إن أبدعنا في البقية

بقلم: تحسين يقين

"من لم يستخلص العبر اليوم فلن يفعل ذلك يوما"!

اليوم بالذات. أمس واليوم..

4 أمور:

-         لم يكد شعب مسيرات العودة يكفكف دموعه على من رحلوا، ويضمد جراح من أصيبوا، حتى انهمك في تزيين المآذن احتفاء ثقافيا وروحيا بشهر رمضان.

-         تكرار الجدل حول تشكيل لجنة لفحص جرائم الحرب الإسرائيلية التي تبث بثا مباشرا يصبح أمرا عبثيا، في كون تلك الجرائم لا تحتاج لتحقيق أصلا.

-         رغم الحيّز الصغير المتبقي في أيدينا من مساحة فلسطين، هنا في الضفة الغربية لنهر الأردن، وقطاع غزة، وفلسطين المحتلة عام 1948، إلا أن إبداع البقاء الفلسطيني ما زال أمر مدهشا.

-         السفارة الأمريكية في القدس المحتلة، فعل ناقص غير مكتمل، عزل الولايات المتحدة وزاد سخط العالم على الاحتلال.

أولا: شعب حيّ ومبدع، يقاوم لاسترجاع حقوقه، بأكثر الطرق نبلا، ويستأنف إبداعه وعيشه كباقي الشعوب، يكفكف الشباب والصبايا دموعهم نهارا، ويزرعون الفرح ليلا في عيون أطفال فلسطين.

ثانيا: شعب عريق وكريم يحتاج منا حمايته من القتل الوحشي للعزل، فلا يمكن أن تمرّ نذالة جنود الاحتلال وقادتهم الساسة الجبناء الذين يستأسدون على لحمنا هكذا مرورا كريما، ثم فعل غاضب جدا نحتاجه، يكشف الغطاء الدولي عن الزيف الإسرائيلي.

لا نحتاج للتحليلات والتحقيقات، فقد تم إشباع القضايا، فكل شيء ظاهر، واللعب على المكشوف؛ فمن لا يريد استخلاص العبر اليوم، فهو أصلا لا يريد ذلك، لسبب بسيط أنه لا ينوي مجرد نية، تقديم استحقاقات تجاه العبر المتكونة لديه.

ثمة نزاع-صراع، وثمة تراث جاوز الربع قرن عن الحلول السياسية، واختيارات شعبنا الصادقة، فكيف تسوّل لجنود الاحتلال فتح النار على مسيرات العودة؟ لقد صار بيننا وبينهم هامش للتحرك، والمناورة السياسية، ومنها المقاومة الشعبية اللاعنفية، التي لا تستدعي أبدا سفك الاحتلال لكل هذه الدماء الزكية؛ بمعنى أن هناك كابحا للمبالغة في الرد على المسيرات، فمن العقل والحكمة السياسية ان تحسب إسرائيل حسابا لما هو واقع من حديث وفعل عن التسوية حتى ولم نصل لاتفاق بعد. تستحق الحالة الفلسطينية-الإسرائيلية كما هي، من وجهة نظر إسرائيلية موضوعية، أن تحسب حسابا للحاضر والمستقبل، والسؤال لم لم تفعل إسرائيل ذلك، واختارت القتل!؟

ألا يعني ذلك هو التنكر لإرث المفاوضات والحلول السياسية؟

ثالثا: ليس أمامنا هنا غير استئناف ابداع البقاء والإلحاح عليه، هنا في المحتل عام 1967 والمحتل عام 1948، لا فرق غير في الصياغات القانونية الشكلية.

كل بقعة ارض جرداء، يجب ان نحيلها خضراء، كل يد هي يد تبني، كل صوت هو صوت مبدع، لنصنع، ونزرع، ونبدع فنونا، ونبدع مجتمعا رائعا تسود فيه قيم العدالة والتسامح والإنتاج؛ يجعل ما بين أيدينا من بقية أرض طريقا لاستراد حقوقنا في الأرض الأخر، ف"لا يموت حق وراءه مطالب"؛ فهلا سألت إسرائيل نفسها: لم يأتي الغاضبون/ات إلى السياج؟

رابعا: من الممكن مخاطبة الولايات المتحدة كي تكمل فعلها ليستقيم الفعل: القدس الشرقية عاصمة للشعب الفلسطيني، ورفع مكانة القنصلية الامريكية العامة في القدس الشرقية إلى مفوضية لحين تحويلها لسفارة في الوقت القريب، مع إقامة دولة فلسطين. ان هذا ممكنا أمريكيا، وسيكون متقبلا إسرائيليا، فليس أمام الإسرائيليين إلا ذلك ليمرّ قطار السلام هنا.

