لا بُدّ من تقديم الشكر للرئيس الاميركي دونالد ترامب على اعترافه بالقدس عاصمة لدولة اسرائيل، وكذلك لانسحابه من الاتفاق النووي الدولي مع ايران، وللعديد من القرارات التي اتخذها سابقاً أو قد يتخذها في الأشهر القادمة.
والشكر له لا يأتي لأن قراراته صائبة وصحيحة ومنطقية، ولكن لأنه كشف عن وجه "اميركا" الحقيقي تجاه العرب بشكل عام، والقضية الفلسطينية بشكل خاص.. وأيضاً تجاه التزام "اميركا" بالاتفاقيات التي توقع عليها، إذ أن الرئيس ترامب "لحس" و"شطب" ما وقعت عليه اميركا في عدة اتفاقات في عهد ادارة الرئيس السابق "اوباما"، حتى ولو كانت مع حلفاء لها مثل الدول الاوروبية.
أعادت قراراته القضية الفلسطينية الى الواجهة، وخاصة موضوع "القدس"، فاعتبر العالم هذا القرار خارجاً عن قرارات ومواثيق الشرعية الدولية، كما أنه كشف حقيقة موقف بعض الدول العربية تجاه القدس، إذ أن هذه الدول، ونعني بها قادتها المرتمين بأحضان "اميركا"، تنازل زعماؤها عنها فعليا، ويؤيدون الموقف الاميركي الداعم الأعمى للمطالب والرغبات الاسرائيلية.
ونصدق الآن، بعد أن كنا لا نصدق في السابق لأننا كنا مخدوعين الى حد ما، ما نقله الينا وفد فلسطيني زار الخليج قبل سنوات، والتقى بأحد الأمراء، وابلغ الوفد الامير أن القدس في خطر، والأقصى في خطر، وانه عرضة للهدم، فرد الامير على أعضاء الوفد قائلاً: "اذا هدموه، فاننا سنبنيه مجدداً وبشكل أجمل وأروع".
وكذلك نشكر الرئيس ترامب لأنه وحّد الفلسطينيين في الميدان، وفي الوقوف في وجه المؤامرة التي تستهدف القضية الفلسطينية، فكل الفصائل ضد قرارات ترامب، وضد صفقته التي يتحدث عنها كثيرون، قبل أن يكشف أو يعلن عن بنودها بصورة رسمية وجدية حتى الآن.
مواقف ترامب المؤيدة لاسرائيل في اخراج قضيتي القدس وحق العودة عن طاولة المفاوضات جعلت الشعب الفلسطيني يتحرك ليقاوم سلمياً هذه المواقف من خلال "مسيرات العودة" التي تحرج اسرائيل الى حد كبير، وتضعها في مأزق سياسي كبير من خلال قيام قواتها في استخدام القوة بصورة مفرطة في مواجهة هذا النضال السلمي الذي يلقى، وخاصة في قطاع غزة، دعماً وتفاعلاً شعبياً واسع النطاق.
والشكر لترامب لأنه يكشف عن انه "أداة" طيّعة في يد اللوبي الصهيوني في اميركا، ولأن اميركا بدأت تخسر المزيد من النفوذ والمصداقية في العالم.. وفقدت سيطرتها على العالم لأنها ليست الدولة العظمى الوحيدة في العالم، وليست القطب الوحيد أيضاً، إذ ظهرت دول عظمى عديدة تستطيع منافسة وتحدي السياسة الاميركية في كل مكان من العالم.
وشكراً لترامب لأنه "يدلل" اسرائيل الى حد كبير، هذا "الدلال" أدى الى كشف نوايا قادتها الذين لا يريدون "سلاماً" ولا "استقراراً"، بل يريدون ان يحكموا العالم وخاصة العالم العربي عبر الدعم الاميركي اللامحدود.. هذا "الدلال" أدى الى تطاول حكومة اسرائيل على قرارات الشرعية الدولية، وأدى الى استياء شعوب العالم مما تقوم به وتمارسه من اجراءات قمعية ضد شعبنا الفلسطيني.
يقول المثل "رب ضارة نافعة"، وهذا المثل ينطبق على الرئيس ترامب إذ أن قراراته وتصرفاته وتصريحاته الضّارة كانت "نافعة" لقضيتنا.. ولكن المطلوب من قادتنا، وكذلك قادة العالم، ان يقفوا موقفاً موحداً ازاء سياسة اميركية تعرض الامن والسلم الدوليين للخطر. وعلى الشعب الاميركي ان يستيقظ من سباته، ويدرك أن دعم "الظالم" في العالم ليست لصالحه، بل هو انتهاك كبير وحاد للقيم والاخلاق الرفيعة التي تنص عليها وتحاول صونها الأنظمة والقوانين الاميركية!
بقلم/ جاك خزمو