لا أحد ينكر على الناس مطلبهم في حياة كريمة خالية من الظلم الإقتصادي، هذا أمر مشروع وحيوي ويساعد على تصويب أوضاع النظم السياسية المختلفة باتجاه سياسات أكثر عدالة واستجابة للفئات الفقيرة والهشة التي ظلمتها الظروف وأثقل عليها نهم الرأسمال وجشعه في كل دول العالم، فما زال عدد الفقراء في ازدياد سنوي في الوقت الذي يراكم فيه رأس المال ثروات فوق ثروات بفعل نظام الإقتصاد العالمي المفتوح وحركة التجارة الحرة التي سجلت انتصارا على الإشتراكية بعد انهيار الإتحاد السوفييتي.
أمريكا قائدة العالم الرأسمالي تحاول الاستفادة من كل ما يجري من أحداث في العالم، فهي تصنع المشكلة وتستثمر فيها، هذا الأمر حدث في بلدان كثيرة من الشرق الاوسط وأميركا اللاتينية وغيرها، لعلّ العراق هو النموذج الأكثر وضوحاً في تجارب أميركا لصناعة المشكلة والإستثمار فيها، وكانت مصر وسوريا وتونس مشاريع لهذا التغوّل الامريكي الذي تواطأت معه قوى محلية لولا تدارك المجتمعات وبعض نخبها السياسية لهذا الامر وكانت القاهرة أول من تصدى له من خلال ثورة وضعت حد لما أطلقت عليه أميركا "الربيع العربي" الإسم الجديد " للفوضى الخلاقة" التي أعلنت عنها "كوندليزا رايس" وزيرة خارجية أميريكا في عهد ادارة جورج دبليو بوش عام 2005.
الأردن ليس بمنأى عن ما يحاك لمنطقة الشرق الأوسط من مؤامرات اسرائيلية وأمريكية متناسقة، فهو احد دول الطوق التي تجاور اسرائيل وله مواقف متقدمة ضد محاولات اسرائيل تهويد القدس ووضع البوابات الإليكترونية على مداخلها وغيرها من اجراءات تستهدف طباعها الديني والديموغرافي ، اضافة لموقفه الحازم ضد قرار الإدارة الأميركية اعتبار القدس عاصمة لدولة الإحتلال الإسرائيلي وتحركها الإقليمي والدولي المتصدي لهذا القرار، الجدير ذكره ان تحركات الشارع الأردني الواسعة ضد القرار الأمريكي كانت لافتة أكثر من غيرها في بقية العالم العربي، وبما أن السياسة مواقف وفرص وتهديدات فلم يكن الأردن في يوم من الأيام بمنأى عن التهديد الإسرائيلي في التفكير لحل الموضوع الفلسطيني على حساب دول الإقليم بما يعرف " بالحل الإقليمي" أو فكرتها القديمة الجديدة بما يعرف " بالوطن البديل".
التظاهرات الاخيرة في الأردن رغم أنها حق مشروع لكل مواطن اردني، لكنها تثير تساؤلات كثيرة حولها في ضوء التجارب السابقة في بلدان ما سمي " بالربيع العربي"، هل هي تظاهرات تهدف إلى إلغاء مشروع قانون ضريبة الدخل الذي يستهدف أصلاً فئة الأثرياء حسب تحليلات خبراء الإقتصاد أم هي مقدمات لفوضى كبيرة تؤسس لمشروع سياسي اسرائيلي أمريكي بالتعاون مع بعض أطراف المعارضة الاردنية ؟
تجربة العالم العربي السابقة اثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن كل الحراك المشروع في العالم العربي الذي رفع شعارات الحرية والعيش والكرامة قد جرى حرفه لصالح قوى متواطئة مع الإدارة الامريكية التي هي بالأصل سبباً مباشراً بكل ما لحق العرب من ويلات وظلم اقتصادي، ادارة لم تخف خططها ولا تخجل من القرصنة على مقدرات الشعوب تحت ادعاءات الديمقراطية وحقوق الانسان، وجدت لها حلفاء محليين من قوى معارضة ونقابات ومنظمات غير حكومية جندوا طاقات كبيرة من أجل السيطرة على كل حراك شعبي عربي لخدمة أجندات باتت مكشوفة، وأصبحت واضحة أكثر بعد محاولة كردستان العراق في الإستقلال وانفصال جنوب السودان اللذان يقيمان علاقات اقتصادية وسياسية متقدمة مع اسرائيل فهي تكرر تجربة سبق وان نفذتها مع قوى محلية في لبنان وسوريا وتركيا إلى حد ما مستفيدة من التباينات الطائفية والعرقية والدينية والسياسية في كل بلد!
لقد كان قرار الملك الاردني عبد الله الثاني بإقالة رئيس الوزراء هاني المقلي وتكليف عمر الرزاز بتشكيل حكومة جديدة قراراّ حكيماً يمهد لمعالجة سريعة لما طرأ في الأردن من احداث ومسببات للأحداث، ويقطع الطريق امام محاولات العبث بأمن الأردن واستقراره، حيث اثبت الملك مرونة عالية في الإستجابة لمطالب المحتجين، وحافظ على حق الاردنيين في التظاهر والتعبير عن الرأي من أي اعتداء، كما حمى الأردن من مخاطر التدخل الأجنبي عبر المتواطئين من قوى محلية ينتظرون فرصة فوضى واحدة لتكرار سيناريو الفوضى الذي ضرب عدد من البلدان العربية ما زال العرب يدفعون ثمنه حتى اللحظة وتستفيد منه أمريكا واسرائيل وقوى التطرف والارهاب.
بقلم: محمد أبو مهادي