طوال أكثر من قرن من الزمان وفي سياق صراعنا الطويل مع الغزوة الصهيونية في فلسطين، جرى إلصاق كل ما تفتقت عنه الذهنية الصهيونية من توصيفات بنعت نضال شعبنا "بالإرهاب" باعتبار دولة الكيان المدججة بكل أنواع الأسلحة المتطورة هي مجرد ضحية، وفي حالة الدفاع الدائم عن النفس أمام "الإرهاب الفلسطيني" بشتى أشكاله وألوانه، ومن اللافت للانتباه بالرغم بأنّ مصطلح الإرهاب ليس جديداً في قاموس الدولة العبرية إلى أنّه في السنوات الأخيرة قد اكتسب بُعداً جديداً في الخطاب الصهيوني الأمر الذي لا يعكس مستوى الانحطاط السياسي والأخلاقي لهذه الدولة وحسب، وإنّما يعبر أيضاً عن أزمة عميقة تعيشها دولة الكيان.
ففي العقدين الأخيرين وتحديداً بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر استفادت "إسرائيل" من حالة الهستيريا التي أصابت العالم والولايات المتحدة على وجه التحديد لإدراج نضال شعبنا في إطار ما يسمى بالإرهاب فقد جاءت هذه الهجمات في نظام تأجج عمليات الانتفاضة الثانية المسلحة فسارعت "إسرائيل" باستغلال هذا المناخ بهدف إقناع العالم باستنكار العمليات الفلسطينية المسلحة وإدراجها في خانة الأعمال الإرهابية وقد نجحت "إسرائيل" إلى حد بعيد بهذه الصياغة، لكن "إسرائيل" لم تستكفي بإدراج النضال الفلسطيني المسلح في خانة الإرهاب بل باتت تصف أيّ نشاط، مهما كان شكله وتأثيره بأنه نوع من الأنشطة الإرهابية، حيث شمل توصيف الإرهاب كافة الأنشطة والأشكال النضالية الفلسطينية.
ففي الأعوام الأخيرة كدنا نسمع على ألسنة القادة الصهاينة ووسائل الإعلامية المتنوعة الكثير من هذه التوصيفات، وبات القادة ووسائل الإعلام يتسابقون في نعت العبارات المترافقة مع مصطلح الإرهاب فقبل ثلاث سنوات شنت "إسرائيل" قانوناً يجرم عمليات إلقاء الحجارة على الجيش وأدرجتها في إطار العمليات الإرهابية، وعندما بدأت النشاطات السياسية الدبلوماسية والدبلوماسية الفلسطينية في المحافل الدولية تزعج "إسرائيل" جرى نعت مصطلح الإرهاب الدبلوماسي.
وحينما شرّع الفلسطينيون بمقاطعة البضائع المصنّعة بالمستوطنات، جرى نعت مفهوم الإرهاب الاقتصادي وعندما كانت وسائل الإعلام الفلسطينية تبث الأغاني الوطنية والصور التي تفضح ممارسات الاحتلال الإجرامية أسموه الإرهاب الإعلامي، وحين تعرضت "إسرائيل" لبعض الهجمات الالكترونية سمي ذلك بالإرهاب الالكتروني. قبل حوالي شهرين وفي أعقاب إحراق عدد من الآلات الزراعية في بعض المستوطنات الزراعية شمال فلسطين أطلقت "الصحف الإسرائيلية" مفهوم الإرهاب الزراعي ومؤخراً وبعد انطلاق مسيرات العودة على حدود قطاع غزة وإطلاق المتظاهرين الطائرات الورقية التي تسببت بإحراق مساحات واسعة من المحاصيل الزراعية جرت تسمية هذه الفعاليات بإرهاب الطائرات الورقية.
وبالأمس القريب وبعد نجاح VTS بالضغط على المنتخب الأرجنتيني لإلغاء مباراة التي كان من المقرر إجراءها في القدس، أصيبت دولة الكيان بقضها وقضيضها بحالة من الهستيريا، عبرّت عنها وزيرة الثقافة والرياضية ميري ريغي، التي وصفت هذا الضغط بالعمل الإرهابي ليدخل بذلك مفهوم الإرهابي الرياضي إلى قاموس الاحتلال الصهيوني. إن هذه الهستيريا وحالة البارانويا التي تعانيها" إسرائيل" إلى الحد الذي يدفعها أن تصف فيه أي نشاط مناوئ لها بالإرهاب إنما يعبر عن أزمة عميقة تعيشها هذه الدولة تنطوي على فقدانها الثقة بالنفس وتعبر عن إحساسها السياسي وانحطاطها الأخلاقي فهذه الأنشطة والفعاليات تشكل نقطة ضعف "لإسرائيل" فهي من جهة كقوة غاشمة ترى بنفسها أنها مكبلة ولن يكون بمقدورها استخدام حالتها العسكرية في التصدي لمثل هذه الأنشطة، ومن جهة ثانية فإنها فقدت أي تأييد للرأي العام العالمي الذي لم تعد تنطلي عليه الأكاذيب الصهيونية، وهو يرى الممارسات العدوانية بحق شعبنا وباتت تتنامى حركة التأييد العالمي لشعبنا، ومن جهة ثالثة سيزول القناع الزائف الذي تتستر خلفه دولة الكيان لعقود طويلة بوصفها دولة ديمقراطية وحضارية، وتكشفت للعالم حقيقة "إسرائيل" الفاشية والعنصرية، وإنها دولة إرهابية بامتياز .
وبما أن النضال الوطني الفلسطيني قد بات مفتوحا على كافة الجبهات وبكافة الأشكال علينا أن نتهيأ للمزيد من هذه التوصيفات التي تضع نضالنا في خانة الإرهاب على شاكلة الإرهاب الثقافي، الإرهاب الأكاديمي، الإرهاب الفني، الإرهاب الموسيقي، الإرهاب القانوني، والإرهاب الديموغرافي، والحبل على الجرار . وعلينا كفلسطينيين ألاّ نجزع من هذه التوصيفات ويتبين علينا استقبالها بالسخرية، وإذا كانت هذه التوصيفات تدل على شيء، فإنما هي علامات الانحطاط التي تسبق الهزيمة المدوية للمشروع الصهيوني كما هي علامة من علامات التخريف والهلّوسة التي ترافق الشيخوخة، وكما هو معروف فإنّ الدول الشائخة لا تقضي سنواتها الأخيرة في أمن وسلام بل تدفعها الشيخوخة إلى مضاعفة جرائمها وشنّ المزيد من الحروب فالدول الشائخة تخرف في أقوالها وأيضاً في أفعالها.
بقلم الأسير كميل أبو حنيش