من حق الفلسطينيين أن يفرحوا شكرا أرجنتين شكرا “BDS“

بقلم: علي الصالح

بفضل الجهود الفلسطينية الدبلوماسية والرياضية، وكذلك الدور الكبير الذي بذلته حركة المقاطعة الدولية "BDS"، ومنها المظاهرات التي نظمتها في برشلونة أمام مركز تدريب المنتخب الأرجنتيني، ألغى اتحاد الكرة الارجنتيني مشكورا، مباراة ودية بين منتخبه الوطني ونظيره الإسرائيلي.
كان يفترض أن تجري المباراة على ملعب في مدينة حيفا، لكن نتنياهو ووزيرة رياضته ميري ريغف، في محاولة منهما لتحقيق مكاسب سياسية وشخصية رخيصة، من خلال فرض اعتراف أمر واقع بأن القدس عاصمة إسرائيل، طالبا باجراء المباراة على ملعب المالحة، المقام على أنقاض قرية المالحة الفلسطينية في القدس الغربية، التي دمرتها العصابات الصهيونية عام 1948.
الاتحاد الأرجنتيني في النهاية رجح عقله وإنسانيته والتزامه بقرارات الشرعية الدولية بشأن القدس، على الضغوط الإسرائيلية، وربما الأمريكية من ورائها. وقال رئيس الاتحاد كلاوديو تشيكي تابيا، لاحقا إنه يعتبر قرار الإلغاء مساهمة في السلام العالمي. ولن نغبن ميسي حقه في القرار، فقد نقل عن المهاجم الأرجنتيني غونزالو هيغواين القول: "القرار النهائي اتخذ بعدما سألنا ميسي كيف لنا أن نلعب ببال هادئ في الوقت الذي يعاني فيه كثير من الفلسطينيين"، وحسب قوله فإن ميسي هو من دفع نحو إلغاء المباراة، وكان القرار صحيحا.
فمبروك على الشعب الفلسطيني هذا الإنجاز الكبير المعنوي والسياسي الجديد على دولة الاحتلال، وشكرا لكل من شارك في الجهود التي بذلت وساعدت في تحقيق هذا الانتصار في هذه المعركة التي لن تكون الأولى ولا الأخيرة، لأننا نواجه عدوا عنصريا استعماريا متعجرفا يصعب عليه تقبل الهزيمة.
قد يتساءل البعض عن ماهية هذا الانتصار الذي نتحدث عنه، وفلسطين وشعبها يرزحان تحت الاحتلال، كما حصل معي في مقال سابق خصص للحديث عن انتصار الفلسطينيين المعنوي في معركة الأقصى في يوليو/ تموز 2017، واضطرار سلطات الاحتلال للتراجع عن إجراءاتها وقيودها تحت ضغط الشارع الفلسطيني، من نصب للكاميرات وإقامة الحواجز الحديدية، الخ. وردا على مثل هذا التساؤل نقول، إن أي انتصار على العدو المتغول مهم، مهما صغر حجمه، ومن حقنا أن نفرح هذا أولا،
وثانيا أن أي انتصار يكون دعما لمعنويات الشعب الفلسطيني، الذي هو في أشد الحاجة إليها، في هذا الزمن الرديء وزمن الخذلان العربي، الذي نشاهد فيه رياضيين من دولة الإمارات ومملكة البحرين يشاركون رسميا في سباق للدراجات الهوائية في القدس، في الذكرى السبعين لقيام الكيان الصهيوني، أي في الوقت الذي كان فيه الأمريكيون والإسرائيليون يحتفلون بافتتاح سفارة واشنطن في القدس، بينما كان جنود الاحتلال يذبحون الفلسطينيين في غزة والضفة، وفي الوقت نفسه يشارك إسرائيليون في مناسبات رياضية في هذه الدويلات.
وثالثا أن الرياضة خاصة كرة القدم في غاية الأهمية بالنسبة لشعوب العالم، بما فيها العربية، لا سيما ونحن على ابواب مباريات كأس العالم "المونديال" في روسيا في نهاية الأسبوع المقبل التي ستنشّد فيها الأنظار إلى شاشات التلفزيون، لمتابعة المنتخب المفضل، ومنها منتخب الأرجنتين الذي يحظى بشعبية كبيرة.
ورابعا أن الشعبية التي يحظى بها ليونيل ميسي قائد المنتخب الارجنتيني بين مشجعي الكرة في العالم وفي عالمنا العربي، باعتباره أيقونة الكرة الساحرة، ستفتح عيون فئات اخرى على القضية الفلسطينية.
خامسا أن أهمية هذا الانتصار الفلسطيني في هذه المعركة التي كان يمكن لو خسرها أن تفتح الأبواب على مصراعيها أمام دول اخرى أن تحذو حذو الارجنتين ويصبح الاعتراف العملي بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، أمرا واقعا. وفوق ذلك فإن أي إفشال لمخططات دولة الاحتلال هو نجاح للفلسطينيين. فهي أي دولة الاحتلال تحاول جاهدة جر دول العالم إلى القدس من النافذة، بعدما فشلت محاولاتها لإدخالها عبر الباب.
