سعيد اليوسف حيث التواضع والالتصاق بالمناضلين وهمومهم

بقلم: عباس الجمعة

كل عام اقف امام ذكرى غياب القائد سعيد اليوسف عضو المكتب السياسي لجبهة التحرير الفلسطينية عضو المجلس العسكري للثورة الفلسطينية ، هذا الرجل العظيم، والذي مثل وجسد التواضع والالتصاق بالمناضلين وهمومهم، وركز على دفء العلاقة الرفاقية والقناعات الفكرية العميقة وتغليب المصالح العليا لفلسطين على المصالح الفئوية،والمساهمة الجادة والفاعلة من اجل استمرار النضال بكافة الوسائل والسبل لتحقيق اهداف الشعب الفلسطيني في تحرير الارض والانسان.

أذكر انه في ذروة التحضيرات والنقاشات التي أجرتها الجبهة في عقد مؤتمرها الوطني السادس عام 1979، طال النقاش حول قضايا  تنظيمية ومفصلية وجوهرية، حيث كان القائد سعيد اليوسف نموذجاً باتخاذ قرارات جريئة،لانه كا مؤمنا بدوره في ميدان العمل المقاوم،  مؤمنا بهوية الجبهة الفكرية والايدلوجية ، مشددا  على تاريخ الجبهة وأرثها النضالي والكفاحي،الذي لعبوها مناضليها الذين مثلوا حالات نضالية وتضحوية مميزة،وممكنات نهوضها وتقدمها،حيث كان القائد سعيد يمتلك وضوحاً كبيراً في الرؤيا وقادر على التقاط الأحداث ومواكبتها في مختلف الميادين.

سعيد اليوسف صاحب الموقف والكلمة التي لا تقبل المساومة ، مضى على درب الكفاح والثورة ، فكان نموذجاً من طراز استثنائي وثوري كامل، مجسداً بالقول والممارسة أسس ومنطلقات القائد الفعلي، فقد كان يحترم خصومه قبل رفاقه، فهو المناضل القائد الذي جمع القول والعمل بكل جوانبه، واصل حياته بكل عزم وصلابة، فكان الرجل الشعبي، المقاتل الذي اقتحم كل مجالات العمل الثوري، مقتنعاً بأن النضال مذهب وعقيدة .

إن حاجتنا في مثل هذه المرحلة العصيبة، من تاريخ كفاحنا ونضالنا إلى مثل هذه النماذج الثورية التي تجّسدت في القائد سعيد اليوسف ، صاحب المواقف الأكثر وضوحاً وصراحة ورؤية لواقعنا وتناقضاته، تُلزم علينا إقصاء كافة مظاهر الانقسام مهما كانت باعتبارها واجب ثوري ووطني، ونؤكد من خلال ذلك وفائنا لشهدائنا وثباتنا على العهود التي قطعناها لهم بأن نصون وحدتنا الوطنية وأن تبقى بنادقنا موجهة إلى صدور ورؤوس أعداؤنا.

إن انحيازنا لخيار المقاومة يجب أن نعبر عنه بفهمنا العميق لمجريات النضال، التي تعلمناها من الشهداء ومن جبهتنا التي نعتز بانتمائنا إليها ، هذا الخيار الذي انحاز له الشهيد القائد سعيد اليوسف، الى جانب رفاقه الشهداء القادة الامناء العامون طلعت يعقوب وابو العباس وابو احمد حلب وكل قادة الجبهة الشهداء على امتداد تجربة النضال، حيث كانوا عنواناً للعطاء في سبيل الوصول للأفضل.. مع كل يوم اضافي تستمر فيه مسيرات العودة يتصاعد سؤال محق عما بعد هذه المسيرات، ولا جواب كافي أمام مثل هذا التساؤل الذي جزمنا بأحقيته سوى كلمتين قالهما كل من قاتل محتل غاصب لأرضه فما بالك بمن يقاتل في وجه عالم يحكمه جور الطغاة وأباطرة الإبادة والحصار.

ونحن اليوم امام ذكرى غياب القائد سعيد اليوسف نرى مسيرات العودة كجزء من نضال فلسطيني لإنفاذ حق العودة فحسب، بل هي صوت وقبضة تدق جدران الاستعباد التي تبنى في هذا العالم لتسحق خلفها المقهورين، لمواجهة سيطرة امبراطورية القتل الإمبريالية والصهيونية بأذرعها المختلفة، فالعدو الصهيوني اليوم يبدو أكثر وقاحة وجرأة على جرائمه، بفعل تهاون وتآمر غير مسبوق من بعض الانظمة العربية المصممة على ارتهانها للمستعمر.

ان مسيرات العودة قد رفعت راية الوحدة الوطنية، ليلتف حولها كل الأحرار ورافضي الخضوع لمنطق الغزو الوحشي والذل والاستعباد، ولكن الواضح ان الشعب الفلسطيني يقاتل بكل ما يمتلك من قوة وأدوات بسيطة ضد عدو فاشي مجرم، حيث اعادت المقاومة الشعبية  ومسيرات العودة فلسطين الى البوصلة النضال العربي، فلسطين الواحدة الموحدة ضد هذا العدو، فلسطين المحتلة التي ستقاتل هذا العدو حتى الحرية والاستقلال والعودة.

