تركيا في صدارة الدول الديمقراطية قولا وممارسة

بقلم: حنا عيسى

الديمقراطية ليست شعارا تباهت به تركيا بل ثقافة أولا وقبل كل شيء

(ان الديمقراطية الحديثة في الجمهورية التركية ليست عقيدة تنافس غيرها من العقائد أو الأديان.كما إنها ليست مجرد آلية لأية عقيدة , وإنما هي منهج ونظام حكم يتأثر مضمونه بالضرورة , باختيارات المجتمعات التي تطبق الديمقراطية فيها)

 

تعتبر الانتخابات التركية الاخيرة التي جرت يوم الاحد بتاريخ 24/6/2018م من مهامها المركزية هي ترسيخ الديمقراطية السياسية في المجتمع التركي كمطلب ضروري وهام لاستقرار البلد و تطوير نظامه السياسي والاجتماعي والاقتصادي من جهة أولى وهي نتاج كفاح الجماعات والطبقات العاملة في تركيا التي استطاعت أن تؤسس لمرحلة جديدة من مراحل التطور,الذي كفل الحريات والحقوق العامة في التشريع والمساهمة في إدارة الحكم في ظل العدالة القانونية والمساواة السياسية من جهة ثانية و الديمقراطية السياسية تنتج برلمان منتخب بواسطة الشعب الذي يمثل الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية ,ومدى احترامها للحريات العامة و تحقيق المساواة السياسية و الاجتماعية في المجتمع من جهة ثالثه و النظام الديمقراطي السياسي يهدف إلى مساهمة اكبر عدد من الأفراد في الحكم بطريقة ديمقراطية مباشرة أو غير مباشرة من جهة رابعة وقد تحولت الديمقراطية من مبدأ الفلسفة إلى التطبيق بعد هذا الفوز الساحق للشعب التركي مستندا على " مبدأ سيادة الأمة " وبذلك خرج المبدأ الديمقراطي السياسي من النطاق النظري إلى النطاق العملي من جهة أخيرة .

فخصائص النظام الديمقراطي في تركيا يكمن في النقاط التالية :

- ترسيخ مبدأ المشروعية, أي أن السلطات والمواطنين يحترمون الدستور ويرجعون إلى الفضاء لحل الخلافات.

- تصان الحريات العامة للمجتمع, منها ( حرية التعبير والعقيدة وحرية الاجتماع و الصحافة ).

- ينتخب الشعب ممثليه عن طريق انتخابات عامة.

- ضمان عدم الجمع بين السلطات الثلاث ( التشريعية والتنفيذية والقضائية ).

- تصان حقوق المعارضة .

ان الديمقراطية التركية ليست شعارا تتباهى به بل ثقافة أولا وقبل كل شيء, تمكن الشعب في فهم أسسها ومبادئها على حقيقتها, ثم ممارستها, لان الفهم الذي لا تليه ممارسة لا يخدم الديمقراطية ولا يعمل على نجاحها.الوعي يتطلب تربية وخبرة, وربما نجاح النظام الديمقراطي عند الدولة التركية وفشله عند الدول المتخلفة يدلان على الخبرة والتجربة الطويلة التي اكتسبها الأولى في الميدان.

وغياب التجربة ,أو قصر عمرها عند الثانية . التربية تتمثل في غرس الفضيلة في صدور الأطفال, المتمثلة في حب الوطن و احترام القانون.أذا كانت الديمقراطية تمنح الإفراد حق التعبير عن الرأي وممارسة السياسية فانه يجب أن تعلمهم حب الوطن واحترام قوانينه, الردع الوحيد الذي يحميها من الانزلاق نحو صراعات تفوت المصلحة الخاصة قبل العامة , وحب النفس قبل الوطن .

وعلى ضوء ما ذكر أعلاه , فان الديمقراطية الحديثة في تركيا ليست عقيدة تنافس غيرها من العقائد أو الأديان.كما إنها ليست مجرد آلية لأية عقيدة, وإنما هي منهج ونظام حكم يتأثر مضمونه بالضرورة, باختيارات المجتمعات التي تطبق الديمقراطية فيها . ولهذا أصبح من الممكن للديمقراطية إن تقبل في مجتمعات تختلف فيها العقائد والأديان والمذاهب. لذا , فان الأحزاب و التنظيمات و الحركات بحكم التعريف العلمي هي منظمات تسعى للوصل إلى السلطة , بل ومن المحتمل وصول أي منها للحكم . ولهذا فإذا لم تكن تمارس الديمقراطية و تتداول السلطة داخلها وفيما بينها و لا تعكس عضويتها تنوعا مقبولا وطنيا ,فان نظام الحكم لن يكون ديمقراطيا , ويصعب استمرار تداول السلطة سلميا فيه عندما يكون التداول من النقيض إلى النقيض المتربص به .من هنا فان ممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب و في منظمات المجتمع المدني وفيما بينها ,وتركيبة العضوية فيها ,تمثل مقومات رئيسية من مقومات نظام الحكم الديمقراطي .فهذه هي الديمقراطية في المجتمع , وهذه هي الأساس للديمقراطية في الدولة أو الضمانة لسلامة الممارسة .

بقلم:د. حنا عيسى – أستاذ القانون الدولي