يسطر اليوم الشعب الفلسطيني ملحمة أسطورية يجسده من خلال أعلى درجات الشجاعة وبذل الدماء في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، حيث حملت مؤشراً صارخاً على خيارات الشعب الفلسطيني في مواجهة الهجمة الأميركية والتخاذل العربي والبطش الإسرائيلي،حيث شكل استشهاد الشهيدة المِقدامة رازن الفكرة منذ البداية، رحلت متقدمة الصفوف، أتعبها الغاز السام مراتٍ ومرات، وما تعبت ، لذلك اليوم رفعت براية استشهادها للعالم رفض الشعب الفلسطيني كل المحاولات التي تنال من حقوقه الوطنية او التخلي عن خياراته ومواقفه وثوابته، كما اكدت مسيرات العودة للعالم انها قادرة على ابتداع كل اشكال النضال مهما بلغت من الدماء والتضحية، في مواجهة أي مخطط يستهدف تصفية القضية الفلسطينية.
نعم رازن تغادرنا ولكن ستبقى مثار فخر لشعبنا لأن ما قدمته من إصرار وعزيمة على تلبية نداء الواجب وحضورها الدائم بمخيمات العودة وعلى خط المواجهة الأول وفي ساحات الاشتباك مع المحتل، اكدت بشجاعتها المنقطعة النظير وعلى مدار الساعة الخطر الشديد من أجل إنقاذ جرحى المسيرة، فارتقت شهيدة لتنضم إلى قوافل الشهداء الذين رووا بدمائهم ثرى ارض فلسطين حيث جسدت عظمة وشجاعة المرأة الفلسطينية وتقدمها الصفوف، كما اكدت أن الشعب الذي تتقدم به المرأة الفلسطينية النضال وساحات المواجهة لا يمكن أن يهزم أبداً.
امام هذه الاوضاع أكد الشعب الفلسطيني، بما لا لبس فيه، أنه يقف بالمرصاد لمخطط "صفقة القرن"، التي يشكل نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وقبلها الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال ، محطة تمهيدية في سياق تنفيذها على أرض الواقع، وما يضفي مزيداً من الأهمية على موقف الشعب الفلسطيني الذي يتصدى في غزة والضفة والقدس اصراره على المضيّ في مواصلة مسيرة النضال من خلال الدماء التي ارتوت بها أرض فلسطين ، حيث كشفت بوضوح أن منسوب الأمل بالتحرير لا يزال حياً في النفوس، بل رغم الأسوار والجدر المفروضة التي تطوق قطاع غزة والضفة من جميع الجهات، فإن اليقين بالتحرير ما زال هو الحاكم والمحرك والمحفز، الأمر الذي يحاولون أن يقتلوه بمختلف وسائلهم الإعلامية والسياسية والنفسية، ولكن ينبغي تسجيل حقيقة أن التجاوب الشعبي الفلسطيني، شكل ردا حاسما من خلال الصدور العارية ودخان الدواليب المطاطية والحجارة وكل ماكان يقع تحت أيدي شباب فلسطين، حيث يحفزهم إيمانهم بحقوقهم المشروعة وإصرارهم على استعادتها.
من هنا نرى ان الهبّة الفلسطينية الشجاعة هي إعلاناً صريحاً وواضحاً، أمام العالم كلّه، بأنّ مؤامرة إنشاء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، منذ سبعين سنةً، لم تنجح في طمس الهوية الفلسطينية والعربية، بل بالعكس، فقد ازداد الفلسطينيون تمسّكاً بالأرض والوطن.
إن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، لن يعطي الاحتلال أيّ شرعية قانونية، كما أن الدور العدواني الإجرامي الذي تمارسه ادارة ترامب ضدّ الشعوب العربية وضدّ سورية بالذات لن ينقذها من أزمتها العميقة ، ولن يفيدها بشيءٍ، على المدى البعيد، فالشعب الفلسطينيّ، بما تمرّس به من شجاعة وأصالة وطنية وقومية، سيتابع نضاله المشترك مع الشعوب العربية من أجل إحياء روح المقاومة على امتداد الوطن العربي، وتحرير كلّ شبرٍ من الأراضي العربية المحتلة.
وعلى الرغم من الجرح الغائر في الجسد الفلسطيني، وهو من أكثر شعوب الأرض تعرضاً للاضطهاد والعذاب، لكن يتوالد كأشجار الدم في غابات الاحتلال الكاسرة، ولا يزال الشباب الفلسطيني يرفع اليوم راية التحدي التي أشعلها وهي قد تجاوزت حدود الإجهاض والاحتواء، والمسألة بحاجة إلى فعل مباشر تحكمه إرادة سياسية فاعلة يفرضها الإحساس بالمسؤولية الوطنية من خلال تطبيق قرارات المجلس الوطني الفلسطيني،
ونرى من الضرورة الملحة تصويب الأوضاع الفلسطينية التي تحتاج إلى تأمين الحماية السياسية للهبة الشعبية وتحويلها الى انتفاضة عارمة ، وبلورة استراتيجية وطنية حتى نستطيع تحقيق برنامج كفاحي وفتح الآفاق والآليات امامها من اجل استعادة الحقوق المشروعة وغير القابلة للتصرف مع الاحتفاظ بشخصية البطل الفلسطيني المقيم كالجرح في جسد أرضه، البطل الباحث عن الجذور ونهار الأرض وشمس الجرح المكبوتة تحت غيوم العصر الإمبريالية الصهيوني الوحشي، فماذا يعشق المسروق وهو في مواجهة يومية مع لصوصه، وماذا يعشق المقتول الحي وهو يومياً بين الموت ولا حياة في صراعه مع أعدائه، لذلك نقول انه سيبقى هذا البطل النموذج المتمرد على الزخم السياسي الذي يحاول النيل من ارادته.
ختاما : أن الوفاء لفارسة فلسطين رزان النجار يستدعي استمرار النضال والمقاومة استكمال رسالتها التي استشهدت من أجلها بالمضي قدماً في مسيرات العودة حتى تحقيق أهدافها بعد ان استعادة أدوات ووسائل النضال الفلسطيني والتي كان اخرها انطلاق سفينة كسر الحصار ، اضافة الى تمسك الشباب بالكوفية الفلسطينية وعلم فلسطين وأغاني الثورة الفلسطينية والشعارات القديمة للظهور في ساحات التظاهر ، وشكلت مسيرات العودة نقطة تحول في الإبداعات الشعبية وتركت للمنتفضين مساحة لا حدود لها من إبداع واختراع أدوات ووسائل النضال والمقاومة والتفنن في صياغة الشعارات والهتافات والمسميات، مما أدهش العالم .
بقلم/ عباس الجمعة