@ تهجَّر 200 ألف فلسطيني بفعل النكبة إلى القطاع وانضموا إلى 80 ألفاً من أهاليه، ما جعله اليوم أكبر السجون اكتظاظاً في العالم
@ نتج عن اتفاقية "التعايش"(1950) بين مصر وإسرائيل تقليص مساحة القطاع من 565 كلم إلى مساحته الحالية 365 كلم مربعاً
يتعرض قطاع غزة منذ النكبة الفلسطينية عام 48 لأشكال شتى من المعاناة والبؤس والتشريد، ولم يعد الأمر يقتصر على ذلك، بل تعدى إلى قيام إسرائيل بنهب أرضه تارة بالضم، وتارة بممارسة التطهير العرقي بحق سكانه، وتارة أخرى بأساليب الخداع والمكر السياسي أمام تجاهل المنظمات والمؤسسات الأممية والدولية، وجهل المفاوض الفلسطيني والعربي بخطورة الجريمة التي تجاوز عمرها السبعين سنة.
مساحته 565 كلم!
احتلت إسرائيل قطاع غزة في الخامس من حزيران( يونيو) 1967 وبلغت مساحته حينذاك نحو 365 كلم مربعاً، في حين تشير الوقائع إلى أنه إبان النكبة الفلسطينية، التي أثناءها هُجر وشُرد نحو 200 ألف فلسطيني من أراضي 48 نحو قطاع غزة، كانت تبلغ مساحته 565 كلم مربعاً إلى حين التوقيع على اتفاقية الهدنة في 24 شباط (فبراير) 1949.
في المعارك الواسعة بين الجيشين المصري والإسرائيلي في منتصف أيار(مايو) 1948، وطرد إسرائيل معظم سكان فلسطين واقتراف المذابح بحقهم تحت الانتداب البريطاني، سيطر الجيش المصري على نحو 14 ألف كلم مربع وصولاً إلى الفالوجة وأسدود، إلا أن القوات الإسرائيلية هاجمت الجيش المصري واخترقت دفاعاته نحو الجنوب واحتلت مدينة بئر السبع، وقطعت إمداداته بنسف جسر بيت حانون ما أدى إلى انسحاب الجيش المصري نحو غزة. طوقت إسرائيل الفالوجة واحتلت العوجا ودخلت سيناء متجهة للعريش لقطع خط انسحاب الجيش المصري، إلا أنها تراجعت بضغط بريطاني، وعادت لمحاصرة ما تبقى من الساحل الفلسطيني في قطاع غزة.
حاولت إسرائيل مهاجمة الساحل، وشطر قطاع غزة إلى شطرين في موقعة مشهورة تسمى "تبة 86" أو تبة الشيخ حمودة. هُزم الجيش الإسرائيلي هزيمة نكراء، وتم إنقاذ ما يسمى الآن قطاع غزة، الذي تنتشر فيه 247 مدينة وقرية ويتكدس فيها نحو مليوني فلسطيني.
أثرت نكبة 48 تأثيراً كبيراً على قطاع غزة، إذ ساهمت بتهجير مئات ألاف الفلسطينيين إلى القطاع، وبدأت إسرائيل حملة انتقامية وأفعالاً وحشية لترويع الأهالي وردعهم عن محاولة العودة إلى ديارهم، بشن غارات جوية لإبادة أكبر عدد ممكن من اللاجئين الذين يحاولون العودة إلى ديارهم، في الفترة بين كانون الأول (ديسمبر) 1948 و9 كانون ثاني(يناير) 1949 ، وفق مراقبي الهدنة، على مستشفيات ومواقع مدنية في قطاع غزة، ومراكز توزيع المؤن في خان يونس ودير البلح ما أدى إلى قتل العشرات من المدنيين .
الهدنة و"تقلص" القطاع
ترسيم خط الهدنة، بموجب اتفاقية 24 شباط (فبراير) 1949 بين مصر وإسرائيل في جزيرة رودس، تسبب في خسارة 50 كلم مربعاً من مساحة قطاع غزة، بعد سيطرة إسرائيل على نحو 20 كلم مربعاً في شمال القطاع باستيلائها على مساحة 10 كلم مربعاً وبعمق 2 كلم. وفي وسط القطاع استولت القوات الإسرائيلية على 30 كلم مربعاً. وتمكّنت إسرائيل من احتلال مساحة 5000 كلم مربعاً من الأرض العربية وتهجير وتشريد 200 ألف فلسطيني إلى قطاع غزة لينضموا إلى 80 ألفاً من أهالي القطاع الأصليين، ما جعل القطاع أقرب إلى سجن كبير محاط بالأسوار.
