بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الايراني ، حيث استطاع أن يقلب الاستراتيجية والسياسة الأمريكية الظاهرية رأساً على عقب، لدرجة بدا التساؤل مشروعاً حول قدرة دولة مؤسساتية كالولايات المتحدة على كبح جماح هذا الرئيس وسيطرة المحافظين الجدد أو بالأحرى النازيين الجدد على إدارات أقوى دولة في العالم، مهددين، أكثر من أي وقت مضى، السلم الدولي.
ان الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي مع إيران يشكل سابقة في طريقة إدارة العلاقات الدولية، كما الاتفاقات الموقعة بين الدول، لحساب علاقة التحالف الاستراتيجي مع العدو الصهيوني، فلهذا نرى أن كيان الاحتلال يعتبر أكثر المستفيدين من خطوة الانسحاب، تحت ذريعة الخوف من قدرة إيران على إنتاج قنبلة نووية، تهدد أمن ووجود الكيان الصهيوني، في الوقت الذي يملك فيه العدو الصهيوني عشرات القنابل النووية، ويهدد أمن واستقرار كل المنطقة، ويطال عدوانه بعض دولها، ويرفض في ذات الوقت التوقيع على معاهدة حظر الأسلحة النووية.
في ظل هذه الاوضاع جاء قرار الرئيس الأميركي بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني الذي سبق أن أبرم في يوليو من العام 2015 ليمثّل خطوة تصعيدية خطيرة من شأنها خلق بؤرة توتر جديدة في منطقتنا، التي تعاني الأَمَرين من الحروب والاحتلال والعدوان والحروب الأهلية والصراعات الإقليمية، وسيكون لهذا التصعيد الأميركي وتداعياته على أمن منطقتنا، وهذا يتطلب من دول العالم ضرورة قيام منطقة شرق أوسط خالية من السلاح النووي وهذا ما يتطلب بالأساس إخضاع المنشآت النووية في الكيان الصهيوني للرقابة الدولية.
أن اعتراف الإدارة الأمريكية بكيان الاحتلال والقدس عاصمة له، ونقل السفارة سيخلط الأوراق في كل المنطقة وسيكسر قرارات الأمم المتحدة والموقف الدولي، الذي يعتبر مدينة القدس ضمن الأراضي المحتلة، ويبكون الرد الفلسطيني يوم الرابع عشر من ايار بحجم الجريمة حيث سيخرج الشعب الفلسطيني ليقول للعالم ليقول أننا نرفض نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وهذه المؤامرة لا يمكن أن تمر، وكفى من المجتمع الدولي تواطئ وصمت امام هذه الجريمة وكل الجرائم التي ترتكب بحق شعبنا، ونطالب العالم أن يقف بعدالة مع شعبنا وحقوقه الوطنية المشروعة
إن الهجمة الأميركية – الاسرائيلية، متمثلة في صفقة القرن، لا تستهدف الشعب الفلسطيني وحده، ولا تهدد حقوقه الوطنية وحدها بالتصفية، بل تطال مصالح المنطقة بأكملها مما يستدعي من كافة شعوبنا العربية وقواها السياسية، وفي القلب منها قوى اليسار العربي، تحشيد القوى، واستنهاض عناصر الصمود، وتنظيم الصفوف في معركة التصدي لهذا المشروع، بتعبيراته السياسية والاقتصادية والثقافية. الأمر الذي يتطلب العمل بجدية لأجل بناء أوسع جبهة مقاومة شعبية عربية، ضد المشروع الأميركي – الصهيوني – الرجعي العربي.
امام كل ذلك نحن على ابواب الحَرب إذن، ولكنها لن تحقِّق أهدافها في هذا المِضمار، وسَتكون إسرائيل التي سَعَت إليها، وتآمَرت من أجلِها، ووَظَّفَت القوة الأمريكيّة الأعظَم في العالم في خِدمَة مخَطَّطاتِها، الخاسِر الأكبَر، ومَعها كُل الذين يَقرَعون طُبول الحَرب باسمِها في مِنطَقة الخَليج العَربي، ولكن ليعلم الجميع ان خَيارُنا لن يكون الخندق الامريكي الاسرائيلي بل في خيار المقاومة لمواجهة الخطوة الامريكية التي لا تدير علاقاتها مع الدول الأخرى، بناء على قواعد احترام حقوقها وسيادتها أو الاتفاقات الموقعة معها، أو عبر أحكام ونصوص القوانين والمعاهدات الدولية، بل من خلال سياسة البلطجة والعنجهية والغطرسة والتهديد والوعيد، وبما يؤكد أنها دولة مارقة وتضع نفسها فوق القانون.
لقد حطم الرئيس الأمريكي الحالي الرقم القياسي في التاريخ الأمريكي بعدد الإقالات في إدارته، وتوجت هذه الاستقالات بتعيين جون بولتون، الملقب بأبي المحافظين الجدد والمُنظّر الأكبر لصقور الحرب مستشاراً لشؤون الأمن القومي، جون بولتون هو أحد المفبركين لقصة أسلحة الدمار الشامل في العراق ومعروف بمواقفه المتحيزة ضد لبنان في حرب تموز ،2006 وضد الفسطينيين بتنظيره الدائم لإيجاد الوطن البديل، ومواقفه العدائية ضد إيران، وقد أعلن أنه يجب (ضرب إيران بالقنابل قبل أن تضرب إسرئيل)، ولدرجة تطرفة وعنجهيتهة لم يقر الكونغرس الأمريكي تثبيته سفيراً لبلاده في الأمم المتحدة في عهد بوش الابن إلا بعد سنة من تعيينه.
تقود إدارة ترامب الحالية سياسة مواجهة واسعة بدت واضحة في التصعيد عالي المستوى والمتكرر في سورية، وفرضت عقوبات جديدة على روسيا وطردت عدداً كبير من دبلوماسييها، وهي تقوم بضغط هائل على حلفائها الأوربيين، لإلغاء الاتفاق النووي مع إيران، كما أعادت انتشار قواتها في العراق وأنشأت قواعد عسكرية في شمال سورية، ومازالت صامتة عن أكبر جريمة في التاريخ الحديث في اليمن، ولايستحي ترامب بالقول بشكل مباشر أو غير مباشر بأن السعودية بلد غني ونريد حصة من أموالها، وفي شرق آسيا فرضت واشنطن قيوداً جديدة على التجارة الحرة منها تجارة الصلب والألمنيوم التي تضررت منها بشكل خاص كندا والبرازيل واليابان، ثم طورت وجودها العسكري في بحر الصين وشرق آسيا.
ختاما : لا بد من استنهاض طاقات الشعوب لمواجهة الخطر الداهم والعمل مع كل الدول والقوى التي تقف في وجه العنجهية والصلف والعدوان الأمريكي وحليفه الاستراتيجي في المنطقة الكيان الصهيوني.
بقلم/ عباس الجمعة