لا حل إلا بالدولة الواحدة لكل مواطنيها

بقلم: فراس ياغي

عاتبني صديقاً قائلا: أستغرب أن قلمك قد جف!!! وتحدث طويلا عما يجري من مؤامرات تحاك ضد القضية الفلسطينيه وضد القيادة الشرعيه وإنفتاح الكثير من الأعراب على التطبيع مع "إسرائيل"...شخصيا سُعدت بحديثه المنفتح والصريح معي وسُعدت أكثر من مواقفه الحريصه على القضية الوطنية ومركزها القدس التي لا بديل لها ولا عنها.
اليوم أجيب صديقي، واقول له: لم يجف قلمي ولن يجف، ولكن السؤال الذي طالما سألته: ما هو موقفنا نحن مما يجري؟ وماذا عسانا أن نفعل؟ هل نكتفي فقط بردّات الفعل والحكي على الميكروفونات؟!!! أكثر من مرة قلنا أن حل مشكلة غزة بإحتضانها وليس بمحاصرتها، فغزة حتى لو كانت حماس تُسيطر عليها بلا أدنى شرعيه إلا أنها ليست ملوّنه كلها بألوان حماس، ومئات الالآف التي تعيش هناك هي جزء أصيل ومركزي بل ومؤسس للثورة الفلسطينيه المعاصره، وجماهير غزة وطنيتها وحرصها على القضية الوطنية أكبر بكثير من أن يشكك بها أحد.
حين تُحاصر غزة في كل شيء، ماذا تتوقع منها؟!! ان ترضخ أو تستسلم، أعتقد أن كل من فكّر بهذه الطريقه له أهداف أخرى لأنه يعلم علم اليقين ان الشعب الفلسطيني ومهما كانت الظروف التي يعيشها لن يرفع الراية البيضاء ولن يستسلم بالمطلق، فخياراته واحده ووحيده وهي الصمود والتحدي والمواجهة لإثبات القدرة الفلسطينيه المتمثله بالإرادة التي لا تلين ولا تَكِلْ ومهما كان حجم التضحيات.
مشكلة الشعب الفلسطيني في قياداته وهذه مسأله تاريخيه ودائما كان هذا الشعب المُضحي يسبق كل القيادات ويتجاوزها وفي محطات مُتعددة من تاريخه، أما المؤامرات فهي لم تتوقف منذ ما قبل إعلان "بلفور" وحتى الآن، وكلها دُفنت والقادم سيدفن، ليس بسبب الرفض "الميكروفوني" ولا لأن هذا الفصيل أو ذاك قال "لا" كبيره، بل لأن الشعب الفلسطيني لا يمكن أن يقبل بإنهاء الذات والتحول إلى شعب غير موجود أو شعب مُدَجّن وفقا للخطط التي تُحاك وتُمارس ضده، فلا سلام إقتصادي بدون وطن، ولا أعراب ومهما كانت مِلّتهم "ألسايكسبيكيه" بقادرة على اجتراء ما تم تجريبه وفشل، وقرار "ترامب" بنقل السفاره أو ما يُدعى ب "صفقة القرن" لن تستطيع أن تُثني هذا الشعب عن حقه في الدولة والعودة.
أعلم ان الواقع الموضوعي صعب وغير مُبشّر، وأن الظرف الذاتي أصعب من اي وقتٍ مضى، ولكن مشاهد الآلآف على حدود غزة المُصطنعه تؤكد أن هذه البقعة الجغرافيه لن تكون إلا دولة واحدة لكل مواطنيها، الديمغرافيا والجغرافيا هي صاحبة الفصل والكلمة النهائيه، وكل سياسي واقعي ومفكر ومحلل ومثقف يعلم أن لا بديل عن مفهوم الدولة الواحدة وأن مفهوم الدولتين ليس سوى محاولة من اليسار الإسرائيلي المدعوم من الغرب وبالذات أوروبا لخلق الهوية الإسرائيليه إلى جانب الهوية الفلسطينيه المتأصله والمُتَجذّره واقعيا وتاريخيا، والمحاولات التي تجري الآن "ترامبياً" وبدعم من بعض أعراب جزيرة العرب تأتي في سياق إصطياد الفرصه القائمه وإنقاذ "إسرائيل" من واقعها وجعلها دولة شرعيه إقليميا وتحويل البوصله بإتجاه خلق صراع وهمي وكأننا في عهد "الفرس" و "الروم"، و"المناذره" و "الغساسنه".
القضيه الفلسطينيه مرتبطه بشكل مطلق بقضيتان مركزيتان، حق العودة والقدس، وهنا تكمن مشكلة كل من يحاول أو يُفكر أو يتآمر على الشعب الفلسطيني أو يحاول إخضاعه، وهاتان القضيتان لا حَلّ لهما سوى بالدولة الواحدة لكل المواطنين وعلى اساس المساواة الكامله بين الجميع، وأي حل آخر ليس سوى مُسكنات لإستمرار إدارة الصراع حتى حين.
وأقول لصديقي: ليس بالغضب يمكن فهم الحالة، ولا بالحديث عن هذه الدولة أو تلك أو هذا القائد أو ذاك يُمكن نفض الغبار عما يعترينا من قصور ذاتي تتحمل مسؤوليته القيادة الفلسطينيه ومن كافة الأحزاب والحركات، فمشروع "أوسلو" أفشلته القيادة اليمينية الإسرائيليه والرهانات الفلسطينيه السرياليه، وإمارة "حماس" في غزة جلبت علينا الدمار الذاتي وأثبتت محدودية التفكير الإخواني في السياسه، أما مفهوم الدولتين فما هو إلا شعار لإبقاء الحالة ضمن السيطره، وحتى نصل إلى مغهوم الدولة الواحدة سيستمر الصراع وستراق الكثير من الدماء، إلى أن يأتي "ديكليرك" أسرائيلي، أو يكون هناك موقف دولي حازم وقاطع وواضح ضد الإحتلال والتمييز العنصري أو تتبدل موازين القوى، ولكي نُبقي على ذاتنا ونستمر في الصمود والتحدي فلا بُدّ من بناء مؤسسة فلسطينيه أساسها صندوق الإقتراع يستطيع من خلاله الشعب الفلسطيني ممارسة حقه الطبيعي في إختيار مُمثليه بحرية بعيداً عن المحاصصة المقيته ودفنا للإنقسام المقيت الذي اضرّ القضية الوطنية ولا يزال.


بقلم: فراس ياغي