عالم العهر السياسي ... والتجاهل الانساني

بقلم: وفيق زنداح

تأكدنا ... كما تأكد غيرنا ... ان الشعارات كانت فارغة ومفرغة ... وأن المبادئ والمواثيق والقوانين قد وجدت للخداع والتضليل .. وان العلاقات لا تحكمها المبادئ بقدر المصالح ... وان الدول مربوطة بمصالحها ... ومسيرة بمن يحكمها عن بعد ... كما تأكدنا ان المؤسسات الدولية كذبة عالمية ... في عالم العهر السياسي ... ومنظماته التي لا تمتلك قرارها ولا تستطيع ان تفرض ارادتها .

نعيش بكذبة كبرى ... وفي ظل نفاق كبير ... وخداع وتضليل يصل الى حد العهر والتجاهل .... في ظل عالم يدعي الحضارة ... الحرية والديمقراطية ... وحقوق الانسان ... عالم يتحرك لمقتل أي انسان على الكرة الارضية ... ومن أي ديانة كانت ... الا بهذه البقعة المسماة فلسطين واهلها ونكبتها المستمرة منذ ما يزيد عن سبعة عقود .

عالم العهر السياسي ... والتجاهل الانساني والذي شاهد بأم أعينه ... وعبر الشاشات ... ومن خلال التقارير الرسمية وغير الرسمية للمؤسسات الانسانية والحقوقية .... أن هناك قتلى بالمئات ... وجرحى بالألاف ... ولا أحد يتحرك ... ولا ترمش حتى عين أحد ... ولا تدمع عين ... ولا يتوجع قلب انسان ... ولا يتحرك ضمير ... فالقانون مجمد وغائب ومغيب ... والمؤسسات معطلة ... والمبادئ والمواثيق كلام لارضاء البسطاء ... وليس لادانة الاقوياء ... والمحاسبة لمن يقتل ... وليس للقاتل .

حتى المسمى مجلس العهر الدولي ... يقف عاجزا ... قاصرا ... متخاذلا ... أمام (فيتو) المعارضة الامريكية لإدانة كيان العهر الصهيوني ... مهما فعل وأجرم وارتكب من المجازر والجرائم ... ومهما خرق من القوانين والاعراف السياسية والدولية .

وحتى نتوقف عن الحديث عن المجتمع الدولي وعن مؤسساته وشرعيته وقوانينه ... وحتى نتوقف عن الحديث عن مؤسسات العرب والمسلمين ... وحتى لا نخدع ونضلل ... بأن اردوغان قد سحب السفير التركي من تل أبيب وواشنطن .

حقا نحن غلابة ... ومساكين ... ونخدع بسرعة كبيرة ... وهذا لا يحسب علينا ... في ظل غياب الردود وتجاهل الحال المأساوي ... وما ارتكب بحقنا من جرائم ومجازر ... نفرح من الموقف التركي ... كما نفرح من موقف جنوب افريقيا ... ونغضب من موقف أمريكا والذبح مستمر والقتل منتشر ... والتهديد قائم والقصف في أي مكان وزمان ... وكأننا لسنا ببشر .. واصحاب حقوق ... ووطن مسلوب .

هذا يعني ان كل ما نتحدث عنه أكاذيب ونفاق سياسي ... وأوهام وخداع وتضليل ... نحاول من خلالهم ان نخدع انفسنا ... بأن هناك عالم دولي سيقف معنا ... ويساندنا ... ويدعمنا حتى نحرر ارضنا ونقيم دولتنا بعاصمتها القدس .

حتى هذا المسمى حمد بن جاسم رئيس الوزراء القطري السابق والذي شغل منصب وزير خارجيتها سابقا يتحدث عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي( تويتر) متحدثا ان صفقة القرن الامريكية ... تنفذ خطوة خطوة بدعم وتأييد دول عربية كبرى ... متسائلا ... بالله عليكم ما هو الثمن ؟؟؟ واضاف لا ثمن يساوي التفريط بالمقدسات والحقوق الوطنية مؤكدا ان موقفه من الحل السلمي واضح ... ويقوم على المحافظة على الحقوق الفلسطينية ... واعتبر ان العالم العربي قد دخل الى نفق مظلم ليس في هذه القضية رغم أهميتها ... لكن في كل القضايا الدولية والمحلية ... مشيرا الى ان كل البيانات التي تصدر مجرد (رفع عتب) مضيفا انه للاسف ... فان العرب شركاء في كل ما يجري .

هذا الوزير القطري المخادع والمضلل بتاريخه الاسود ... ومواقفه المعادية لمصر وسوريا وفلسطين ... ومواقفه الداعمة للارهاب ومواقفه الحميمية مع حكام تل أبيب وواشنطن ... يخرج علينا بنصائح الثعلب المكار .... والمنقذ المتآمر ... والكاشف للحقائق ... التي تكشف حقيقته ... وحقيقة امارته التي كانت مساهمة بالحالة العربية ... وما تم تسميته بثورات الربيع الامريكي الصهيوني وهو يعيش بامارته وبجانب القاعدة الامريكية ...التي تخرج منها الطائرات لقصف العواصم العربية أمثال هذا الشخص لا يحق لهم ان يشككوا بوطنية أي دولة ... ولا يحق له ان يتحدث عن صفقة القرن التي تم نسجها بخيوطها الاولى من خلال الدوحة ومن خلال اشخاص ذات ارتباط بأمريكا واسرائيل .... وليس هناك ما يمكن قوله بأكثر من ان الصمت لمثل هؤلاء أفضل بكثير من الكلام .

