أين مستشار الرئيس عباس لحقوق الإنسان من انتهاكاته لحقوق الإنسان؟!

بقلم: أيوب عثمان

إذا كان الرئيس عباس قد أوقع منذ ستة عشر شهراً – وما يزال – عقوبات شتى على قطاع غزة وأهله،

 وإذا كان الرئيس يواصل إجراءاته العقابية مع زيادة في النوع وفي الدرجة، أيضاً،

وإذا كان الرئيس يغلق عينيه ويصم أذنيه عن شكاوى أهل غزة، ومعاناتهم، ومرارة عيشهم،

وإذا كان الرئيس قد قال ما لم يفعل أمام سمع وجمع حين أعلن في الخامس من مايو 2018 خلال انعقاد المجلس الوطني أن رواتب موظفي غزة سوف تصرف غداً (6 مايو) دون أن تصرف لا غداً ولا بعد غد ولا بعد بعد غد، حتى يومنا هذا،

وإذا كان أعضاء المجلس الوطني في غزة قد اجتمعوا لمناقشة عقوبات الرئيس ضد غزة فيما يتعلق برواتب موظفيها، حيث تدارسوا اقتراحات بتقديم استقالات جماعية احتجاجاً على الرئيس الذي حول بالعقوبات التي صبها على موظفي غزة وأسرهم من مواطنين آدميين إلى متسولين جردهم من صفتهم الإنسانية والآدمية،

وإذا كان الرئيس وجوقته نراهم يتباكون – كذباً  - على غزة وأهلها وهم يتحدثون – كذباً – عن أزمة إنسانية تجتاحها، فيما هم يمارسون ما هو أبشع وأشنع مما يتباكون عليه،

وإذا كانت المسيرات الشعبية السلمية التي خرجت في رام الله دعماً لغزة، رافضة للعقوبات على أهلها قد قام الرئيس وبطانته بقمعها بكل قوة وشدة وغلظة، خلافاً للقانون الأساسي الفلسطيني الذي يكفل حق المواطنين في التعبير عن آرائهم ، وخلافاً للإعلان العالمي للحقوق الإنسان، وخلافاً لكل المواثيق والعهود الدولية التي تنتصر لحق الإنسان في التعبير عن رأيه،

وإذا كان قمع المسيرات الشعبية السلمية، وتكميم الأفواه، وقمح حرية الرأي وحرية التعبير عنه هو فعل تدينه وتستنكره القوانين المحلية الفلسطينية والمواثيق والعهود والقوانين العالمية،  كما تدينه كل الشرائع السماوية قبل كل ذلك وبعده،

وإذا كانت مؤسسات حقوق الإنسان – بلا استثناء – قد استنكرت تلك العقوبات وعبرت عن رفضها لها وطالبت الرئيس بالتراجع الفوري عنها،

وإذا كانت الفصائل الفلسطينية  - بلا استثناء أيضاً – قد عبرت هي الأخرى عن رفضها لأفاعيل الرئيس العقابية ضد غزة وأهلها وطالبت برفعها،

وإذا كان البنك الدولي قد حذر من استمرار العقوبات ضد قطاع غزة، لا سيما النقص في الوقود والبنى التحتية، إلا أن الرئيس ما يزال يواصل حجب الكهربا عن غزة لأكثر من عشرين ساعة يومياً،

وإذا كان المرصد الأورومتوسطي قد استنكر إجراءات الرئيس العقابية وطالبه بعدم توظيف معاناة أهل غزة لتحقيق نفعية سياسية، مؤكداً أن إجراءات الرئيس العقابية هي عقاب جماعي ينطوي على حرمان الآدميين من حاجاتهم الأساسية ومن حقهم في الكرامة الإنسانية،

وإذا كانت شبكة المنظمات الأهلية هي الأخرى قد طالبت الرئيس بالإفراج عن رواتب موظفي غزة فوراً،

وإذا كانت نقابة الموظفين العموميين قد دعت إلى الاستمرار في اعتصامات جماهيرية استنكاراً للإجراءات العقابية مطالبة الرئيس برفعها فوراً،

وإذا كان قرار المجلس الوطني الذين نص صراحة على رفع العقوبات عن غزة قد أدار له الرئيس ظهره، ما يعد سلوكاً غير وطني وغير أخلاقي وغير إنساني.

