أمام حالة الانقسام التي ألقت بظلالها على الشعب الفلسطيني وقضيته ومقدساته وحقوقه الوطنية المشروعة والتي كانت عاملا مؤثرا في خلخلة جبهته الداخلية لولا تماسك مدها الجماهيري الذي تقف جموعه كالطود الشامخ أمام العواصف العاتية مما يفشلها الواحدة تلو الأخرى رغم ما لحق بها من غبن لقد ألحق الانقسام في الجسد الفلسطيني ترهلا تلاه عجز وشلل شبه تام وعدم قدرة على فرض حركة شعبوية ثورية شمولية تؤثر في مجريات الأحداث وبوصلتها لصالح هذه القضية ومما زاد في الطين بلة تضعضع الشارعين العربي والرسمي وسقوط الإدارة الأمريكية ومن يدور في فلكها في براثن اليمين الصهيوني المتطرف الذي يسعى جاهدا لطمس هذه القضية وإلى الأبد خدمة لمشروع استعماري جرى ترتيبه في غفلة من العرب والمسلمين جميعا خدمة للكيان الصهيوني الغاصب الإدارة الأمريكية الحالية تحولت من الدوران في الحلقة المفرغة التي ظلت القضية تراوح مكانها فيها منذ العام 1967 إلى التجرؤ العلني لاتخاذ إجراءات تقود لتصفيتها باعتراف ترامب بالقدس عاصمة للدولة الصهيونية في فلسطين والتعرض بالسوء والإدانة ووقف التمويل للوكالات الأممية التي تدعم حق الشعب الفلسطيني بالعيش بوطنه أسوة بكل شعوب الأرض
وتهديد استقرار وأمن أي شعب ونظام يناصر الشعب الفلسطيني تمهيدا لشطب حق العودة وتقرير المصير وطمس هوية شعب الجبارين الذي لا زال يقف وبصلابة في وجه كل المخططات والمؤامرات الصهيو غربية ربما بل وبالتأكيد أن حالة الهذيان التي تعايش معها شعب الجبارين منذ الخروج من بيروت أدى لاجتهادات خاطئة ولاختلاف الرؤى والمواقف في كيفية وقف حالة الانهيار والتفكك التي أصابت الجسد الفلسطيني وتطلعاته في مقتل رغم الإبداعات الخلاقة التي يبتكرها الفلسطينيون في مقارعة المحتل الغاصب وفي التعبير عن رفضهم الاحتلال وإصرارهم على نيل حقوقهم ومطالبهم بكل الوسائل السلمية منها كالانتفاضات المتتالية والعمليات القتالية والقلمية والشعرية والإعلامية إلى غير ذلك من وسائل تحتاج للكثير في سبيل إبرازها ونالت من قدسية القضية الفلسطينية ومركزيتها وشجعت البعض على التمادي في مواقفه المفرطة بالأرض الفلسطينية والمفرطة في التغزل بالكيان الصهيوني جراء انهيار الوضع وفقدان التماسك والتلاحم العربي بفعل حربكات الإدارة الأمريكية والتي تسعى للحصول على ثروات العرب مقابل حمايتها للدول الثرية منها ما أسهم في تحول العداء من العدو الصهيوني إلى عداء مستفحل مع فلسطين أو بين فواصل حدود صنعتها سايكس بيكو وملحقاتها والتي ما زالت تفرز المزيد من الانقسامات واختلاف الرؤى في مواجهة الأخطار ومنع الانهيار التام للجسد العربي الواحد الذي باتت تتكله وتؤثر في مجريات الأحداث فيه من بيدهم الحل والربط من أهل المنطقة وتحول الصراع على نحو ما كان يجري في الزمن الغابر في داحس والغبراء كل هذا يجري وما زال البعض يتغنى بأن القضية الفلسطينية هي قضية العرب المركزية والتي برأيي فقدت خصوصيتها هذه منذ توقيع الرئيس المصري الراحل أنور السادات وزعيم الكيان الصهيوني نذاك مناحيم بيغن لاتفاقيات كامب ديفيد والتي تحمل بنودا سرية لم يعلن عنها وتبقى كما يقال في بطن الشاعر كبلت مصر الحضارة والتاريخ والعروبة بما لا طاقة لها بها ويفرض عليها عدم الإخلال بأي بند من بنودها حتى ولو أخل بها الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين بطبيعة الحال لم تخرج عن هذا النص اتفاقية وادي عربة وتفاهمات أوسلو أيضا لأن عرابهما واحد سكان البيت الأبيض الأمريكي فهي نسخة طبق الأصل من الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها في كامب ديفيد هذه الاتفاقيات الثلاثة مكنت العالم الغربي والكيان الصهيوني من إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة من جديد وأسهمت في زعزعة أمن واستقرار دول المنطقة قاطبة كما أسهمت في خلق طوابير متبنين لرؤى الإدارة الأمريكية الهادفة لتغيير واقع المنطقة لصالح العدو الصهيوني