القدس وقد تم انتهاكها من أعداء الحرية بمستوطنة أمريكية ... وبقرار أمريكي ... وبتدنيس للمقدسات الاسلامية والمسيحية من دولة تدعي الحرية والديمقراطية .... وبحسب مقاييسها وما تحدده مصالحها ... وتحالفها مع الكيان الصهيوني .

لم يعد هناك ثوابت دولية ... ولم يعد هناك قانون دولي ... ولم يعد هناك مؤسسة دولية ... كل ما يجري محاولة تخدير للشعوب وللدول الضعيفة ... بأن لا تتجاوز الحدود ... وان تبقى بحالها لتأكل وتعيش ... وحتى يأتيها الموت او الفوضى .... بإرادة امريكا واسرائيل .

العالم كله يتحدث بلغة مرضية ... يستنكر ويشجب ... ويرفض ... قاموس دولي بداخله كل مفردات الغضب .... على ما يمكن ان يحدث من قتل جماعي واجرام صهيوني ... في ظل عالم عاجز عن فعل أي شئ ملموس حتى انه عاجزا عن اصدار قرار اممي يدين الجرائم الصهيونية .

فماذا نتوقع ... وماذا ننتظر أكثر مما حدث ؟؟؟!

وطن بأكمله قد سلب ... وشعب بأكمله قد تم طرده وتشريده .. وعشرات الالاف تم قتلهم وملاحقتهم بكافة الاماكن ..... وعلى مدار الزمن وتم ممارسة كافة اشكال العنصرية والارهاب ضد شعبنا وقياداتنا وفصائلنا وحتى ضد اطفالنا الرضع ... لم نترك ... بل تم ملاحقتنا .... والاعتداء علينا ... ومهاجمتنا ... وحتى حرقنا واطفالنا وامهاتنا واباءنا ... وحتى التشكيك بنوايانا الصادقة حول تسوية سياسية قبلنا بها ... ولا توفر لنا الحد الادني من حقوقنا .... ومع ذلك قبلنا ... وتفاوضنا ووافقنا ... لكنهم لم يلتزموا ... وخالفوا العهد .... كما عادتهم منذ الازل ... واستمروا بالمماطلة والتسويف ... وهم يقتلوننا على مدار اليوم واللحظة ... وينهبون ارضنا على مدار اللحظة .... ويزيدون من مستوطناتهم على مدار اللحظة .

تم وضعنا داخل جزء من ارضنا ... وتم تقسيمنا ما بين معتدل وغير معتدل .... حتى وصلنا لمرحلة ان نقسم أنفسنا ... وان ننقلب على ذاتنا ... وكأننا نسير بخطى أعداءنا وما يخططون ضد حقوقنا .

وجدنا انفسنا بسجن كبير... لا سياسة توفر لنا ما نريد ... ولا مقاومة تنجز لنا حرية ... خياراتنا نختلف عليها ... ونقوم على اتهام بعضنا ... وكأن المخرج كان المقاومة السلمية ... والمسيرات الشعبية والتي وجدنا فيها ان اعداد من يقتلوا ويتم جرحهم أكبر بكثير من أعداد من يمكن ان يسقطوا شهداء في معركة او مواجهة .

• ماذا علينا ان نفعل ؟ وكيف لنا ان نتصرف ؟ هل نعلن الكفاح المسلح ونقلب الطاولة على رأس الجميع ؟

• هل نقطع الاتصالات وامكانية عودة المفاوضات ... ونلغي الاتفاقيات ولتكن النتائج كما تكون ؟

• هل نحولها انتفاضة شاملة ... مسلحة او سلمية على طول وعرض الوطن ومهما تكن النتائج ؟

• هل نلغي السلطة الوطنية ونجعل الارض بمجملها وبكل من عليها تحت الاحتلال ومسؤوليته ؟

• هل نحن فشلنا ... ولا نستطيع ان نفعل شئ ... لتغيير الواقع وعلينا بالعودة والمطالبة الى ما كنا عليه قبل نكسة حزيران (67) ليكون قطاع غزة ضمن الادارة المصرية ... والضفة والقدس ضمن الحكم الاردني وكفى المؤمنين شر القتال ؟

نتحدث كثيرا ... ونخطب كثيرا ... ونرفع من الشعارات التي تملأ الارض والسماء ... لكن قلوبنا شتى ... وعقولنا شاردة ... وارادتنا متناقضة ... وخياراتنا غير متوافق عليها ... ولكل منا برنامج .

مشهد الامس الدموي ... بكل عظمة وعطاء وتضحية شعبنا ... يحتاج الى اعادة دراسة اوضاعنا وعلاقاتنا ... وانهاء هذا الانقسام الاسود ... وعدم ادخالنا بتجارب جديدة ثمنها باهظ من دماء أبناء شعبنا .

لنقف قليلا ... لنفكر كثيرا ,... ولنعيد الحسابات السياسية والوطنية الى حيث ما يجب ان تكون...حتى يمكن ان نقلل من خسائرنا ... وحتى يمكن ان نحقق ولو الجزء اليسير مما نريد .

بقلم/ وفيق زنداح