 وامام كل ذلك نقول ان الطرق التي ناضل وقاتل فيها القائد سعيد اليوسف عضو المكتب السياسي لجبهة التحرير الفلسطينية ،لم تخطئ الهدف، وبأن الهدف يستحق المضي في كل الطرق الوعرة للوصول خلال هذه المسيرة الطويلة الى نضال، فكان القائد سعيد بالمرصاد للعدو الصهيوني خلال غزو لبنان صيف عام 1982 ، متنقلا بين الجنوب وبيروت والجبل لتفقد القوات المشتركة اللبنانية الفلسطينية ، حتى اصدم مع قوات الاحتلال الصهيوني في جبل لبنان الاشم وبعد هذه المعركة فقد ولم يعثر عليه، حيث لم تتعبه المسيرة، بل أتعبت من كانوا يراهنون على سحق الثورة ، وصل سعيد اليوسف إلى كل المواقع، وبقي كالصخرة الشامخة ، وتحمل  ثقل المسؤولية باقتدار ، فاشرف على العديد من العلمليات البطولية للجبهة مع رفيق دربه القائد الشهيد الامين العام ابو العباس ، وكان مؤمنا بأن المسؤولية والقيادة تكليفٌ وليس تشريفاً، ومن خلالها أرسى العلاقات مع كافة مناضلي الجبهة بمزيد من الفعل والعمل الجاد ، او من خلال المعارك التي خاضها في المواجهة ، فكان أشد صلابة وأكثر عزيمة للاستمرار في المسيرة.

وفي ذكرى القائد سعيد نقول ان الشعب الفلسطيني والشعوب العربية تعيش أسوأ الظروف وأعقدها على المستويين الوطني والقومي، ويواجه تصعيداً في المشروع الإمبريالي الصهيوني الذي تتكامل حلقاته بتواطؤ رجعي عربي، ويستهدف في محصلته النهائية تكريس وتعزيز وظيفة العدو الصهيوني في السيطرة على الوطن العربي عبر تقسيمه وتفتيته إثنياً وجغرافياً، وتدمير مقدرات الأمة وإدامة تبعيتها وتخلفها وصولاً لإنهاء قضيتها المركزية، قضية فلسطين التي تتراجع في الأجندة الدولية والقومية يوماً بعد يوم، حيث نرى بعض العرب والمسلمين يقدمون للاحتلال تطبيعهم على طبق من فضة واعطاءه شهادة حسن سلوك على مجازره وجرائمه التي ارتكبها بحق الشعب الفلسطيني وحتى الشعوب العربية وبحق الارض والمقدسات ،  والتي كان اخرها صمت الدول على نقل السفارة الامريكية الى القدس والترويج لصفقة القرن ،وهي بمثابة خنجر مسموم في خاصرة الشعب الفلسطيني، مما يستدعي التحرك على المستوى الوطني والجماهيري لوقف هذه المؤامرة التي تستهدف القضية الفلسطينية.

إنه يوم من أيام حزيران الذي أراده العدو شهراً لهزيمة الأمة، فكان شهراً للعطاء والتضحية ، فرسم القائد سعيد اليوسف دوره بمقولة الرئيس الراحل القائد جمال عبد الناصر "ما أخذ بالقوة لا يستردّ بغير القوة، كما اخوانه في القوى الفلسطينية عبد الله صيام  وبلال الاوسط ، كما اخوانه في تجمّع اللجان والروابط الشعبية محمد المعلم ومحمد شهاب و بلال الصمدي وابراهيم نور الدين، و حيدر زغيب و فواز الشاهر، ورشيد آغا وعماد عبد الله، والقائد حسين دبوق عضو قيادة جبهة التحرير الفلسطينية الذي كان له دور أساسي في جبهة المقاومة الوطنية،كما رفاقه في الاحزاب اللبنانية المناضل محي الدين حشيشو احد قادة الحزب الشيوعي في مدينة صيدا وصولاً الى المناضل عدنان حلواني عضو قيادة منظمة العمل الشيوعي الذي اختطف من منزله في رأس النبع ، لهذا كان لا بد من الوفاء لهم من قبل الاستاذ معن بشور الذي اراد اعتبار السادس من حزيران يوماً للمفقود العربي على يد الاحتلال.

ونحن في ذكرى قائدا شكل على مدار سنوات الكفاح نموذجا في المقاومة والنضال نقول انه بات المطلوب مواجهة هذه الظروف لا بد لنا كشعب يعيش مرحلة تحرر وطني و لم ينجز مهامه العمل من اجل تطبيق قرارات المجلس الوطني الفلسطيني وتعزيز الوحدة الوطنية  ، وتفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا، حتى تبقى قائداً فعلياً لنضالات الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات.

ختاما : ان محطة إحياء ذكرى غياب القائد سعيد اليوسف حاضرة  فينا على الدوام، لانها تعبر عن الاندماج في الكفاح الثوري ضد الاحتلال، والعمل الدؤوب على تمتين وحدتنا الداخلية بدون أي تهاون أو كلل، وتعزيز الوعي، والثقافة في عقول الأجيال الشابة ، والوقوف بجانب أبناء شعبنا الفلسطيني خاصة الفئات الفقيرة والمهمشة في تفاصيل همومها اليومية ، والانشداد للمناضلين، والاستمرار في نهج القائد سعيد اليوسف  ورفاقه القادة الامناء العامون لجبهة التحرير الفلسطينية ابو العباس وطلعت يعقوب وابو احمد حلب وكل رفاقه القادة والشهداء ، فمشوارنا صعب، وطويل لكن علينا ان نسير بالاتجاه الصحيح وبيدنا بوصلة الرؤية السياسية والفكرية والكفاحية، التي لن تجعلنا نتوه عن طريق تحرير الارض والانسان.

بقلم / عباس الجمعة

كاتب سياسي