تحضرني الذكرى السنوية لابطال عملية القدس البحرية لأبطال جبهة التحرير الفلسطينية التي فرضت قواعد اشتباك جديدة عندما انطلقت عام 1990 من سواحل ليبيا الى اشدود للرد على جرائم وإرهاب الاحتلال، وجهت من خلالها رسائل واضحة بأن كل اعتداء على شعبنا سيقابل بالرد الحاسم، حيث كسرت هذه العملية البطولية عنجهية العدو وتفوقه العسكري والتكنولوجي واكدت على التكامل بين أشكال النضال والمقاومة وعلى حالة الانسجام والموائمة الواعية بين النضال المسلح والنضال الجماهيري.
من هذا الموقع احتلت جبهة التحرير الفلسطينية اسمها النضالي منذ ديشوم مرؤورا بالخالصة وام العقارب والزيب ونهاريا وبيسان وبرختا والطيران الشراعي والمنطاد الهوائي واكيلي لاورو والقدس الاستشهادية وغيرها من العمليات ، في ساحة النضال الأرحب ضد الإحتلال والظلم والإضطهاد، وفي عالم الصمود والكفاح، فتاريخها النضالي ومسيرتها المظفرة، هي بحاجة لمن يوثقها ، ونحن اليوم نقف امام الذكرى الثامنة والعشرون لتنفيذ عملية القدس البحرية و التي أشرف شخصيا على التخطيط والتنفيذ لها القائد الشهيد ابو العباس الأمين العام لجبهة التحرير الفلسطينية، هذه العملية التي حملت مجموعاتها اسماء قادة وثوار من حركات التحرر العربية ومن قادة الثورة الفلسطينية وفي مقدمتهم ابو جهاد الوزير وطلعت يعقوب وسعيد اليوسف ، من هنا اقول ان جبهة صنعت من خلال عملياتها تاريخها وسيرة حياة شهدائها وأبطالها، فهي عظيمة، ويجب العمل من أجل حمايتها وصون عظمتها.
ومع ذلك أكتب عن عملية القدس البحرية، لانها شكلت مفخرة لكل فلسطيني، ونحن نسجل بهذه المناسبة بالغ تقديرنا لابطال عملية القدس البحرية من شهداء واسرى محررين ، التي شكلت ثمرة جهد وطني بعد اعداد واشراف من قبل الشهيد القائد الامين العام ابو العباس ورفيق دربه القائد العسكري ابو العز استغرق فترة طويلة ، وتم تحديد التنفيذ والتوقيت استجابة لدموع الامهات وصرخات الاطفال وآلالم الجرحى والاسرى والمعتقلين ، وردا على مجزرة عين قارة التي ارتكبتها العصابات الصهيونية بحق العمال ، وثأرا لدماء الضحايا ، واستمرارا لخطى امير الشهداء الشهيد الرمز ابو جهاد الوزير ، حيث لقن ابطال الجبهة العدو درسا فريدا من دروس المنازلة على الساحل الفلسطيني ، ورسمت عملية القدس معالم مرحلة نضالية جديدة من مراحل الكفاح ضد العدو الصهيوني على طريق تحرير الارض والانسان وتحقيق الحرية للشعب الفلسطيني.
ان عملية الاختراق كما اراد الشهيد القائد ابو العباس تسميتها كان هدفها اختراق المؤسسة العسكرية المتبجحة بغرورها الأمني و عظمة قوتها العسكرية كما تدعي ، حيث نجح ابطال جبهة التحرير الفلسطينية من تحقيق حق العودة على طريقتهم الخاصة باستشهاد بعض المناضلين على ارض فلسطين واسر الابطال الاخرين، وكان أغلبية ابطال العملية هم من فلسطيني الشتات حيث ضمت المجموعات مناضلين فلسطينيين من العراق و لبنان و سوريا و الأردن و مقاتلين من داخل فلسطين بالإضافة إلى مقاتلين من جنسيات عربية، وحملت العملية اسماء على زوارقها السريعة حطين والقسطل وبورسعيد، واطلق على مجموعاتها صلاح الدين الايوبي ، وعبد القادر الحسيني ، وسليمان الخاطر ، وعدنان خيرالله ، وعمر المختار ، ويوسف العظمة.
ونحن اليوم نقف امام ذكرى مجيدة سطرها ابطال جبهة التحرير الفلسطينية نتوجه بتحية اجلال واكبار لشهداء العملية واسراها المناضلين وللقائدين الشهيدين الامين العام ابو العباس ورفيق دربه ابو العز ولكل المناضلين الذين عايشوا هذه التجربة من مدربين ومشرفين ، ولنؤكد لهم ان هذه العملية شكلت علامة بارزة من علامات النضال الواضح ، كما اعطت اسلوبا مبدعا لتحقيق متطلبات دعم الانتفاضة الاولى الباسلة.
نعم لقد قاتل ابطال عملية القدس البحرية على تراب الوطن فلسطين كما ينبغي ان يكون قتال الرجال واستشهد بعضهم ليمنحوا الشهادة قداستها وقاتل رفاقهم الاخرين حتى الطلقة الاخيرة ليجددوا عهد فلسطين القتال حتى النصر والشهادة.
