من حق التنظيمات الفلسطينية أن تتفاخر بأعمالها العسكرية، وأنت تنتسب إلى المقاومة، وأن تقدم نفسها مع البندقية، لأن كل تنظيم فلسطيني سقطت بندقيته، فقد هوتيه، وصار جمعية خيرية تقدم المساعدات الإنسانية، والهوية للتنظيم امتداد تاريخي يبدأ من العمليات البطولية الأولى، ويتواصل مع أزيز الرصاص المقاوم للغاصبين الصهاينة.
إن الاستفادة من تجربة الآخرين، والبناء على ما سبق، من أهم مميزات المقاومين الراغبين في تطوير المواجهة مع عدوهم، لذلك فإن أول المواجهات مع عدونا قد بدأت سنة1882، تاريخ إقامة أول مستوطنة يهودية "بيتاح تكفا" على أراضي بلدة ملبس الفلسطينية، يومها بدأت المواجهة الأولى، ومن يومها أدرك الفلسطيني قيمة البندقية التي ستقاوم الاحتلال البريطاني والعصابات اليهودية، وأدرك قيمة الطلقة التي اخترقت صدور الأعداء.
فهل كانت الطلقة الأولى مع ثورة القسام، أم سبقت القسام أشكال أخرى من المقاومة؟
وهل كان عبد الرحيم الحاج محمد أحد قادة ثورة 36 هو أول الرصاص، وأول المواجهة المسلحة، أم كان موسى كاظم الحسيني الذي قاد مظاهرات سنة 1920 ضد الاستعمار البريطاني؟
من هو صاحب الطلقة الأولى؟!!!هل هم رجال ثورة البراق 1929 التي قتل فيها أكثر من مئة يهودي، أم هم رجال ثورة 1936، التي قدمت أكثر من 5000 شهيد، أم هم رجال حركة فتح 1965 أم هم شباب انتفاضة الحجارة 1987، أم رجال انتفاضة الأقصى، أم هم رجال حركتي الجهاد وحماس بعد ذلك، أم هم شباب وصبايا مسيرة العودة؟
من هو صاحب الطلقة الأولى؟ هل هم شهداء قرية دير ياسين أم لاجئو قرية بيت دراس؟
هل هم المقيمون في مدينة يافا والناصرة، أم هم الصامدون في مدينة نابلس والخليل؟
وهل الشعب الفلسطيني هو صاحب الطلقة الأولى أم القيادة الفلسطينية؟ وهل يحق لتنظيم بعينه أن يدعي بأنه صاحب الطلقة الأولى؟ وأنه هو صاحب الطلقة الأخيرة أيضاً، ولا يحق لأي تنظيم غيره أن يطلق أي طلقة من بعده على الغاصبين؟
وإذا كانت الطلقة الفلسطينية الأولى هي الطلقة الدائمة، وليست الطلقة الموسمية، فذلك يعني ان الطلقة الأولى لا تمحق سيرة ما قبلها من طلقات، ولا تحرق ما يتبعها من طلقات، لأن الطلقة الأولى هي الطلقة المتواصلة، والمخلصة للهدف الذي من أجله تتواصل الطلقات؟
تقول التجربة الفلسطيني: إن الطلقة الأولى هي الطلقة التي لم تنحرف عن مسارها، ولما تزل تخترق جسد المستوطنين، وتؤرق المخابرات الإسرائيلية، ولما تزل تقاوم، فمن هو صاحب الطلقة الأولى من عمر الشعب الذي لما يزل يدافع عن أرضه، ولما يزل يبحث عن حريته؟
وهل من الصواب أن ينسب تنظيم محدد إلى نفسه الطلقة الأولى دون بقية التنظيمات الفلسطينية التي لم تزل تقاوم؟ وهل صاحب الطلقة الأولى بعض من شعب فلسطين، أم كل الشعب الفلسطيني الذي قاوم الغزاة بصدرة العاري وعصاه الغليظة وسكين المطبخ وحجر الشارع وبندقية الثائر من مئات السنين وحتى يومنا هذا، ولما يزل يقاوم؟
إن الطلقة الأولى للشعب الفلسطيني هي الطلقة الأخيرة التي لما تزل مشحونة بالأحقاد للصهاينة الغزاة، ولما تزل تقاوم، كما عبر عن ذلك الكاتب المصري إحسان عبد القدوس، حين قال:
في حياة كل منا وهمٌ يسمى الحب الأول، لا تصدق هذا الوهمَ، إن حبك الأول هو حبك الأخير.
ضمن منطق سيادة الحب الأخير وسيطرته، كما تحدث الكاتب المصري، فإن الطلقة الأولى هي الطلقة التي لما تزل تدوي في الميدان، ولما تزل تؤرق أنصار العدوان، ولما تزل معبأة بإرادة القتال ضد التعاون الأمني الذي ضمن للمستوطنين والمستوطنات الأمن والأمان
د. فايز أبو شمالة