كانت تقاليد رحلات الدبلوماسيين الأمريكيين الى المنطقة، خاصة إذا كانت المرة الأولى، تتضمن لقاءًا _ ولو شكليًّا في بعض الأحيان _ بالقيادة الفلسطينية في اشارة الى أولوية القضية على جدول اعمالهم. هذه المرة وفي خلاف للتقاليد لم يدع وزير الخارجية الأمريكي "مايك بامبيو" الفلسطينيين للقائه في إشارة أكثر وضوحاً من الأولى بأن المسألة الفلسطينية لم تعد تشغل بال الأمريكان، او أنها بالنسبة اليهم ليست ذات اولوية مقابل مايدبرونه في الأفق لايران.. ولأنه _أي بامبيو_ زار الأردن فكان عليه أن يجيب على أسئلة الموضوع صاحب الأولوية الكبرى هناك وهو ايجاد حل للقضية الفلسطينية .. وعلى الرغم من أن بامبيو لم يتفق مع وزير الخارجية الأردني في أن الصراع هو السبب الأكبر في عدم الاستقرار الاقليمي، وقام بتكرار جمل قديمة متجددة بأن الولايات المتحدة تدعم اسرائيل في الدفاع عن نفسها، إلا ان المفارقة الساخرة تكمن في أنه ألقى بمسئولية توقف المفاوضات ومباحثات السلام على الفلسطينيين داعياً السلطة الفلسطينية للعودة للحوار السياسي!!
هل يرانا هذا الرجل؟ وهل يسمع ما يقول؟؟ أم أنه اختلط عليه الأمر بيننا وبين كيم جونغ أون؟ كيف نعود للحوار؟ هل نحاور انفسنا أم هل ننشئ سفارة فلسطين في القدس لنحظى باهتمام السيد نتنياهو؟ أم هل نبدأ بشكر السيد ترامب على مبادرته الفذة بالاعتراف بالقدس؟ ولا مانع من توجيه الشكر لنتنياهو ايضا بأنه لم يبيدنا بالكيماوي !! من الواضح أن ما تفوه به بامبيو هو صف لجمل جوفاء وتلاعب بالكلمات والألفاظ الغرض منها فقط اجابة تقليدية على سؤال صحفي تقليدي عليه أن يُسأل مادام وزير الخارجية الأمريكي موجود في المنطقة !! وربما في المرة المقبلة لن تكون هناك حاجة حتى للسؤال!
قبل يومين ارسل لي صديق أمريكي ممن يؤمنون بحل الدولتين مقالاً معتبراً بعنوان " اليهود الأمريكيون تخلوا عن غزة وعن الحقيقة"للكاتب الأمريكي اليهودي "بيتر بينارت" الاستاذ المشارك في جامعة الصحافة والعلوم السياسية في نيويورك، والذي يعرض فيه استيراتيجية بديلة لسياسة اسرائيل والولايات المتحدة أسماها "استيراتيجية الأمل". والتي تنطلق برأيه من حقيقة أساسها ان اسرائيل لم تفشل فقط في انهاء حماس بل تخلق الظروف التي يزدهر فيها التطرف. وتعتمد استراتيجية بينارت على ثلاث نقاط هي:
رفع جزء كبير من الحصار على غزة مع حق اسرائيل في تفتيش البضائع الداخلة والخارجة من واليها.
السماح بل تشجيع الفلسطينيين في الضفة وغزة والقدس الشرقية بإقامة انتخابات حرة لاختيار قيادة شرعية جديدة مع ضمان حق اسرائيل في مهاجمة اية فصيل فلسطيني يدعو الى القضاء عليها.
تبني مبادرة السلام العربية ومبادئ كلينتون والتي تشمل اقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة على حدود 1967 وهذا يعني توقف النمو الاستيطاني.
ربما يجد البعض أنها كلام مكرر، ولكن الجديد والمهم الذي يراه بينارت لدعم وتحقيق هذه الاستراتيجية، هو دعوته للمجتمع اليهودي الأمريكي المنظم وقادته لتحمل المسئولية في التحدث بأمانة وصدق عن أزمة الفلسطينيين والتوقف عن تصدير عبارات مضللة ومبهمة لسياسيي واشنطن، وانتقاد كل من يتجرأ على تحميل اسرائيل أية مسئولية عن معاناة الفلسطينيين.
ملخص القول أن مفتاح الحل هناك من حيث جاء بامبيو .. كيف نصل؟ تلك هي المسألة!!
بقلم/ د. أماني القرم