آه يا وجع غزة ، أثنى عشرة عاما ونحن رهائن، نعيش العتمة والاختناق حتى غزت أرواحنا الأمراض النفسية ، ممنوع أن نرى ،أن نسمع ،أن نتكلم
ممنوع أن نتنفس حرية ،علينا أن نستسلم لمن يجتثنا من جذورنا ويصادر صوتنا، فابسم المصلحة الوطنية يتم مصادرة نصف راتب الموظف ، ليحرموه من الحياة وهم يعلمون أن كل موظف يعيل من خمس إلى ست عائلات ... وباسم الوطن تصادر حرية التعبير .
فيا أيها المسؤولون .. لسنا قطيع لنصدق كل ما يقال ولا أنتم بآلهة معصومة عن الأخطاء، لنبارك لكم ذبحنا
عليكم أن تعيدوا حساباتكم جيدا ،عليكم أن تحموا المواطن وتوفروا له كل وسائل الصمود حتى تنتصروا به ، عليكم أن تفتخروا بالفلسطيني الذي ينتصر لأخيه الفلسطيني ويشد من أزره ليكونوا كالبنيان المرصوص في وجه العاصفة ...
أعجب من أمركم ! دوما تحرفون الحق عن موضعه، تريدون أن ينتصر العالم لنا ولقضيتنا العادلة ولا تسمحوا لنا أن ننتصر لأنفسنا ؟!!
فيا أيها المتسلقين فوق جراحنا! انصرفوا فالصغير والكبير يدرك أن الفئوية والحزبية الضيقة العفنة ابتلعت ما تبقى من الوطن، فغزة المكلوم تسامح وتسامح ، تتناسى ولا تنسى جراحها ، لن تنسى من ظلمها ، لن تتناسى ابنائها الذين قتلوا في الانقسام أثناء التناحر على الكرسي وكانوا وقودا للمحرقة ، فلم يقتل في الصراع خائن أو فاسد... من قتل من كلا الطرفين هم الفقراء أبناء الطبقة المسحوقة المغلوب على أمرها
عشنا ثلاثة حروب وانقسام وفوضى سلاح ومازلنا نعاني من التخوين والاتهامات العشوائية لو فكرنا أن نقول لا .. علينا دوما أن نرفع الراية البيضاء ولا ترمش لنا عين أمام مهزلة تجويع أطفالنا وانتحار وهجرة شبابنا
فيا رجل العلم.. يا رئيس الوزراء.. هل أنت واثق أن حرمان المواطن الغزي من نصف راتبه وإذلاله وتدمير شخصيته أمام أسرته وصغاره سيعيد اللَحمة وسينهي الانقسام وسيمنحنا مواطن صالح نظيف يحب الوطن ويناضل من أجل العودة ؟؟
السيد رامي الحمد الله .. لا تعنينا صراعاتكم التي لن تنتهي ومن يتآمر على من ، نريد أن نعيش بكرامة لا أكثر ولا أقل .. نكفر بكل الأحزاب التي تستغل وجعنا لأهدافها الدنيئة ، نريد أن يفرح أطفالنا في العيد، نريد ربا يمنحنا الصمود والتجذر في الأرض لنتحدى المحتل بأجسادنا العارية ، لا نريد دولة مخابرات تزرع القلق وتبث الاشاعات وتشوه أي حراك نبيل
يقول : نحن شعب واحد، علم واحد ويدعو للوحدة والمحبة .
قضيت عمري وأنا أنتظر الضوء القادم من عمق النفق وما زلت أنتظر لم تصبني يوما حالة من الإحباط كما أشعر بها الآن... كلما أبصرت المشهد الفلسطيني الغارق في ضبابية اللوحة السوداء.
فيا حسرتي لن يزول الانقسام .. لن يزول الانقسام فهو مشروع استثماري يمتلكه أفراد يحمونه بالسلاح ، فنحن دوما الضحايا .. فما زرعتموه يا أولي الأمر ستجنونه، سيكبر الانقسام حتى يبتلع ما تبقى من الوطن ، مادام المواطن الفلسطيني حجر شطرنج ، ينظر له الساسة يوم استشهاده على أنه مجرد رقم .. قطيع يحركونه بأيديهم ، ينفخوه ويفرغوه حسب المرحلة ، فمعطيات الواقع الوقح تبشر بالخراب
فشكرا لكم يا من ترقصون على أوجاعنا، أبارك لكم منتجكم الجديد " مواطن حسب الطلب " مقهورا، مسحوقا، مضغوطا، مهزوما، يخشى أن يتألم ، أن يعبر عن مشاعره الصادقة أن يقول لا لمن سرق ، حلمه ، عمره ، قوت أطفاله .. ماذا أقول غير حسبي الله ونعم الوكيل لكل من خان سيدة المقاومة غزة .
شعرت بالقهر بكيت على الناس بعد أن نشرت رسالتي بعنوان " من تهون عليه غزة فليرحل صدمت من كم الاتصالات والشكر من الزملاء والأصدقاء .. لكن ما رعبني خوفهم من التعليق على المنشور وعدم مشاركتهم في الحراك للدفاع عن حقوقهم ، خشيت من التلويح بورقة قطع رواتبهم فهم يعلمون أن التهم معدة سلفا والخيارات مفتوحة لكل وسائل التعذيب و التخوين ...
