يُحدثني أحد أصدقائي المؤمنين بفكرة الرباط والعيش في أرض فلسطين، وهو من أشد المعارضين لفكرة الهجرة، والهروب خارج أسوار الوطن، لأن يقينه الداخلي يقول: "أن هذه البلاد أفضل من غيرها"، فاجئني ذلك الصديق منذ يومين برغبته الملحة في السفر والهجرة خارج أسوار القطاع متسلحاً، بالقول الذي نعرفه جميعاً، " اطلبوا العلم ولو كان بالصين"، ومتذرعاً بأن الذين لبوا نداء العلم وطلبِه في الصين عادوا إليها مهاجرين لعدم تمكنهم من تحقيق أحلامهم داخل أسوار وطنهم.
هجرة العقول والخبرات وخريجي الجامعات وحَملة الشهادات العُليا، خارج أسوار الوطن، باتت مؤخراً ظاهرة يشهدها سكان قطاع غزة بشكل ملحوظ، في ظل عدم توافر الفرص للعديد منهم للالتحاق بسوق العمل وأخد دورهم في بناء وتنمية المجتمع.
في أحدث الدراسات السكانية التي أشرفت عليها منظمة الإغاثة الإسلامية في قطاع غزة، أظهرت تلك الدراسة التي حملت عنوان "واقع التجمعات السكانية الأكثر هشاشة في قطاع غزة 2017/2018 ". أرقام صادمة حول نسبة الهشاشة الاقتصادية والبيئة والتعليمية والصحية والحماية، في قطاع غزة، حيث اشتملت الدراسة على توفير وعرض بيانات تفصيلية حول حالة الهشاشة لعدد 116 تجمع سكاني ذو مستوى هشاشة فوق متوسطة، حيث يسكن هذه التجمعات حوالي 327.000 نسمة أي ما نسبته 16% من سكان قطاع غزة.
وعرضت الدراسة أهم خصائص الهشاشة المتعلقة بهذه التجمعات السكانية، وكشفت الدراسة أن 93 تجمع سكاني غير موصولة بشبكات الصرف الصحي، و19 تجمع سكاني تنتشر فيها ظاهرة عمالة الأطفال، و21 تجمع سكاني تنتشر فيها ظاهرة العنف ضد النساء، و52 تجمع سكاني لا يوجد فيها مراكز رعاية صحية أولية و39.3% من الأسر يفتقرون إلى الرعاية الصحية الأولية، و51 تجمع سكاني عرضه لخطر الفيضانات في فصل الشتاء، و67 تجمع سكاني لا يوجد فيها مدارس و46 تجمع سكاني لا يوجد فيها رياض أطفال، و22 تجمع سكاني تقع خارج نطاق نفوذ البلديات ويتم تزويدها بالخدمات الأساسية بشكل غير دائم، و87% من الأسر يفتقرون الوصول إلى مياه شرب آمنه، و28% من السكان في حاجة ماسة لمستلزمات النظافة و73% هم بحاجة إلى مساعدة طبية، و68.5% من الأسر تحت عتبة الفقر، و93.1% من الأسر يفتقرون الوصول إلى أماكن مخصصة للأطفال و76.7% من الأسر يفتقرون الوصول لخدمات التعليم ودروس التقوية، و62.3% وجود مكاره صحية / بيئية، و61.2% من الأسر يفتقرون إلى خدمات الصرف الصحي الأساسية.
وتنبع أهمية الدراسة من شموليتها حيث انها اشتملت على مسح شامل لحالة الوصول للخدمات للسكان في جميع التجمعات السكانية في جميع محافظات بالتنسيق مع البلديات والمؤسسات الأهلية والقاعدية والوزارات ذات العلاقة، ويمكن أن تمثل هذه الدراسة نقطة انطلاق لتصميم تدخلات فعالة لمعالجة أسباب الهشاشة في التجمعات السكانية الأكثر هشاشة بالتنسيق والتكامل بين المؤسسات الفاعلة في كل محور.
ومن أهداف الدراسة أنها تسعى لتقديم بيانات تساهم في التعرف على التجمعات السكانية الهشة في قطاع غزة وماهية ومستويات الهشاشة فيها، والمساهمة في زيادة كفاءة آليات الاستهداف وفاعليه التدخلات الإنسانية والتنموية المقدمة للتجمعات السكانية الأكثر هشاشة.
وتقوم دراسة التجمعات السكانية الأكثر هشاشة في قطاع غزة على تحديد التجمعات السكانية الموجودة في قطاع غزة والتي تعتمد الدرجة الأولي في الحصول على الخدمات الأساسية لأفرادها من مزودي الخدمات من المؤسسات الحكومية وتتمثل في البلديات والوزارات الحكومية، والمؤسسات الدولیة والأهلة غیر الربحية مثل مؤسسات المجتمع المدني، والقطاع الخاص.
وقالت الدراسة، إن التجمعات السكانية، التي تعاني أفرادها من صعوبة في الحصول على خدماتهم الأساسية أو الحصول على خدمات لا تتناسب مع احتياجاتهم هي تجمعات مهمشة وأكثر انكشافاً للمخاطر وقد عانى أفرادها جراء ذلك من ظروف معیشیة صعبة وهم أكثر عرضة وانكشاف للمخاطر في الحالات ًغیر المستقرة حیث یتم وصف هذه التجمعات الهشة وأفرادها غیر قادرة على الصمود في الظروف غیر المستقرة.
في ظل ما سبق، تبدو الهجرة للكوادر والخبرات مبررة من وجهه نظرهم، ولكن الأغرب من ذلك هي حالة الصمت لدى الحكومة والمسئولين وقادة الفصائل الفلسطينية على تلك الحالة، وبصمتهم تكمن المشكلة، لأن تناحرهم السياسي وعدم الوصول إلى رؤية وطنية موحدة هي السبب الحقيقي وراء تزايد حالات الهجرة والهروب من واقع مؤلم يعيشه سكان القطاع، وخاصة الشباب منهم.
أشرف أبوخصيوان "*"
كاتب وصحفي فلسطيني
[email protected]