قرأت بإمعان مقالة الدكتور أحمد يوسف أحد قيادات حركة حماس ... بعنوان( مع الحركة الاسلامية تجربة حياة) ... وقد حاول الكاتب ان يسرد قصة حياته الشخصية والتنظيمية وحتى انتماءه لحركة الاخوان المسلمين .. وما حاول تبسيطه وتبهيته حول مرحلة الناصرية والقومية ... وعدم تجذرها بالفكر السياسي للشباب العربي ... وهذا على عكس الحقيقة والواقع .....وانا أحد أجيال هذه المرحلة من الناصرية والقومية .... واعرف مفاصل الحياة السياسية ... وكيف كانت تدار الحالة العامة ... وما كان عليه القطاع والذي لم يعطيه الدكتور أحمد يوسف حقه الكامل في تصوير المشهد ... وتفاصيل حياة الناس في ظل الادارة المصرية ... والتي نعتبرها نحن سكان القطاع أيام الزمن الجميل..... وعلى كافة المستويات ... باستثناء من كان انتماءهم للاخوان المسلمين وأذكر على سبيل المثال وليس الحصر الدكتور ابراهيم اليازوري بحكم المعرفة المسبقة وغيره العشرات .
بكل الاحوال لا اريد التعقيب تفصيلا حول فحوى المقال باعتبار انها استخلاصات تجربة شخصية..... لها ميزانها الخاص ... كما لها ابعادها ومؤثراتها والهدف منها ... لكنني بحكم قراءتي للمقال وحيث ان الدكتور أحمد يوسف قد كتب هذه المقالة ليقوم بقراءتها عامة الناس ... والمتخصصين ... وابداء الرأي حولها ... باعتبارها ملكا عاما .....قابلا للنقاس .....وابداء الرأي ... وانا هنا ابدي الرأي حول ما خلص اليه الدكتور أحمد يوسف :-
اولا :- تحدث ان أي حركة اسلامية بلا مراجعات وتقييم لمساراتها الحركية والدعوية والنضالية ... فأن مألها التراجع وتكريس الاخطاء ... واعادة انتاج الفشل..... كما يقول الدكتور أحمد يوسف وهنا اؤكد على ما قال .. واضيف ان تطور الحركات الاسلامية ما بعد الثورة الايرانية قد اصابها التكلس وتعقيد المشهد.... وزيادة مقدار الخسارة ... واضاعة الكثير من ملامح الصورة التي كانت قائمة عند البعض القليل حول الحركات الاسلامية ...... في ظل تعدد التيارات والجماعات ....والتي اخذ البعض منها طريق العنف والارهاب ....والذي احرج كثيرا الحركات الاسلامية
ثانيا :- يقول الدكتور يوسف حول ضرورة الاقرار بأن التعايش والانسجام بين المشاعر والحسابات الوطنية عامل مهم لاستقرار النسيج الاجتماعي .....والحفاظ على تماسكه .....حسب قوله ....وهنا أخطأت الحركات الاسلامية في خلق مثل هذه الحالة الوحدوية مما أبعد الكثيرين عنها ... ولاسباب عديدة لها علاقة بتعدد التيارات والاجتهادات والمنطلقات ... وليس بما تمتلك من قوة مادية اقتصادية ......او ألة اعلامية او حتى قدرات عسكرية ... فالقوة المطلوبة تتطلب مقومات أخرى تفتقدها تلك الحركات منذ زمن وحتى الان .
ثالثا :- التدرج بالعمل السياسي وترتيب الاولويات وعدم استباق الخطوات..... بهذا الجانب لم تمكن الحركات الاسلامية من امتلاك قدرة العمل السياسي والدبلوماسي القادر على التأثير ... وبناء العلاقات الداخلية والخارجية ... بما يتلائم والاولويات الوطنية والقومية..... مما أحدث التناقض ... والى حد الصراع .. وسهولة الخسارة والتراجع .
