الشهيدة ذات الرداء الأبيض

بقلم: جبريل عودة

تدخل مسيرة العودة الكبرى وكسر الحصار , الشهر الثالث ولازالت بذات الزخم والعنفوان الشعبي , ويحافظ الحضور الجماهيري على مستويات التحدي والتمسك بأهداف المسيرة , ويظهر الإصرار على التواجد من فئات متنوعة – نساء , أطفال , كبار السن - بالرغم من رصاص الإحتلال وغازه الخانق , وكأنها رسالة الصمود الفلسطيني في وجه آلة القمع الإحتلالية , الجمعة العاشرة كانت إسثنائية سواء كان ذلك شعارها " من غزة إلى حيفا وحدة الدم ومصير مشترك " , أو بإرتقاء الشهيدة المسعفة رزان النجار برصاص قنص صهيوني شرق خان يونس .

كان شعار المسيرة في جمعتها العاشرة " من غزة إلى حيفا " , بمثابة خارطة الحق الفلسطيني , فالوطن واحد , على إمتداد جغرافيته المخضبة بدماء الشهداء , يفضح التزوير الصهيوني ويطمس أوراق بلفور التي تحاول سرقة فلسطين منذ مائة عام , ويفشل قرارات ترامب التي تسعى لصبغ الأرض الفلسطينية بمداد الزيف الصهيوأمريكي , ومع صرخات المنتفضين في ميادين العودة تخرس كل الأفواه النتنة المستعربة بلسان أبا رغال , والتي تبرر لــ " كيان الإجرام والعدوان" , إحتلاله للأرض المباركة فلسطين وتدنيسه للمسجد الأقصى المبارك , ويعلو صوت الحقيقة الأبدية مع دفقات الدم الحر من شرايين الثوار , ليكتب القول الفصل أن فلسطين للفلسطينيين , لا تقبل التجزئة ولا القسمة , ولا تخضع لأهواء صبية السياسة أو مقامرات اللاعبين على الجراحات الفلسطينية في بازارات الخيانة الدولية , فلن تستطيع صفقة الشيطان الامريكي أن تغير التاريخ أو تشوه وجه فلسطين النقي , وقد كتب شعبنا بالدم الفصل الأول من كتاب هزيمة صفقة القرن , عبر تضحيات مسيرات العودة وإصرار أجيالنا الفلسطينية على التمسك بالحقوق والثوابت الوطنية .

من غزة إلى حيفا , شعب واحد يسرى في عروقه الدم الفلسطيني , رغم لقاح الأسرلة الذي حقن فيه الجزء الأسير من الوطن منذ إحتلاله عام 1948 م , فكانت المناعة الوطنية أقوى وأقدر على رفض هذا الدخيل الخبيث , فهتفت الجماهير في حيفا ويافا غضباً للدم الفلسطيني النازف في غزة هاشم , وتعلن أن المصير مشترك , فما يسعى إليه الفلسطيني المحاصر في غزة من طلب الحرية والإستقلال , هو ما يتطلع له الفلسطيني في يافا وحيفا والرملة وبئر السبع , هذا هو الهدف الإستراتيجي لمسيرات العودة , والذي أعاد للقضية الفلسطينية إعتبارها كقضية تحرر وطني , حيث يسعى شعبنا الفلسطيني بحراكه الوطني الشعبي ومقاومته الباسلة المسلحة إلى الإنعتاق من الإحتلال البغيض.

يقف الإحتلال بكافة أذرعه السياسية والعسكرية والأمنية , عاجزاً أمام مسيرات العودة وإستمراريتها وتفاعل الجماهير الفلسطينية معها , والذي يمنحها حيوية وتطور , في كل يوم تحمل أفكار جديدة وإبداعية في حقل المقاومة الشعبية وأدواتها المتنوعة , لذا يحاول الإحتلال قمع هذه المسيرات بزيادة وتيرة إطلاق الرصاص المحرم دولياً , وإيقاع الخسائر والإصابات الصعبة في صفوف المشاركين من المدنيين , سعياً لتفريق الجماهير الفلسطينية وإبعادها عن فكرة مسيرات العودة وأهدافها الوطنية , لذا نرى أن الإحتلال يستهدف الفئات التي يرى فيها عاملاً مساعداً , في إستمرار هذه المسيرات على نفس الوتيرة من قوة الحشد الجماهيري , وحدث هذا في إستهداف الإحتلال المتعمد للإعلاميين والصحفيين , حيث إستشهد إثنين منهم هما ياسر مرتجى وأحمد أبو حسين , وإصابة العشرات من فرسان الصحافة برصاص الإحتلال , وكذلك إستهداف الطواقم الطبية وسيارات الإسعاف , وهذا ما حدث مراراً وتكراراً منذ إنطلاق مسيرات العودة وكسر الحصار .

وتأتي جريمة إعدام الشابة الفلسطينية ذات الرداء الأبيض المسعفة رزان النجار برصاص جندي صهيوني حاقد ، يشاهدها عبر منظار القتل المثبت على بندقيته ، ويراها بوضوح بهيئتها كمسعفة ، لا تشكل أي خطر عليه ، تقوم بواجبها بإسعاف الشبان الذين يتعرضون للإصابة بالرصاص أو الإختناق من الغاز ، فلماذا قتلها ؟ ببسطة لأنها فلسطينية , تقف في ميدان إشهار الحق الفلسطيني ، في وجه الباطل الصهيوني الأسود ، حتى لو كانت مشاركتها تحت مظلة الحماية الدولية للطواقم الطبية ، فالبلطجة الصهيونية تضرب بسيف أمريكا كل القوانين والمواثيق والأعراف.

الشهيدة رزان النجار , نموذجاً للشباب الفلسطيني , الذي ينتمي للقضية وينخرط في المهمات الوطنية , دونما دعوى من أحد , أو إنتظار جائزة من هنا أو هناك , هذه النماذج الفلسطينية الحية من المشاركين في مسيرات العودة , لم يحركها إلا نداء فلسطين والعودة , فلم يتأخروا وإصطفوا في طوابير العزة , وقدموا أروع آيات البذل والتضحية , وهل أعظم تضحية ممن يقدم روحه في سبيل الغايات الكبرى , هكذا هي الشهيدة رزان وكافة شهداء مسيرة العودة , يعرفون جيداً ما يفعلون ولديهم درجة من الوعي الإيماني والوطني ما يجعلهم يستطيبون التضحية بالنفس بكامل الرضى والإقدام , تضحيات شهداء مسيرة العودة وكسر الحصار عظيمة وجليلة , لن نسمح أن تضيع أو تُسلب بعيداً عن تحقيق الأهداف الوطنية التي إرتقى الشهداء على طريق تحقيقها مهما عظمت التضحيات .

بقلم/ جبريل عوده