لم تلتزم إسرائيل اتفاقية الهدنة التي نصت وفق مذكرة مجلس الأمن في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 1948 على إعادة أهل القرى الفلسطينية الجنوبية إلى ديارهم، بفرض خط الهدنة إلى الحد التقريبي الذي وصلت إليه قواتهم، ويمتد من مصب وادي الحسي ويتجه شرقاً نحو قرية دير سنيد، ثم يعبر طريق غزة - المجدل إلى نقطة تبعد 3 كلم شرقي الطريق، بموازاة طريق غزة المجدل، إلى أن يصل إلى الحدود المصرية، وفيما عدا الحد الشمالي الذي يمر بوادي الحسي وديرسنيد، فإن باقي الخط تقريبي.
إضافة إلى ذلك، انتهزت إسرائيل عودة الفلسطينيين إلى ديارهم بعد النكبة لتقديم شكاوى إلى لجنة الهدنة، بل وطلبت تحديد خط الهدنة بعلامات واضحة لإيقاف "التعديات"العربية وأطلقت على الفلسطينيين صفة "المتسللين" إلى "أرض إسرائيل".
لم تكن حوادث الحدود هي السبب، بل ضغطت إسرائيل للاستيلاء على أراضي عبسان وخزاعة نظراً لأن آخر نقطة إسرائيلية في تطبيق اتفاقية الهدنة تبعد حوالي كيلومترين شرقاً. لكن الهدف الحقيقي لإسرائيل كان تقليص مساحة قطاع غزة قدر الإمكان، والاستيلاء على المياه الجوفية في شماله. وعلى ذلك اقترح الإسرائيليون إنشاء خط داخلي (في قطاع غزة)، لمنع الاحتكاكات مع الأهالي، في اتفاقية عرفت باتفاقية "التعايش" وقعت في العوجا سراً بتاريخ 22 شباط (فبراير) 1950 أي بعد سنة من اتفاقية الهدنة، بين مصر وإسرائيل ، وسجلت في مجلس الأمن في 17 آذار(مارس) 1950 ، ساهمت بتقليص مساحة قطاع غزة بتحريك خط الهدنة، بحيث يقتطع مساحة 200 كلم مربعاً من مساحة القطاع الحقيقية، لتصل بذلك مساحة قطاع غزة لنحو 365 كلم مربعاً أي بشريط ضيق بطول 42 كلم وبعرض 8 كلم، يفتقر للموارد الاقتصادية، تقطعت أوصاله مع أراضي 48 فقد الاتصال مع العالم الخارجي، سوى عبر مصر الذي ارتبطت به ارتباطاً وثيقاً نتيجة التبعية الإدارية لها.
.. ويتواصل النهب
لم تقف إسرائيل عند هذا الحد، بل واصلت نهبها وسرقتها لأراضي قطاع غزة بعد احتلاله في عدوان 5 حزيران(يونيو) 1967 بنقل خط الهدنة إلى الغرب على طول القطاع على ما مساحته 8 كلم مربع من مساحة القطاع، أتى أغلبها من المنطقة الموازية لمدينة غزة ووسط القطاع وجنوبه، مستغلة صدمة العالم العربي والشعب الفلسطيني. وتواصل النهب الإسرائيلي للأرض الفلسطينية بعد توقيع اتفاقية أوسلو ودخول السلطة الفلسطينية للقطاع، بنقل إسرائيل علامات خط الهدنة باتجاه الغرب في العديد من مناطق قطاع غزة ما أفقده أيضاً ما مساحته 8 كلم مربع.
تواصل إسرائيل سرقة جغرافيا قطاع غزة منذ نكبة 48 وحتى اليوم ما يوازي مساحته الحالية، قامت خلالها في خطة ممنهجة ومدروسة مع تجاهل تام لخطورة الكثافة السكانية فيه وهي الأعلى في العالم إذ يتجاوز عدد سكان القطاع حالياً المليونين نسمة على مساحة جغرافية لا تتعدى 365 كلم مربعاً، تقتطع إسرائيل منها المنطقة العازلة بعرض 1500 متر على طول حدوده الشرقية والشمالية مع أراضي 48، مع حرمان صياديه من حرية الصيد عبر سواحله البحرية.
--
--
الصحفي/ وسام فتحي زغبر