ما وقع في مخيم اليرموك خلال شهري آذار (مارس) وأيار (مايو) 2018 الماضيين، كارثة بكلِ ما للكلمةِ من معنى. فالدمار الهائل الذي لحقِ بمخيم اليرموك، بالأبنية، والدور، والمنازل، والمنشآت العامة، بما فيها مدارس وكالة الأونروا وعددها 28 مدرسة، ومنشآتها الخدمية ومستوصفاتها ومشافيها، وحتى المنشآت الخدمية الحكومية، دمار غير مسبوق على الإطلاق في تاريخ أي تجمعٍ أو مخيمٍ فلسطيني في الداخل والشتات، حيث أكثر من 80 في المئة من أبنية اليرموك الطابقية الحديثة، لم تَعُد صالحة للسكن، بل وتحتاج لتجريفٍ كامل.
نحن هنا لا نتحدث عن مخيمٍ وفق المفهوم الدارج الذي قد يتبادر للذهن مُباشرة، ولا نتحدث عن مناطق سكنية وأبنية تندرج تحت عنوان مناطق الأبنية العشوائية أو غير المُنظمة الموجودة في محيط مدينةِ دمشق، وحتى في بقعٍ داخلها، فجميع الأبنية في مخيم اليرموك ليست سوى أبنية طابقية حديثة، ومُنظمة، وبخرائط هندسية، ومُعتمدة من نقابة المهندسين ومن محافظة دمشق التي يتبع لها اليرموك باعتباره حياً من أحياء مدينة دمشق. بل وكانت أسعارها تضاهي أحياء كثيرة داخل مدينة دمشق.
نحن نتحدث هنا عن مخيم اليرموك، عن مدينة كاملة ومتكاملة بكلِ ما للكلمة معنى، لها بلديتها ومراكزها الخدمية التي تُضاهي في خدماتها ما تقدمُهُ أيِ بلديةٍ من بلدياتِ أحياءِ دمشق الراقية، ولها أسواقها العامرة التي كانت تَبِزُّ الأسواق التاريخية بمدينة دمشق من حيث حضورها، وحجم مبيعاتها، وجودة موجودتها، وبحجم الضرائب المالية المُغرية التي كانت تزوّد بها الخزينة العامة.
كما نتحدث عن حيٍ كبير من أحياء مدينة دمشق، إذ بلغ عدد سكان مخيم اليرموك قبل محنته الأخيرة نحو مليون وربع المليون مواطن، غالبيتهم من المواطنين السوريين، ومنهم فقط نحو 220 ألف لاجئ فلسطيني، غالبيتهم ممن يُعرفون بـ "فلسطينيي سورية"، أو الفلسطيني السوري. فالفلسطينيون يقيمون وسط اليرموك (لب المخيم)، حيث الغالبية الفلسطينية.
لقد تبعت عملية إخراج أعضاء التنظيمات المُسلحة المعارضة للدولة السورية، والموضوعة على قوائم الإرهاب الدولي، كتنظيم داعش، وتنظيم هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) من مخيم اليرموك، قيام حالة من الاستباحة لمخيم اليرموك، حالة يُمكن توصيفها بأنها قد (ونقول قد) تندرج وفق رأي البعض (ونقول وفق رأي البعض) في خانة "الانتقام"، حيث تم الاعتداء على الأملاك العامة وبناها التحتية وتدميرها كتدمير خطوط نقل الطاقة الكهربائية وبنى المؤسسات الخدمية، وعلى الأملاك الخاصة لعموم سكان اليرموك من سوريين وفلسطينيين، واستباحتها في شكلٍ مُخزي، وغير مسبوق أيضاً، يُندى له الجبين، في مشاهد تُثير الأسى والمرارة ليس عند أصحاب تلك الأملاك الخاصة من الفقراء والمساكين، وذوي الدخل المحدود، وصغار الكسبة من العاملين والموظفين، بل عند كلِ مراقبٍ لمساراتِ المحنةِ السوريةِ.
إن كارثة مخيم اليرموك، وإنقاذ لاجئ فلسطين في سوريا من محنتهم غير المسبوقة في تاريخ اللجوء والشتات الفلسطيني منذ نكبة الوطن الفلسطيني عام 1948، يفترض على القوى الفلسطينية مُجتمعة، وخاصة منظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها المرجعية العليا للشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، أن تتحرك في شكلٍ فاعل، عبر التدخل الفوري، وتأكيد تشكيل اللجنة الوطنية الفلسطينية العليا لإعادة إعمار مخيم اليرموك ومخيمات وتجمعات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، والتي أعلنت عنها منظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية، والتوجه نحو المجتمع الدولي وبالتعاون مع الجامعة العربية ووكالة الأونروا والدولة السورية، لغرض تأمين عَقدِ اجتماعٍ أو مؤتمرٍ دولي تحضره الدول المانحة لتحقيق تدفق أموال المتبرعين لإعادة البناء. إنَّ هذا الأمر، مُمكن، ومُمكن جداً، حال توفّرت إرادة العمل عند الفصائل والقوى الفلسطينية، وعند منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية على مستوياتها العليا، وبالتعاون مع الدولةِ السوريةِ.
وفي هذا السياق فعلت خيراً لجنة المتابعة العليا المُشكَّلةِ من الفصائل الفلسطينية والهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين في سوريا، من خلال ورقة العمل التي قدمتها أخيراً ورفعتها كمقترح للجهات الرسمية السورية المعنية، والمهم في هذا الأمر عملية المتابعة، والتي يجب أن تترافق مع عودة من يستطيع من أهالي اليرموك الى المخيم وتأمين الحجات الأساسية للناس وهو ما أكّدت عليه الأونروا، وعودة كل مقرات ومؤسسات الفصائل الفلسطينية ونشاطاتها لما تُشكّله من حافزٍ إيجابي للناس.
علي بدوان
* كاتب فلسطيني