ما حدث برام الله بالأمس ليس فقط مساً خطيراً بحق الناس والجماهير بالتعبير عن رأيها والتجمع السلمي،والتعارض مع المبادئ الواردة في القانون الفلسطيني الأساسي والعهد الدولي الخاص "بالحقوق المدنية والسياسية" والذي انضمت اليه دولة فلسطين في نيسان /2014 ،بل هو أبعد وأعمق من ذلك،فهو دليل على عمق علاقة التنسيق الأمني القائم ما بين السلطة ودولة الإحتلال،وهو ثابت من ثوابت تلك العلاقة،ولذلك لا يمكن له أن يهتز او يزول بأي قرارات تتخذ من المؤسسات الفلسطينية لجنة تنفيذية ان وجدت ومجلسين مركزي ووطني،فقرار الوطني لم يجف حبره،الذي دعا الى رفع العقوبات عن قطاع غزة،وغزة ليست مستعمرة " كريات أربع"،بل هي مكون أساسي من مكونات الوطن،.ولذلك تكرار عدم الإلتزام بتطبيق قرارات المؤسسات الفلسطينية وهيئاتها يستوجب موقف مختلف من كل القوى التي شاركت بالوطني والتي لم تشارك بما فيها فتح التي زج البعض بعناصر منها لقمع أبناء شعبهم وهذا ليس دور فتح ولا وظيفتها ...وانا اعتقد بأن من كان يهتف ويقمع المتظاهرين ويقول " أبو عمار قالها هذي فتح واحنا رجالها" لا يعكس حقيقة موقف فتح ولا حركة فتح.....وعندما قال الجنرال الأمريكي دايتون الذي كانت توكل اليه مهمة تدريب قوات امن للسلطة الفلسطينية بأننا نسعى لخلق انسان فلسطيني جديد....نعم انسان فلسطيني يقمع أبناء شعبه هو ما أراده دايتون من تدريباته وعمليات مسخ الأدمغة للمتدربين من أجهزة الأمن التابعة للسلطة.
من شاهد الحشودات العسكرية والملثمين وعمليات القمع والتنكيل والسحل وطريقة اعتقال المتظاهرين والإعتداء عليهم وتكسير كاميرات الصحفيين وهواتفهم الخلوية وإطلاق قنابل الغاز،يدرك بان هذه الأجهزة ،حتى ونحن "سلطة بدون سلطة" بوصف رئيس السلطة أمام مرحلة ظلامية قاتمة خطيرة....حيث أن ذلك من شانه ان يسهم في تفكيك النسيج الوطني والمجتمعي الفلسطيني ويقوض أسس وأركان وحدة الشعب ..
المتظاهرون لم يخرجوا من اجل إسقاط فتح ولا سلطة كما جرى ويجري تعبأة القامعين،بل هم يدعون الى رفع العقوبات عن قطاع غزة،والتي اول ما طالت موظفي فتح في السلطة في قطاع غزة،اي ينتفض المتظاهرين نصرة لأبناء فتح ولكل المحاصرين والمشمولين في العقوبات ....ضد حصار شعب لا ذنب له في خلافاتكم ومناكفاتكم السياسية .
نحن امام مرحلة ظلامية خطيرة جداً، يعتقد البعض فيها بأن عمليات القمع ستفلح في تركيع الشارع الفلسطيني وستكسر إرادة الجماهير،ومن لا يخضع بالقمع يخضع بتشويه صورته امنياً وسياسياً واخلاقياً والإتهامات بالإرتباطات والأجندات الخارجية وغيرها وكأننا امام نظام عربي بائس من مراحل بائدة ....من يصدر تعليماته وتعاميمه في منع المظاهرات ومنع حرية التعبير والتجمع السلمي ويمارس القمع والتنكيل ،ويرفض تطبيق قرارات المؤسسات الفلسطينية،ويستخدمها فقط للمساومات وتكتيكات بائسة يفرض على كل القوى التي شاركت في المجلس الوطني أن تعلن موقفاً واضحاً وصريحاً ....إما أن تكون المنظمة بيت جامع وموحد لكل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني وشراكة حقيقة في القرارات وتنفيذ ما يجري الإتفاق عليها،وإما على القوى الفلسطينية أن تتخذ قرارات ذات طابع استراتيجي يخرج القرار الفلسطيني من دائرة الهيمنة والتفرد والتعامل بزبائنية مع الفصائل والمؤسسات والأفراد....