ولو كانوا قلة إلا أنهم خلقوا إرباكا في الساحة العربية لدرجة وصلت في البعض منهم في تأييده لمخططات ورؤى تلك الإدارة لدرجة الوقاحة ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر تجرؤ البعض من العرب ممن لا يملكون الحق في التحدث عن فلسطين لنيل رضا قادة الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية التي تغذي الإرهاب وتنشئ قواعده وتنظيماته في منطقتنا وتسنده وتمده بكل أسباب القوة في مختلف المجتمعات غربيها وشرقيها على حد سواء في اختراق واضح لكل المجتمعات في شتى أنحاء المعمورة وكل هذا ما كان ليتم لولا سيطرة اليمين المتصهين على الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية وتنكرهما للحقوق الفلسطينية المشروعة في ظل غياب حليف إقليمي أودولي قادر على فرض معادلة جديدة أو حتى الإخلال بموازين القوى القائمة وموقف عربي حاسم في مواجهة الضغوط الأمريكية والصهيونية لكن ما يحسب لجماهير الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات حسن الإدراك والوعي والانتماء لفلسطين دون غيرها بمواقف شجاعة قل نظيرها في مواجهة المشروع الترمبي وبمسيرات العودة التي فيها رسالة واضحة للعالم أجمع أن لا صوت يعلو على صوت الشعب الفلسطيني القابض على الجمر والمتمسك بحقه في العودة إلى أرض بائه وأجداده فلسطين فقناعته فيها هي البوصلة التي تتجه نحوها أفئدتهم
وهي الملاذ الحاضن لهم والحاضنين لها شاء من شاء وأبى من أبى رغم حالة التشظي والانقسام التي تعاني منها الساحة الفلسطينية فهذه الجماهير كما عودت العالم أجمع أنها تتفوق على ذاتها تصنع ما لم يكن بحساب الأعداء فعندما حصلت هزيمة 1967 راق لهم الالتحاق بالثورة وعندما خرجت منظمة التحرير من بيروت تفجرت الانتفاضة وعندما اقتحم شارون باحات المسجد الأقصى فجروا الانتفاضة الثانية وتوجت نضالاته في انتفاضات وهبات أمام جدار الفصل العنصري ومواجهة استفزازات المستوطنين في اقتحاماتها للمسجد الأقصى وهي من أرغمت العدو على رفع البوابات وكاميرات المراقبة من أمام المسجد الأقصى وحوله وهي التي تنظم مسيرات العودة قبالة مستوطنات العدو في غلاف غزة غير بهين بما يقدم عليه جيش العدو الباغي من قتل وقمع لجموع المسيرة المصرة على إسقاط نهج كل مخطط يستهدف تصفية القضية وستسقط نهج ترامب كما أسقطت كل مشاريع التصفية وستبقى كذلك بمواقفها الشجاعة كونها تمثل الكل الفلسطيني الذي لا يقبل القسمة أبدا دون أن تشكل انتماء لهذا الفصيل أو ذاك الحزب بل الانتماء لفلسطين المجد أرض الشهادة والنصر والخلود و
هي أثبتت على مر العقود أنها الأقوى والأجدر والأكثر ولاء لها والقادرة بمواقفها على إسقاط كل المؤامرات وبخاصة ما أقدم عليه ترامب المغامر الذي لم يتعلم من سابقيه كيف يتمكن الشعب الفلسطيني من إسقاط كافة التحديات التي تحاول أن تعصف بوجوده والمس بقضيته وبثوابته الوطنية وما يصنعه الن في مسيرات العودة نابع من استشعاره بالخطر الحقيقي الذي يدهم القدس والأقصى وثوابته في العودة وتقرير مصيره والذي فيه تغول أمريكي على الحق الفلسطيني التاريخي والقانوني والدولي ففلسطين الن في عين العاصفة وستنتصر بجماهيرها
عبدالحميد الهمشري كاتب وباحث بالشأن الفلسطيني
abuzaher2006yahoocom