هذا الانتصار أيضا يشكل فشلا ذريعا لمساعي نتنياهو للحيلولة دون إلغاء المباراة، وقد اتصل برئيس الأرجنتين مرتين، لكن الأخير أوضح له أنه لا يملك القدرة على تغيير القرار. وحاول نتنياهو المهووس هو ووزيرة رياضته بمصافحة ميسي، أيضا جر رجل الرئيس الأرجنتيني، بدعوته شخصيا لحضور المباراة.
ما يعكس مدى الغضب والهزيمة التي تشعر بها حكومة نتنياهو والشارع واتحاد الكرة الإسرائيليان، إذ كانوا يتفاخرون بأن أحد أعظم المنتخبات الكروية في العالم، سيلعب على أرض القدس، ردود الأفعال الهيستيرية التي صدرت عن بعض المصادر والمسؤولين في تل أبيب، ووصل الأمر عند مدير عام وزارة الثقافة والرياضة الإسرائيلي اعتبار إلغاء المباراة "عملية إرهابية فلسطينية من الطراز الأول".
ووصف القرار باستسلام للإرهاب زاعما أن القدس لم تكن يوما هي المشكلة، متهما الفلسطينيين بتهديد ميسي وبقية أعضاء المنتخب الأرجنتيني بالقتل.
واعتبرت وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني قرار الإلغاء انتصارا كبيرا لحركة "BDS" واتهمت ريغف بالتعجرف والرعونة وخلط الرياضة بالسياسة. ووصفت مصادر إسرائيلية أخرى، إلغاء المباراة التي تتجاوز كونها حدثا رياضيا، انتصارا معنويا غير مسبوق للسلطة الفلسطينية، ولاتحاد كرة القدم الفلسطيني ولحركة المقاطعة الدولية، وقالت إن هذا الانتصار أهم من كل ما فعلته مسيرات العودة في غزة خلال الشهرين الماضيين.
وما يخيف إسرائيل من هذا القرار، رغم مرارة طعم الخسارة، ليس إلغاء المباراة، فالقرار اتخذ ولا رجوع عنه، ولكن ما قد يترتب على هذا القرار لاحقا. ويرى فيه البعض "سابقة خطيرة جدا" من شأنها التسلل نحو ميادين أخرى. وقالت المصادر إن جهات فنية سبق وألغت في الماضي حفلات في إسرائيل بضغط من حملة المقاطعة الدولية كان آخرها تراجع المغنية شاكيرا عن المشاركة في حفل في إسرائيل، لكن إلغاء زيارة منتخب كرة قدم قومي بحجم المنتخب الأرجنتيني يشكل حدثا كبيرا مختلفا. وتحذر هذه المصادر من احتمال تكرار سيناريو الأرجنتين في مسابقة الأغنية الأوروبية "يوروفيجين" التي يفترض أن تجري في القدس بعد عام عقب فوز مغنية إسرائيلية بالمسابقة قبل أسبوعين. وهذه المخاوف الإسرائيلية ليست من دون أساس، فعلى سبيل المثال تقود آيسلندا حملة لجمع التواقيع لنقل مسابقة "يوروفيجين" إلى عاصمة أوروبية أخرى، وأيدتها السويد ويتوقع أن تقاطع دول أوروبية أخرى للأسباب نفسها.
لقد أصبحت كلمة الإرهاب تعبيرا إسرائيليا ملازما لأي عمل يقوم به الفلسطينيون وحتى غيرهم، يتنافى مع مقاييسها. فالطائرات الورقية التي يستخدمها أطفال غزة في إطار المسيرات الجماهيرية، ردا على المجازر التي ارتكبها ويرتكبها جنود الاحتلال وقناصته ضد المدنيين العزل على حدود غزة، هي عمل إرهابي والشيء غير المستغرب أن "قائدة العالم الحر" تتبنى كل مواقف هذه الحكومة اليمينية العنصرية ويردد ما تقوله، مبعوث "السلام" غرينبلات ولا عتب عليه فهو الصهيوني المتأصل المتخفي في ثياب يهودي متدين. وإذا كانت الطائرات الورقية الحارقة تلحق الضرر بأحراش ومزارع مستوطنات غلاف غزة وخسائر مادية كبيرة، فأين الإرهاب في البناء الذي يقوم به البدو في قراهم في صحراء النقب.
وأخيرا لا استبعد أن يأتي اليوم الذي يُتهم فيه الفلسطينيون في الأراضي المحتلة بالإرهاب لاستنشاقهم الاوكسجين وحرمان اليهود منه. وسيكون غدا مجرد وجود الفلسطيني على أرضه ارهابا، وكذلك أي عمل يقوم به لكسب قوته وقوت أسرته، لانه يعزز مقومات صموده على أرضه. وبما أن المعركة بينهم وبيننا معركة وجود فإنهم سيحاولون ايضا تجريد الشعب الفلسطيني من جميع مقومات الحياة لأنها ستكون من وجهة نظرهم إرهابا.
وأختتم بالقول للمرة الثانية (المرة الأولى في هبة الأقصى) يثبت الفلسطينيون أنهم قادرون على إلحاق الهزيمة بالعدو، وان الانتصار وإن كان معنويا، ممكن إذا ما تضافرت الجهود على جميع الصعد السياسية والدبلوماسية والرياضية والشعبية، وإذا ما كان القرار موحدا وصائبا والتصميم موجودا والموقف حازما غير قابل للتراجع فخذوا العبر.


علي الصالح
كاتب فلسطيني من أسرة "القدس العربي"