رابعا :- الوعي بأن السياسة تتطلب المرونة في الاخذ والعطاء ومد اليد باتجاه الاخرين .....حسب رأي الدكتور أحمد يوسف ... تفتقدها الحركات الاسلامية .... بل عدم امتلاكها للوعي والمرونة قد أخذها الى مربعات التطرف والانعزال..... والى حد التهميش على طريق الاندثار ... في بعض المجتمعات .
خامسا :- وبحسب رأي الدكتور أحمد يوسف أن الايمان بالتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة عبر الانتخابات ... والابتعاد عن منطق صوت واحد ... ولمرة واحدة..... وللابد !!!! حسب قوله ففي هذه النقطة الحركات الاسلامية لا تؤمن بالتعددية الا اسما ... ولا تؤمن بتداول السلطة بامعان .....وتحكم وسيطرة..... وتشارك بالعمليات الانتخابية على ارضية ايمانية دينية اقتصادية تدغدغ عواطف الفقراء ......وتتلاعب بعقول البسطاء ... وتحاول الاستثمار السياسي ..... والازمات الاقتصادية .... والادارية .... وتريد ان تتحكم بعقول الحكماء ....وهذا لم يعد متاحا ومقبولا .
سادسا :- تحدث الدكتور أحمد يوسف حول أهمية الشراكة السياسية ضمن توافقات وطنية وقواسم مشتركة..... والحذر من خطورة اساليب التفرد والاقصاء والتهميش ... كلام جميل .....لكنه غير قابل للتحقق..... في ظل تضارب البرامج واختلاف الاهداف وحالة الصراع والخلاف حول الوسائل والاليات والمصالح المتحكمة بالمواقف..... وما يمكن ان يكون مسموحا بمرحلة وغير مسموح بمرحلة أخرى...... جعل الحركات الاسلامية في حالة تضارب وعدم يقين مما أفقدها الكثير من مصداقيتها .
سابعا :- تحدث عن الازدهار الاقتصادي والعيش بكرامة هو الطريق لكسب القلوب .. وتثبيت الفكرة ... واستمرار العمل والتفاني من أجلها ......مستشهدا بالنموذجين التركي والماليزي كما يقول الدكتور أحمد يوسف .
لا شك ان الازدهار الاقتصادي والعيش بكرامة حق أصيل انساني ووطني وغير مرتبط بفكر سياسي او ايدلوجي محدد ... لكن تجربة الخركات الاسلامية قد زادت الشعوب فقرا .....كما بالعديد من الدول وان كانت قد عملت على احداث طفرة اقتصادية كالنموذجين التركي والماليزي .....والذين لم يحققوا الازدهار الاقتصادي بفعل حكم الاخوان..... بقدر ما كان نتيجة طبيعية لتفاعل قوى المجتمع الاقتصادية والعلمية والادارية..... والتي اوجدت قاعدة صناعية .....وفتحت افاق تجارة خارجية ولدت عائدات مالية وازدهار اقتصادي متراكم عبر عقود ....مما زاد من معدل راس المال الانتاجي ....ومعدل دورانه .
ثامنا :- يقول الدكتور أحمد يوسف حول ضرورة الفصل ما بين الدعوي والسياسي ... السياسي والعسكري ... وكما قال (صاحب بالين كذاب )
وهنا اقول ان الدعوي من اختصاص الجهة الدينية الشرعية ذات الاختصاص بالخطاب الديني.... وليس بالدعوي من خلال حركة سياسية تعمل على دمج الدعوي بالسياسي .
ثانيا الحركة السياسية داخل أي مجتمع سواء اسلامية او غير اسلامية..... ليست حكومة ... ولا تمثل نظام دولة .....ولا تشكل جيش ... ولا تبني علاقات ثنائية مع دول خارجية فأي نظام سياسي يتعامل مع الحركات والاحزاب وفق قانون واضح ومعلوم وهنا فالفصل واجب ... ان لم نقل بالاساس ان هناك جهود ضائعة ... وامكانيات مهدورة .....لا تعود على الحركة الاسلامية بأي عائد انتخابي او حتى قاعدة جماهيرية .
