واضح أن هناك فشلاً في إعادة مياه المصالحة إلى مجاريها، وان كل طرف يتعنت ويكيل للآخر شتى أشكال التهم، بحيث نخرج بنتيجة مفادها "بقاء الحال على ما هو عليه" وان المتضرر الوحيد هو الشعب الفلسطيني وحده، وهو الذي يدفع الثمن. ولا يغيب عن أي عاقل ومتابع وحيادي، بان الشعب هو محرك الثورة وهو الأداة لأي مرحلة تحرر ونضال، وان سحقه وحصاره يصب في صالح الاحتلال الإسرائيلي، لذا، فان المقترب الذي تتبعه السلطة الفلسطينية من اجل التأثير على حماس والضغط عليها لتقديم أقصى قدر ممكن من التنازل من اجل إعادة فرض سيطرة السلطة ونفوذها على قطاع غزة لا يبدو بأنه قد يؤتي أكله. وخاصة أن حماس تتأقلم على الظروف المعيشية الصعبة ويمكنها التعايش شهور وسنوات مع شتى أنواع الحصار.
صحيح، إن حماس في مأزق، سياسي، واستراتيجي، ومالي، وقد ارتكبت كثير من الأخطاء وما زالت وسوف تظل ترتكب إذا استمرت في حكم غزة بمفردها، وهكذا يفعل أي حزب يتفرد بالسلطة دون منافس اومعارض.. ولكن وجود حماس في قطاع غزة والتي تحاذي "إسرائيل" يعطيها قدر كبير من الأمل والمناورة، فلو أنها في مكان ما كالعراق او دولة افريقية، لكان الحسم تجاهها أكثر سهولة. ولكن كونها جزء من معادلة في المنطقة فالأمر أصبح يختلف.
عام وأكثر على مثل هذه السياسة، ولم يتحقق شيء، وما يلفت الانتباه الآن، هو أن الصوت بدأ يخرج خارج إطار حدود غزة، فأصوات جديدة انبعثت من داخل الضفة الغربية تطالب بإنهاء الإجراءات العقابية وإعادة رواتب الموظفين الذين هم عصب الحياة الاقتصادية في قطاع غزة، واحتجاجات من الجاليات الفلسطينية ومعهم متعاطفين من دول أخرى بدأت تحتشد وتتظاهر أمام السفارات الفلسطينية للمطالبة بإنهاء الإجراءات العقابية. (هذه مؤشرات خطيرة)
على عكس التوقعات، أي بان تخرج هذه المسيرات والاحتجاجات ضد حماس في غزة، أزاحت مسيرة العودة في قطاع غزة حبل المشنقة عن حماس لفترات طويلة، وبدأت تداعيات الحصار والإجراءات العقابية ترتد لملعب السلطة الفلسطينية، وانطلقت المسيرات والاحتجاجات داخل الضفة الغربية،، ما يجعلنا بأمانة وباقتدار بان ننصح بتغيير هذا المقترب في أسرع وقت، وان نسمح للوسيط المصري بان يضغط بثقله كله من اجل التأثير على قطاع غزة لكي تعود حكومة الوفاق في أسرع وقت، لان عودة السلطة من بوابة حكومة الوفاق هو المقترب السليم، ومن بوابة مساعدة غزة وإعادة رواتب الجميع، ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي متحدين، هذا هو المقترب الفعلي والسليم والذي سيحظى باحترام المجتمع الدولي، والذي باتت غزة غير "إرهابية" في نظره، بل بات الغرب يعقد مؤتمرات من اجل دعم غزة واغاثتها.- والخطورة في ذلك ان الدول العظمى قد تتجاوز السلطة الفلسطينية في هذا المسار-.ويمكن الوصول الى شكل حكم متفاهم عليه، وإجراء الانتخابات في وقت مناسب يكون فيه شكل الحكم تماما كما في المغرب او الجزائر، ويكون الجميع ممثلا داخل النظام السياسي، ويعمل الجميع وفق إليه نظام سياسي واحد.
ننصح بكل أمانة بضرورة إعادة الأمور لطبيعتها، والتراجع عن جميع الإجراءات العقابية، وتوحيد السلطة في الضفة وغزة، بأي ثمن، لان ملامح الانقسام بدأت تترسخ حتى في الخارج، فقد أصبح لكل حزب شعبيته وداعميه وجاليته، وأصبح للجاليات مؤسسات خاصة منفردة بعيدة عن السلطة، بل بعضها على اتخذ خط عداء مع السلطة نتيجة لما يحدث في الداخل من استمرار حدة التناحر والعداء. إن لغزة شعبية كاسحة في صفوف الشعوب العربية ومنها الجزائر وتونس والمغرب ودول الخليج، ومن يعادي غزة يخسر لا محالة. ولا يمكن الاستمرار بهذه السياسة العنصرية الاقصائية لأجل غير مسمى، لان النتائج ستكون غير مرضية. وقطاع غزة يرحب وينتظر عودة حكومة الوفاق لتمارس عملها، ولتعيد اللحمة والوحدة لهذا الشعب الذي يقدم كل يوم تضحيات جسام.
كتب فهمي شراب
كاتب ومحلل سياسي
فلسطين- غزة