وإذا كان المتظاهرون في رام الله قبل نحو أسبوع – ومن بينهم أعضاء في المجلس الوطني وفي اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي – قد شعروا بالإحباط والذلة  والمهانة جراء قمعهم من جهة ومواصلة الرئيس لإجراءاته العقابية ضد غزة من جهة أخرى، وإدارة الرئيس ظهره لما أعلنه يوم الخامس من مايو 2018 من جهة ثالثة،

وإذا كان القمع الرئاسي وسلطته وأجهزته الأمنية قد وصل إلى حد منع الاحتجاج حتى وإن كان سلمياً تحت ذريعة الحرص على عدم إفساد العيد في رام الله،

وإذا كانت أبسط حقوق الإنسان قد جرى منذ ستة عشر  شهراً – وما يزال يجري – انتهاكها من خلال إنزال عقوبات لا مسوغ لها إلا الظلم والاستعباد والاستبداد،

وإذا كانت أبسط حقوق الإنسان قد جرى انتهاكها منذ أيام حيث انتهكت قوى الأمن في رام الله ثلاث تجمعات سلمية احتجاجية، تأييداً لغزة وأهلها ضد العقوبات التي أنزلها الرئيس عليها ظلماً واستبداداً،

وإذا كانت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا قد وصفت إجراءات الرئيس العقابية ضد غزة بأنها "جريمة ضد الإنسانية"،

وإذا ... وإذا... وإذا... والقائمة تطول،  فماذا قال، أو ماذا يقول، أو ماذا يمكن أن يقول، ذلك الذي يمتشق وصفاً وعنواناً واسماً كبيراً ومهماً وخطيراً؟! إنه مستشار الرئيس عباس لحقوق الإنسان، الدكتور/كمال الشرافي الذي يحمل هذا الوصف وهذا العنوان وهذا المسمى الكبير والمهم والخطير؟!، أم أننا نسمع أوصافاً وأسماءً لا قيمة لها ولا وزن. ربما لم يفعل مستشار الرئيس لحقوق الإنسان شيئاً لأنه منشغل بوظيفته (الطارئة) رئيساً لجامعة الأفصى، ولكن هل نسي وظيفته الأصلية والمتصلة بالإنسان المنتهكة حقوقه دون خجل أو حياء تحت سمعه الذي يصمه وبصره الذي يغلقه؟! ألا يفكر الدكتور/ الشرافي أن رئاسته لجامعة الأقصى ما هي إلا وضع وقتي وطارئ لأسباب كثيرة أولها وأهمها أنه لا يجوز أن يكون رئيساً لجامعة أو مؤسسة تعليم عال، ذلك أن وجوده رئيساً لجامعة إنما هو أمر مخالف للقانون حيث يشكل ذلك انتهاكاً صارخاً وفاضحاً لقانون التعليم العالي، لا سيما وإن هذا الرئيس الطارئ على المؤسسة الجامعية لم يكن يوما واحداً من أكاديميها أو من أكاديمي سواها من المؤسسات الجامعية سواء داخل فلسطين أو خارجها، فهو لا ينتمي إلى سلك التدريس الجامعي الأكاديمي من ناحية، ولا يحمل درجة الدكتوراة في أي تخصص على مستوى مراتبها الثلاث (أستاذ مساعد/ أستاذ مشارك، أستاذ) من ناحية أخرى، ولأن وجوده الآن على رأس جامعة الأقصى يشكل خرقاً كبيراً للأنظمة والقوانين والأعراف والتقاليد الجامعية، فإن من الأجدى له والأفضل والأعدل أن يتنبه إلى (مستشاريته لحقوق الإنسان) عسى أن يثبت لنفسه ولغيره أنه على قدرها وفي مستواها وأنه يحقق إنجازات عبرها ويصنع اسمه بفعله من خلالها، وليس من خلال جامعة هو دخيل عليها وعلى منتسبيها من المراتب الثلاث، حيث لم يكن في يوم من الأيام – ولن يكون - أستاذاُ فيها أو في غيرها لأنه لا يملك ما يؤهله لذلك.

ما الذي نراه، في أيامنا هذه، يا قوم؟!

إن بعض خلق الله يتصورون أنهم قادرون على ركوب كل الكراسي وعلى إدارة كل المواقع وعلى إنجاز كل المهمات! أولئك هم الذين لا يدركون أن إعجاب الإنسان بنفسه ليس إلا دليلاً على صغر عقله وضحالة فكره. أولئك هم المعجبون بأنفسهم، الذين يرون كل الناس دونهم، وهم الذين قال الشاعر فيهم:

                        مثل المعجب في نفسه       كمثل الواقف في رأس رجل

                         ينظر الناس صغاراً       وهو في أعين الناس صغيرا لم يزل

رحماك ربي!

أما آخر الكلام، فهلاَّ أحسن مستشار الرئيس عباس لحقوق الإنسان صنعاً لو تفكر في قول الشاعر:

                وليس يزدان بالألقاب حاملها        بل يزدان باسم الحامل اللقب

 

بقلم: الدكتور/ أيوب عثمان

  كاتب وأكاديمي فلسطيني

  جامعة الأزهر بغزة

 "رئيس جمعية أساتذة الجامعات – فلسطين"