قَالها أبُو عَمّار سَابقًا: غُصن الزّيتون فِي يَد والبُندقيّة فِي اليَد الأُخرى؛ هَكَذا هُو السّنوار المُؤمن بِهذه المقُولة وقَد يكُون قَائد حَماس فِي غزّة قَد إستَبدل البُندقيّة بالمُقاومة السّلمية والتي رَفع رَمزيّتها رَئيس المَكتب السّياسي لحَماس إسماعِيل هنيّة عِندمَا صَوّرته الَفضائِيات وهُو يحمِل "الشُّدّيدَة"، فَلم يعُد الخِطاب بِلُغة الصّواريخ والمِدفعيّة والكلاشِنكُوف والعَمليّات الإستشهَاديّة، بل أصبَحَت لُغة "الكَوشُوك" والطّائِرات الوَرقيّة وقفزَات إزاحَة السّلك الشّائك هِي المُسيطرة.
لُغة سِياسيّة جَديدة وإستراتيجيّة جَديدَة ، كَانت بِدايتُها إستخدَام الكَلمَات المأثُورة لأبُو عَمّار وهُو الذي خَاض مَعركَة السّلام والإستِشهَاد بدَور أبُو جِهاد فِي الإنتفاضَة الأُولى، لا أعتقِد أنّ حَماس وقَادَتها يستعرِضُون إعلاميًا أو يُثيرون عَواطف الشّعب الفِلسطيني مِن خِلال إستِحضَار ما يحبّه الشّعب، بَل هِي رَسَائل وأكثَر مِن رسَالة سَواء عَلى المُستوى الدّاخلي أو عَلى مُستوى الإقلِيم أو المُجتمع الدّولي، حَماس ومِن خِلال رئِيسها في غزّة والذي وَصَفه البَعض بالمُتشدّد يتبنّى خِطاب ونَهج وبرنامِج عَرفات ولكِن هَل سينجَح أم ستكُون النّهاية كَما هِي الآن أو النّتيجة لِما آل له نَهج ياسِر عَرفات، وهَل يستطِيع السّنوار بالتّحالف مَع بَعض القُوى الوَطنية أن يتحصّل عَلى مَا عجِزت عنهُ مُنظّمة التّحرير، وهَل هِي البِداية أم النّهاية فِي سِياق التّوجه الدّولي لحَل القضيّة الفِلسطينيّة، وإذا كَانت أدوَات الفِعل والآليّات قَد تُحدّد مَصِير قِطاع غزّة، مَاذا عَن الضّفة والإستيطَان ورَوابط المُدن والقُدس!! وَماذا عَن مُسارعة عَباس بعَقد مَجلس وَطني ليُؤكد شَرعية مُنظمة التّحرير فِي تمثِيل الشّعب الفِلسطيني وتُؤكّد شرعيّته ونَهجه مِن خِلال بَوابة أُوسلو والإستِعانة بجُزء فَقط مِن عِبارة أبُو عَمار "غُصن الزّيتُون" أي السّلام خِيار استراتِيجي وإغفَال البُندقية بَل وأدِها، اعتَمد عبّاس عَلى شِعار المُقاومة السّلمية بدُون مُقاومة سِلمية وهُو الشّعار الذي يتنافَى مَع مَهام السّلطة وواجِباتِها الأمنيّة مِن خِلال الّتنسيق، أمّا حَماس فَقد أتت مُبادرة مَسيرة العَودة الكُبرى وتبنّيها لتفتَح أمَامَها دُروب فِي سِياق وثيقتِها التي ركّزت عَلى كونِها حَركة تحرّر وطَني والإنفتَاح عَلى دِول الإقليم والمُنظّمات الدّولية و لُغة الخِطاب الدّولي وأرشيفِه مِن مُبادرات خَاصّة بالقضيّة الفِلسطينية وقبُول حَل الدّولتين هَذا يَعني الإعتِراف بقرَار 242 و 338 ومِن ثمّ القَرار الدّولي الأُمَمي 194 والقَرار فِي الجَمعيّة العَامة1967 عَام 2012 الإعتِراف بدَولة فِلسطين مُراقبًا ويدعُو للإعترَاف بها كَدولة كَاملة العُضوية فِي الأُمم المُتّحدة.
حَماس تغيّرت.. نَعم تغيّرت فِي خِطابِها السّياسي، ولكِنها مَازالَت تطمَح فِي شَراكة وطنيّة تتبوّء فِيها الصّدارة بما تمتلِكه مِن عَوامل القُوة والسّيطرة عَلى قِطاع غزّة بأهميّته الإستراتيجيّة عِند البَحث فِي أي حُلول للقضيّة الفِلسطينيّة. حَماس تغيّرت بوُجود السّنوار عَلى رأس القِيادة لقطَاع غزّة وهُو مَركز الثّقل لحَماس وبوُجود إسماعيل هنيّة رئِيسًا للمكتَب السّياسي لحَماس المُقيم فِي غزّة أيضًا.