تاسعا :- يقول الدكتور أحمد يوسف ان الاختلاف بوجهات النظر من سنن الكون ... وليعذر بعضنا البعض كما يقول .
وهذا صحيح ... فالمجتمع فيه من الافكار والايدلوجيات والاجتهادات والتباينات .....حتى داخل الفكر الواحد ... والتي تجعل من الفكرة أكثر نضوجا وصلابة وتماسك .
عاشرا :- حسب قول الدكتور أحمد يوسف ان القيادة التي لا تقبل النقد والمراجعة ... ديكتاتورية مستبدة بعباءة اسلامية .
وهذا صحيح...... وقائم بالعديد من الحركات والمجتمعات ... والمفهوم الديمقراطي ملزم لكافة الحركات العلمانية والاسلامية ولا يحق لأحد الخروج عن أسس ومفاهيم العمل الديمقراطي .
لقد سررت بما قرأت..... وتأكدت من مدى قناعاتي حول الحركات الاسلامية ... كما تأكدت من مدى عمق الاستخلاصات الواعية التي استخلصتها حول تلك الحركات ... والتي اشار الى البعض منها الدكتور أحمد يوسف .
لدي الكثير من التخفظات على بعض مقتطفات السرد التاريخي لانني شاهد على العصر...... وليس شاهد على العصر كبرنامج أحمد منصور الاخواني بامتياز ... لكني شاهد على العصر بحكم العمر والعلم والوجود على هذه الارض .
واعذر الكاتب الدكتور أحمد يوسف..... باعتباره ذات ميول وعقيدة وانتماء اخواني..... وتنقل ما بين دولة واخرى وجاء للوطن في مرحلة دقيقة ... كانت الاخطاء فيها أكبر من التحليل والحسابات والتقديرات..... التي لم تتمكن من معالجة الاخطاء وحتى الخطايا ... لكنني من المشجعين والدافعين على الدوام بخلق حالة حوار فكري ثقافي سياسي مجتمعي..... ما بين النخب الفكرية والاعلامية والسياسية لما فيه فائدة كبرى ... نتمنى على السياسيين والقادة ان يأخذوا بما يكتب ... وبما يتم التوصية حوله حول قضايا عديدة .
مسألة اخرى..... يجب التطرق لها في هذا السياق حول مفهوم المعارضة السياسية.....
وهل نحن بحق نمتلك مثل هذه المعارضة ؟!!!
الجواب ....سيختلف ما بين شخص وأخر .. لكن بمعظم الاحوال وبأغلبية الآراء..... فأننا نفتقد للمعارضة السياسية الجادة والموضوعية والملتزمة ... والمحكومة بأولويات العمل الوطني الديمقراطي ....والمصالح الوطنية العليا .
الرئيس محمود عباس وبحمد الله بألف خير ... وبصحة جيدة وهو على طريق السلامة التامة..... بحسب الاطباء وليس بحسب السياسيين والاعلاميين والمحللين المعارضين والمؤيدين ... وما استمعنا اليه الكثير..... والذي لا يدلل على حرص ووعي بأن النظام السياسي الفلسطيني ما بعد المجلس الوطني والمركزي وانتخاب اللجنة التنفيذية..... قد اصبح بمربع الامان السياسي والقانوني والدستوري..... ولا خوف ولا تردد ولا انهيار....
بأذنه تعالى والسلامة التامة للرئيس محمود عباس والعودة والمراجعة واتخاذ ما يلزم من قرارات تعدل الميزان ..... وتسكت الاصوات .... وتجعل من الطامعين غير المؤهلين بجيوب أنفسهم .
الكاتب : وفيق زنداح