وعلى هذه الارضية شكل الثلاثين من ايار يوما زلزل اركان الاحتلال ومؤسساته المختلفة وعلى كافة مستوياتها ، وهو يوم ليس ككل الايام في قاموس النضال الوطني الفلسطيني ، وقاموس المقاومة ، ولهذا نؤكد بان جبهة التحرير الفلسطينية التي صقلت التجربة مناضليها وقيادتها شكلت رافعة أساسية هامة للنضال الوطني الفلسطيني ، ضمن اطار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ، واستطاعت بتميزها الفكري والسياسي والعسكري أن تسطر لنفسها ولشعبها وقضاياه العادلة تاريخاً مشرقاً ، حافلاً بالعطاء المتميز والمواقف البطولية والعمليات البطولية النوعية.
ونحن اليوم نفخر بابطال عملية القدس البحرية وبكافة ابطال العمليات البطولية لجبهة التحرير الفلسطينية ، هذه الجبهة التي قدمت خلال مسيرتها العريقة الاف من الشهداء والجرحى والاسرى ، وفي مقدمتهم الشهداء القادة الامناء العامين فارس فلسطين ابو العباس وطلعت يعقوب وابو احمد حلب والقادة سعيد اليوسف وحفظي قاسم وابو العمرين وابو العز ومروان باكير وجهاد حمو وابو عيسى حجير وابو كفاح فهد وجهاد منصور ، ولم تتخاذل او تتنازل ، بل كانت السباقة دوما في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني وعن منظمة التحرير الفلسطينية ، وهي اليوم تلعب الدور الكفاحي والنضالي على ارض الوطن كما تلعب دورا رئيسيا في تعزيز الوحدة الوطنية والحفاظ على منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني .
امام كل ذلك نرى أن طريق شعبنا ما زال وعراً وقاسياً وبحاجة لمزيد من التضحيات، مجدداً تأكيده على مواصلة مسيرات العودة وأنه لا يمكن المساومة على دماء الشهداء، وما مسيرات العودة الا دليلا على ان صورة فلسطين تنتصر على العدوان والإجرام الصهيوني، من خلال صمود أهلها وبتضحيات الشهداء وإبداعات الشباب الثائر، حيث جعلت انتفاضة شعبنا العالم يتحرك وينتصر لقضيته العادلة من مسيرات وفعاليات ومواقف جريئة في فنزويلا وجنوب افريقيا وبلجيكا والكثير من بلدان العالم، وجعلت قضية فلسطين على جدول أعمال العالم، كما أنها أربكت حسابات العدو الصهيوني وشكلت عامل استنزاف دائم له، ووجهت ضربة قاصمة لكل المشاريع المشبوهة التي تستهدف قضيتنا وعلى رأسها صفقة ترامب.
ان تزامن ذكرى عملية القدس مع الهبة الشعبية و مسيرات العودة تستدعي اليوم من الجميع تطبيق قرارات المجلس الوطني الفلسطيني لتشكل رافعة أساسية للنضال الوطني الفلسطيني، ضمن اطار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
أن جبهة التحرير الفلسطينية الذي شكل تاريخها النضالي فخر كبير لكل المناضلين ـ حيث زرع مناضليها بدمائهم في كل شارع ومنحنى وهضبة ومنخفض ومرتفع وشجرة زيتون وحجر ورابية شهيد من شهدائها الابطال في مقاومة الاحتلال الصهيوني والتصدي له بكل الوسائل المتاحة برا وجوا وبحرا حيث كتبت امجاد هذه الامة بارادة صلبة وايمان لا يتزعزع بتحرير الارض والانسان.
وامام هذا الدور العظيم لجبهة التحرير الفلسطينية جاء اعتقال واغتيال الشهيد القائد الامين العام ابو العباس في معتقلات الاحتلال الامريكي في العراق بعد تصفيته من قبل اجهزة الصهيو امريكي لتشكل ضربة موجعة للجبهة ، ولكن رغم ذلك استطاعت الجبهة ان تنهض باوضاعها وان تعيد الاعتبار لمشروعها النضالي من خلال كتائب الشهيد ابو العباس وهي اليوم لا زالت تمتلك الإمكانيات والقدرات على الاستمرار بدورها والتمسك بنهج الشهيد القائد ابو العباس وكل رفاقه القادة والمناضلين.
ختاما : نؤكد ان تاريخ جبهة التحرير الفلسطينية تاريخ ساطع وإرث عريق حمل في ثناياه تجارب عميقة يجب الحفاظ عليها ودعمها ومساندتها بما يخدم المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني وقضاياه العادلة من خلال تعزيز الوحدة الوطنية ورسم إستراتيجية وطنية لمواجهة ما يحاك اليوم من مؤامرات لتصفية القضية الفلسطينية، واجتراح وسائل إبداعية جديدة لمواجهة الاحتلال، رغم الحصار والعدوان والصمت الدولي، باعتبار ذلك أبلغ رد شعبي جامع على محاولات الإدارة الأمريكية، ومن ورائها بعض الأنظمة العربية، لتمرير (صفقة القرن)، والتي تستهدف بالدرجة الأساسية حقوق وثوابت الشعب الفلسطيني.
بقلم / عباس الجمعة
كاتب سياسي