نعم هذا عيد جاء بطعم القمع والتنكيل والسحل ....وعبر عن حالة إنحطاط فلسطيني غير مسبوق ...والقمع مرفوض من أي طرف هنا في رام الله وهناك في قطاع غزة...فالشعب صاحب قضية ومعاركه يجب ان تكون ضد محتل غاصب جاثم على صدره،ولا يجوز بأي شكل من الأشكال ان يزج به في معارك جانبية وأن تحرف بوصلته...وأن تتعمق مأسيه...إن كسر إرادة الشعب وتحطيم معنوياته وتفكيك نسيجه الوطني والمجتمعي...سيعمق من مظاهر العنف والإنفلات في مجتمعنا الفلسطيني...وأبعد من ذلك سيكون ذلك جسراً لفرض حلول تصفوية عليه تشطب وتصفي قضيته ومشروعه الوطني...
ولذلك هذا الشعب المضحي والذي يدفع الثمن يومياً لا يجوز ان يكون وقوداً لخلافاتكم السياسية ومناكفاتكم المستمرة وغير المتوقفة...والتي دائماً تغلفونها بمصلحة الوطن،الوطن مصلحته معروفه والشعب مصلحته معروفه،عندما تعلون مصالح الوطن فوق مصالحكم الحزبية والفئوية،حينها تعرفون مصلحة الوطن،والشعب والقوى والمؤسسات التي تخرج من أجل إعادتكم الى جادة صوابكم والتخلي عن فئويتكم ومصالحكم،تصبح صاحبة اجندات لا وطنية ومشبوهة وتتفننون ليس فقط في قمعها والتنكيل بها،بل وفي التحريض عليها وتشويه صورتها وسمعتها وتخوينها وتكفيرها...وكأن الوطن هو انتم وما دونكم خونة وجواسيس ومشبوهين،عقليات مغرقة في الإقصاء والفئوية المقيتة.
شعارات الشراكة والوحدة الوطنية أضحت فارغة وبدون مضمون او معنى،وحتى الهيئات والمؤسسات التي تبادرون الى عقدها بناءً على مزاجكم ووفق أجنداتكم،ترفضون تطبيق القرارات التي تتخذها،وكأنكم تقولون نحن السلطة والسلطة نحن،ونحن القرار والهيئات فقط للإستخدام والموافقة على ما تقرونه،وتعتبرون أنفسكم "جهابذة" عصركم تفكرون عن الشعب وتقررون عنه،وتستخدمونه وتطحنونه وتدوسون على كرامته،وتصادرون حقوقه وتقطعون راتبه،وتربونه على الذل والخنوع،وبالمقابل مطلوب منه أن يكون وقوداً وحطباً لمصالحكم ولمشاريعكم الإستثمارية التي أثريتم بها على حساب الوطن.
الجماهير شبت على الطوق وتعرف مصالحها جيداً،ولم تعد تنفع معها الشعارات القديمة والإسطوانات المشروخة والتغني بالأمجاد وسيرة القادة والشهداء والأسرى بطولاتهم وتضحياتهم،نحن اليوم أمام مفترق طرق خطير،خطر خارجي يستهدف بخطط ومشاريع مشبوه التصفية والشطب لقضيتنا الفلسطينية،وتناحرات وخلافات داخلية أخطر من الخطر الخارجي على قضيتنا ومشروعنا الوطني ،معارك جانبية يجري إفتعالها وقدح وذم وتشهير وتشكيك وتحريض وتخوين وتكفير،وحقد على بعضنا يفوق الحقد على من يغتصب أرضنا ويقتلع وجودنا مئات المرات.
مع عيد الفطر السعيد،والذي مع كل عيد نتمنى ان يكون خاتمة الأحزان،نجد انفسنا امام مآسي واحزان جديدة،نجد أنفسنا امام أهالي شهداء يقولون ألهذا استشهد أبناؤنا...؟؟وأهالي أسرى يقولون كنا نتمنى ان تعملوا على تحرير أسرانا والذين دخل البعض منهم عامه الثلاثين وما فوق في سجون الإحتلال،لا أن تقتتلوا داخلياً على المناصب والمراكز والمصالح وعلى سلطة وهمية داخلية من الدسم.
بقلم/ راسم عبيدات