لن يهنأ اللص بما سرق وإن حاول تمثيل غير ذلك؛ فهذه البلاد بلادنا، والسلام العادل طريقنا، وقد قدمنا ما يمكن تقديمه فعلا إيثار لسلام يدوم، ومستعدون للعيش معا، كما تعيش الشعوب، ولكن ما بال هذه الدولة اللصة تغمض أعينها عن الحقائق؟

أما نحن، وآه من نحن وعلى نحن، فليس لنا إلا أن نكون معا، فلا ننشغلن بأمور تحزننا وتثير سخطنا، ولندع الخلافات على جانب، حيث يبدو أنها صعبة الحلول، لسبب بسيط هو انه تم في غفلة منا استبدال الخلاص الوطني بالخلاص الشخصي.

هل نحن مثلا بحاجة لنحنن بعضنا على بعضنا؟!

لعل الرواتب هي مثال للاختراق وفعل شيء، ولو تأملنا فقط الساعتين اللتين قاد فيهما الأخ دكتور رياض منصور المعركة السياسية في أروقة الأمم المتحدة، وما أنجز هذا القائد الدبلوماسي الوطني الخبير والفذّ، الملتزم بقضية شعبه العادلة، وكيف أن نصف دقيقة في آخر اللقاء الصحفي أحرجتنا، حين سأله صحفيّ عن رواتب غزة!

الطريق واضحة جدا، لمن أراد السير..

والأخلاق الوطنية، من مسلماتنا..

لعلنا نبدع تجاه التزامنا تجاه أنفسنا، حتى لا نجد أنفسنا منشغلين بالسخرية!

متى نظم الشاعر إبراهيم طوقان لقصيدته الساخرة: "أنتم" التي خاطب فيها قيادات شعبنا قبل عام 1948

وهو الذي رحل عام 1941؟

إن عيد أنتاج أبشع ما في الماضي يثير الحزن والغضب وليس السخرية فقط!

ولأننا دوما، ممن ندعي بالإيجابية، والتصالحية، والحفاظ على كرامة البشر بمن فيهم القادة، ولأن الكلمة مسؤولية، نحاسب عليها، فإننا نعجب أشد العجب، من كل كلمة وفعل يسيء لقضية نبيلة عادلة كقضيتنا..

لماذا يظل شعر طوقان خالدا؟

فلسطين أغلى منا جميعا، نحن لها وليست هي لأحد..

لقد توفي إبراهيم طوقان قبل أن يشهد النكبة، فكيف لو عاش وشهدها؟ ترى ماذا كان يمكن أن يكتب من شعر!

استشهد ناجي العلي قبل وصول السخرية إلى مداها، فكيف لو عاشها؟ وأي كاريكاتير ساخر كان سوف يبدع؟

ونحن اليوم، هل علينا أن نعيد ما قاله إبراهيم طوقان؟

كثيرا ما عدنا لهذه الابيات:

"أنتم المخلصون للوطنية .. أنتم الحاملون عبء القضية

أنتم العاملون من غير قول .. بارك الله في الزنود القوية

وبيان منكم يعادل جيشا .. بمعدات زحفه الحربية

واجتماع منكم يرد علينا .. غابر المجد من فتوح اميه

وخلاص البلاد صار على الباب .. وجاءت اعياده الوردية

ما جحدنا افضالكم غير انّا .. لم تزل في نفوسنا امنية

في يدينا بقية من بلاد .. فاستريحوا كي لا تضيع البقية"

واليوم كيف نقرأها على ضوء ما ابتدأنا به من كلام؟

حين يصبح فعل الحل مشكلة تعيق الحلول، وحين يصبح حامل المفتاح هو الأزمة، ماذا ترانا فاعلين؟

لأكرر مع طوقان:

في يدينا بقية من بلاد .. فاستريحوا كي لا تضيع البقية"

تحملونا أن غضبنا، صعب في ظل هذا الدم ألا نغضب؟ صعب أن نزهد بدور الكلمة!

"ما بحلها غير صغارها"، هكذا كانت امهاتنا وجداتنا يعبرن عن وجهة نظرهن في النزاعات الاجتماعية، لسبب بسيط هو ان الكبار مسكونون بالعقد التاريخية.

شبابنا هناك وهنا، اتركوهم فسيحلون ما استعصى من نزاعات سياسية، لنستأنف طريق تحررنا، فعمر الاحتلال قصير إن أردنا.

"ومن لم يستخلص العبر اليوم فلن يفعل ذلك يوما"

لن يفعل..

أظنه كذلك لن يفعل..

أما نحن فسنفعل.

عيب ألا نفعل!

بقلم/ تحسين يقين