم والفساد أو ارتباط القيادات الحاكم بجملة من العلاقات الإقليمية والدولية التي تؤثر سلباً على حال البلاد وكرامتها وبالتالي كرامة المواطن نفسه وربما كلُّ ذلك مجتمعاً.  وليس من الضروري أبداً أن يكون التصويت العقابي ناتج عن قناعة أيديولوجية أو رغبة في اتباع منهجية معينة بل بالعكس، ربما يكون التصويت مناهضاً لأيديولوجية المواطن الأصلية.  فالناخب في خلوته الانتخابية حيث لا صوت يعلو صوته، يطلق العنان لنفسه في التقييم إيجاباً أو سلباً لهذا الحزب أو ذاك فلا حسيب ولا رقيب ولا مخيف، والمسألة برمتها تعود اليه وحده.  والنتيجة للأسف أن المواطن لا يأتي بمن يريد وإنما يسقط من لا يريد فالذي يريده غير موجود .

ويشهد الشرق الأوسط هذه الأيام موسم انتخابات في ثلاث بلدان هي لبنان وتونس والعراق. في لبنان الحلقة الأضعف والساحة الأكبر للتأثر الإقليمي، خسر سعد الحريري وتياره "المستقبل" ما يقارب من ثلث مقاعده التي كان يمتلكها في المجلس النيابي، فيما سجلت النتائج نجاحاً مدويًّا لحزب الله وحلفائه بواقع الحصول على 67 مقعداً أي أكثر من نصف مقاعد البرلمان . وبغض النظر عن التنظيرات الداخلية لتبرير هذه النتيجة، والتي تمحورت معظمها حول عدم فهم المواطن للنظام الجديد للعملية الانتخابية،  إلا أن هناك سبباً مهماً وجوهرياً لعب دوراً محورياً في هذه النتيجة ألا وهو المؤثر الخارجي وتحديداً انعكاسات التنافس السعودي/ الإيراني، والحملة المضادة دولياً وإقليمياً تجاه حركة حزب الله وحلفائه، والقناعة بارتهان القرار الحريري بالإرادة السعودية مع التهديدات الدائمة بوقف المال الخليجي للبنان، والّلغط الذي أثير حول احتجاز الحريري في السعودية ، مما خلق رد فعل عكسي لدى الناخب الفعلي على الأرض.  دائماً التدخلات الخارجية هي عامل سلبي لأي نتيجة انتخابية داخلية!! فيا ترى من عاقب المواطن اللبناني السعودية أم الحريري؟؟!!

أما في تونس فقد عادت حركة النهضة ذات الاتجاه الإسلامي لتتصدر المشهد بفوزها في المقاعد البلدية، ولكن هذا الفوز جاء بعد أن أجرت الحركة تغييراً منهجياً وفكرياً حقيقياً في مؤتمرها العاشر عام 2016 ، وباتت تعرف نفسها على لسان قادتها بأنها "حزب تونسي مدني ديمقراطي مرجعيته إسلامية" وفصلت ما بين مسائل الدعوة والعمل السياسي، الأمر الذي أعاد رونقها وجاذبيتها المحلية والعالمية. فأصبحت في نظر المواطن التونسي حركة توافقية منفتحة على الآخر حافظت على قداسة الدين وأخرجته من دائرة الصراع السياسي فاستحقت الفوز. وهنا يمكن إطلاق مصطلح "تصويت المكافأة" على هذه الانتخابات .  

نتائج الانتخابات في تونس ولبنان مؤشرات هامة يجب على المفكرين والمنظرين في الحركات والأحزاب العربية دراستها وقراءتها جيداً لاستخلاص العبر خاصة أنها تأتي في مرحلة غاية في الدقة والتعقيد ..فهل من سامع؟؟

بقلم/ د. اماني القرم