مُنذ أن التقينَا مَع السّنوار مُنذ عَام فهُو مُؤمن بالدّيمقراطيّة والبَحث فِي كَافّة الخِيارات وإستخدَام السّلاح عِند الضّرورة القُسوى إذا فُرضت المَعركة أي انّ السّنوار يُؤمّن الخَط السّياسي والتّعامل مَع الأُطروحات الإقليميّة والدّولية التي لا يُمكن أن يتم التّعامل مَعها إلا بتفعِيل المُقاومة الشّعبية السّلمية والتي تتمثّل في مَسيرة العَودة الكُبرى التي ستفرض رُؤى سِياسية جَديدة بخصُوص حِصار غزّة ورُؤى أُخرى بخُصُوص القَضية مَع تجمِيد فِعل الطّاقة العَسكرية وهُو السّلاح الخَلفي لوُجود حَماس وقُوتها وفَرض إرادتِها.
رُؤية السّنوار وإن وَافق عَليها مَجلس الشّورى لحَماس بَعد الإنتخَابَات الحَمسَاويّة التي أتت بوُجُوه جَديدة مُطعّمَة مَع القَديم قَد أحدَثت إنقلابًا فِي سُلوك حَماس وأفشَلت مَن وَصَف السّنوار بالمُتطرّف، فهُو قَد حَارب الفَساد فِي دَاخل حَماس، وهُو مَن فَتح خَط واسِع وعَلني وصَريح مَع القائِد الفَتحاوي محمّد دَحلان وسَمير المَشهَراوي مُتجاوزِين عَقد المَاضي وصامّين الآذَان عن التّحريض بالتّفاهُمات المعرُوفة بتِفاهُمات القَاهِرة التي كَانت أساسًا للإنفتَاح الإنسَاني والإجتمَاعي والسّلم الأَهلي وهِي مَن حَرّكت المِياه الرّاكدة وأَحدَثت تفاعُل وإنفِعَالات دَاخليّة عَلى المُستوى الذّاتي والإقليمي، وأذكُر عِندما تهيّأ أحَد الكُتّاب للهُجوم عَلى دَحَلان فِي إجتِماعِنا مع السّنوار، وقُمت باعتِراض هَذا الكَاتب، بَادَر عِندها الأخ السّنوار مُدافعًا عَن دَحلان قَائلا أنّه رجُل وَطني. إجمالًا، أصبَحَت الصّورة واضِحة أمَام الجَميع عَن سُلوك حَماس مِن خِلال لِقاءِه مَع وَفد أُورُوبي فِي 1052018 فهُو يهُيّئ حَماس للعِب دَور سِياسي مِن خِلال مَسيرة العَودة لقَطف ثِمار وَطنيّة أوّلها فَك الحِصَار والتّعامل مَع كُل المُبادَرات السّياسِية وخَاصة حَل الدّولتين والقَرار 194 وقَرار الجَمعية العَامة الأخِير وهَذا يفتَح مَبدأ التّفاوض والذي أوضَحه أحد كُتّاب حَماس الأخ إبراهِيم المدهُون بأنّ التّفاوض ليسَ عيبًا فِي ظِل مُعادَلات مُحدّدة.
السّنوار طبّق ويُنفّذ ما جَاء فِي وثِيقة حَماس، ولكِن المُعادلة فِي غَاية الصّعوبة وتقاطُعاتِها صَعبة ومُعقّدة والتي تنحصِر مَا بَين فَك الحِصَار وطُموحَات أهل غَزة ومَا بين المِضيّ قُدمًا فِي الحِفاظ عَلى النّظام السّياسِي ومُنظمة التّحرير ووِحدة مَا تبقّى مِن أرض الوَطن فقَد نملِك بَعض الأوراق ولكِن غالبيّة الأوراق ليسَت فِي أيدِينا كَيف نُحافظ عَلى اتّزان المُعادلة، وكَم سنُحقّق مِن مَسيرة العَودة التي ستُؤرّق إسرَائيل باستمراريّتها بَل تفرِض تَهديدًا معنويًا وتاريخيًا عَليها. البَعض يتوقّع مِن مَسيرة العَودة أن تُحرّر فِلسطين وتعُيد القُرى الفِلسطينيّة، ليسَ هَكَذا تُحسب المُعادلات السّياسِية فِي وَضع إقليمِي ودَولي يصعُب فِيه أن نُحقّق كُل مَا نُريد بَل بما هُو مُستطَاع، والمُستطاع مَع التّضحية والدّماء، فَلا شَيء يأتينا عَلى "صِينيّة" مِن ذَهَب.
سميح خلف