عندما أكتب عن غزة، تأبى الكلمات ان تخرج كحروف عابرة وسطحية ومنكسرة ومهمشة وجوفاء، بل تصر ان تنطلق ممتشقه حقيقة المعاني ورصانة العبر وعمق الأفكار وجدية الموقف، بما يليق بهذه العنقاء.
لا يعيب غزة ان تسال دماؤها بفعل جبان يتمترس خوفا وراء خزي الكثبان وعار الجدر مستخدما ترسانة من سلاح أخرق يمزق الأجساد ولا يمس الروح ولا يكسر العزائم ولا يصيب الروح الثائرة، التي قلبت كل الموازين، وجعلت الجندي الارعن نفسه يحتقر نفسه وهو يقتل الأطفال والنساء والشيوخ والشباب العزل الا من عزيمة تهز الجبال.
لا يعيب غزة ان تزحف مشرئبه الاعناق، لتلامس الحدود وهي تتمسك بذكريات الهجرة رغم شيخوخة الغربة، فغزة لا يعييها من هاجر من الطيور، لان عينيها دوما نحو أرض لم تبرحها الزهور، لان الروح ابدا لا تفارق الجذور.
لا يعيب غزة ان تودع قوافل الشهداء بحزن أجمل ووجع أكمل كل معاني التضحية ورد صفعة القرن بابتسامة مؤلمة ولكنها ليست مهينة ولا مذلة، حملت كل معاني التحدي نحو العالم أجمع، فهذه المدينة المثيرة لا تخضع لحسابات التاريخ والجغرافيا وموازين القوى لأنها هي من تصنعهم.
قد يفرحون وهم يحتفلون واخرون يتشمتون، ولكنهم في قرارة أنفسهم يحتقرون أنفسهم، لأنهم باتوا لا يستوعبون هذه الغزة التي فشلت كل قواميس المعاني والسياسة والمنطق في فك كنهها وكشف غموضها وحل طلاسمها، هذه العنقاء التي لا تنكسر، وتهب شامخة من بين ركام الحروب والحصار والمؤامرات ابية رغم كل شيء تتباها بحزنها الأجمل.
بقلم/ علاء المشهراوي