فيا أيها المسؤول المسلط على رقابنا أنصحك بكلمتين يوم تحكم شعبك بالسوط ويطيعك الناس خوفا لا حبا فأنت سقطت في الدرك الأسفل .
للأسف غزة ورام الله وجهان لعملة واحدة فلا تدعوا الديمقراطية وحرية التعبير لا هنا ولا هناك فما حدث بالأمس في رام الله نفس الصورة القبيحة لما يحدث في غزة ..
علمونا في غزة أن من يعترض ليعيش بكرامة ويطالب بحقة بالهواء والماء والكهرباء هو خائن يخالف القيادة الربانية ومتخابر مع رام الله... وفي رام الله لو شعروا أن أي فلسطيني من غزة غضب وعبر عن نفسه لن يسألوه عن السبب بل سيتسابقون لقطع الأعناق أقصد " الرواتب "
فعلى الشعب أن ينام في حضن المسؤول ليأمن شره... فكلابه تنتشر ما بين الصحف وفي الهواء لترصد أنفاسنا.. مفارقة غريبة من يرفض الظلم ويطالب بالعدل وينتصر لأطفال غزة خائن يعمل لأجندة خارجية ومن يقهر شعبه فهو بطل !
فيا أنصاف المثقفين... يا أدعياء الثقافة... يا من تنامون بالعسل... عليكم أن تستيقظوا وإن فشلتم لأنكم تجيدون فن التسلق فلتخرسوا ولتسمعوا جيدا... المشروع الوطني الفلسطيني يباع والجميع يجتهد للقضاء علينا لن يرحم التاريخ أولى الأمر.. فالبكائيات على الأطلال وتخوين بعضنا بعضا لن يعيد فلسطين والشعارات الرنانة على شاشات التلفزة لن تغفر تخاذلنا وأكل لحم بعضنا بعضا. وأكبر دليل مشروع ترامب و اعترافه بالقدس عاصمة الاحتلال ونقل سفارته إليها وما سبقه من تمهيد قام به تجار الكلمة في الوطن العربي لتجريد القدس من قدسيتها ليتم الاستفراد بها واليوم يتوافدون للتطبيع مع الاحتلال ... الاحتلال الذي توغل في دمنا وأصر بإعداماته المباشرة للأبرياء من صحفيين وأطفال ومعاقين حركيا وملائكة الرحمة المتمثلة بالشهيدة رزان النجار أن يقول : الكل الفلسطيني مباح .. ما داموا يملكون الفيتو الأمريكي لا قانون يحمينا إن لم نحمي أنفسنا بوحدتنا.. ونحن بغبائنا المعهود وحزبيتنا المريضة القاتلة ، نغرق بالشكل ونتناسى المضمون ، نسلم مفاتيح أرواحنا للعدو.. ماذا نقول للشهداء الأكرم منا جميعا الذين انتصروا لحلم العودة؛ ليكونوا أشجارا تحمي فلسطين وكثيرا منهم مات ما بين جائع أو مديون وآخرين كانوا يفكرون ببيع جزء من أجسادهم قبل استشهادهم ليطعموا أبنائهم ...
ماذا نقول لهم ؟ نقول أن الله ابتلى فلسطين بقادة مراهقين يجيدون فن الردح والتخوين ولا يرون إلا أنفسهم ...
غدا العيد .. ستزحف غزة للمقابر تبكي على شهداءها ،سينهض حزنها من جديد وسيعلو نواح ونحيب الأمهات والآباء وبكاء الأطفال والزوجات
فيا أيها المتشدقين؟ يا من حكمتم على غزة بالإعدام.. سأحترم قراركم لو تخلصتم من أنانيتكم وعشتم مع أهلكم أيام العيد .. سنطوف بالشوارع لتروا الشباب المبتورة أقدامها وهم ينتشرون في كل مكان وسنزور بيوت العزاء التي تغطي المدينة وسنصغى لأنين العائلات المكلومة وسنعيش يوما في أحدى البيوت الممتدة من رفح لبيت حانون والتي أقصى أمانيها أن ترى الماء أو الكهرباء بعدها سأدعوكم لشاطئ البحر المتنفس الوحيد لغزة لتتنسموا روائح الصرف الصحي الذي ينبع من البحر... سنزور المستشفيات لتكتشفوا أين يتعالج الشعب وأين يتعالج القادة... سنرصد سويا الناس وهم يأكلون من المزابل... سنستمع للموظفين كيف يتدبرون أمورهم بعد قراركم الغبي الجائر بخصم نصف الراتب.. سنرى كيف يهربون من البقال وبائع الخضروات والغاز وماذا يقولون لأطفالهم و نسائهم في العيد.. وهم يطردون من بيوتهم إلى الشارع لعدم تمكنه من دفع الايجار... سأدعوكم لتبصروا الوجه الحقيقي لغزة بعيدا عن الإعلام الزائف المنافق ،عسى أن تخجلوا من أنفسكم أمام صبر وصمود هؤلاء العظماء... وأخيرا إن لم ترحموا من في الأرض لن يحرمكم من في السماء .
بقلم/ مصطفى النبيه