ما العمل؟

بقلم: الأسير منذر خلف مفلح

الأسير منذر خلف مفلح.jpeg

"ترامب" والادارة الامريكية عازمة على تحقيق صفقتها بعد ان اثبتت انها غير مبالية وآبهة بكل ما يجري خارج أروقة البيت الأبيض وأفكار رئيسه " ترامب" الذيأعلن القدس عاصمة"لإسرائيل" ونقل سفارته إليها، رغم كل الاعتراضات والاحتجاجات.

اوروبا المرتبكة من خطوات ترامب والعاجزة عن تقديم بديل جذري لسياساته والمتخوفة من تبعاتها لا يوجد لديها ما تقدمه.

الامة العربية منقسمة بين عراب للصفقة ومؤيد لها وصامت عنها، وآخرين تائهون في حدود ازماتهم وفسادهم وانعدام خياراتهم، والفلسطينيون منقسمون بين سلطة تائهة في الضفة راعها ما أقدم عليه "ترامب" وخاصة اسقاطها من حساباته السياسية باعتبارها ان السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية ممثلهم اقل من فاعل سياسي وبين مقاومة محاصرة في غزة تائهة بين الهم الانساني وتبعات الحصار الخانق، والصراع على مغانم سلطة رسمها الاحتلال على الورق، حيث لم تقدم السلطة الثورية كبديل، ولم تقدم المجتمع المقاوم عنواناً نضالياً.

والثوابت الفلسطينية على المحك، القدس خرجت من المعادلة واللاجئين الفلسطينيين نحو الخروج والوضع ملائم لتصفية القضية الفلسطينية بل هو الوقت الاكثر من مناسب لذلك ، ومشروع السلام افلس وتخلت الادارة الامريكية عن اسسه واسرائيل (بأحزابها وتياراتها تخلت عن حل الدولتين بما فيه الشريك حزب العمل الصهيوني) وما عاد أحد يتحدث الآن الا عن صفقة ترامب والدول العربية خاصة التي تتساوق مع الصفقة، لا بل ربما هي مساهم فاعل فيها، والفلسطينيين غير قادرين على المناورة او المبادرة في المجالين السياسي او الميداني وبطبيعة الحال ليس من الخافي الاسباب لذلك ولا النتائج، فالكل الفلسطيني مدرك لفداحة الوضع وما من ان يقدم خطوة للأمام على المستوى الوطني العام سوى مبادرات محلية تتمثل في احتجاجات، مظاهرات، اضرابات، مسيرات،، الخ من الحد الادنى من الاحتجاج ، ويبقى السؤال ما العمل مفتوحا دون اجابات ان ننتظر فعلاً شعبياً يقلب الطاولة كأن تتحول المبادرة الميدانية الوحيدة على الارض(مسيرات العودة) لفعل انتفاضي ولكن كيف السبيل لاستثمار ذلك في ظل الانقسام ؟ هل في بوادر الانتصار الذي نراه هل ستستمر القيادة الفلسطينية بسياسة الصمت الغامض؟ هل نعم او لا؟ حتى تعبر عن احتجاجها على الصفقة، وفي ذات الوقت تستمر في استدراج الدعم وضمان عدم انقطاعه حتى نجد ان الصفقة تمت ونحن صاغرين لنعود ونقول ان ليس في الامكان اكثر مما كان وطرح سؤال ما البديل بدلا من الاجابة على سؤال ما العمل حاليا، لا شك ان مسار التسوية و التساوق مع المشاريع الامريكية بدءاً من اتباع استراتيجية السلام وصولا الى اليوممروراً بمحطات "مدريد" و"أوسلو" وغيرها هي من أوصلنا إلى هنا مع ما يرافق ذلك لاسيما الثورة الفلسطينية وامتداد الواقع العربي والتفاوت في موازين القوة ولسنا هنا في وارد السرد التاريخي لِمى حدث ولتحميل المسؤولية لأحد، وإنما الاجابة عن السؤال الراهن "ما العمل؟"

أما وان أصحاب مشروع السلطة يرفضون التخلي عنه بأي ثمن، وأن أصحاب مشروع المقاومة يرفضون التخلي عنه أيضاً فإن العمل يكمن في حكمة المزاوجة بين المشروعين وإن كان فقط لأجل تجاوز عاصفة هذه الصفقة التي لم تبقى ولن تضر.

أما الشكل الاستراتيجي للإجابة عن السؤال تكمن في تجاوز الانقسام عبر منظمة التحرير الفلسطينية وشخص الرئيس الاعتبارية لاعتباره ممثلاَ للكل الفلسطيني، فقد آن الأوان للرئيس الفلسطيني أبو مازن اتخاذ خطوة جريئة عبر:

1.    نقل موقع ومقرات منظمة التحرير الى غزة فوراً والعمل على إعادة تشكيل قيادة مؤقتة تشمل الكل الفلسطيني بحسب المقررات السابقة (بيروت والقاهرة) وغيرها.

2.    تعيين نائب رئيس للسلطة على أن يكون بالتوافق ويكون رئيساً لحكومة السلطة، ويكون مقره الضفة الغربية والعمل على توزيع مقرات السلطة ووزاراتها في كل المحافظات وليس في رام لله أو غيرها.

3.    انتقال الرئيس باعتباره رئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية والكل الفلسطيني وللشعب الى غزة هو وكل طاقم القيادة الفلسطينية والفصائل ومقارها الرئيسية وكوادرها، وبهذا تصبح غزة مؤقتاً واستجابة للظرف السياسي مقر للفعل السياسي الفلسطيني، وهذا يؤمن الدعم لغزة وكذلك يؤمن الدعم للسلطة والمنظمة وذلك تحت اشراف مصر والدول العربية وتؤمن الفكرة القائلة بأن لا دولة في غزة ولا دولة بدون غزة، ويحافظ على الكيانية الفلسطينية في أدنى صورها من أجل أن تتشظى وتذوب.

4.    ان انتقال مركز الثقل السياسي الفلسطيني يدعم الموقف الفلسطيني في مواجهة صفقة "ترامب" ومؤامرة فصل غزة عن الضفة، ومن ناحية أُخرى بقاء السلطة ومراكزها الخدماتية والوزارية في الضفة يمنع فصل الضفة عن غزة، وهو الأمر الذي كان قد تنبأ منه القائد الراحل "ياسر عرفات" سابقاً حين أصر على أن تشمل صفقة "أوسلو" أريحا إلى جانب غزة.

5.    يؤمن عدم محاصرة قيادة منظمة التحرير والسلطة في الضفة وفرض الوقائع عليها، ويؤمن الاسناد العربي لها وخاصة من مصر.

6.    يؤمن اعمار غزة والدفاع عنها وانهاء الانقسام بفرض الأمر الواقع وإعادة تجميع القوى والفصائل الفلسطينية تحت سقف منظمة تحرير فلسطين ويؤمن لها بيئة جغرافية مناسبة للعمل.

7.    يسمح ببقاء السلطة في الضفة وضمان اتصالها مع غزة سياسياً ولاحقاً جغرافياً.

8.    يعطي سبل المناورة السياسية والميدانية في الضفة وغزة وبدعم عربي وخاصة مصر.

9.    يؤمن بيئة ضاغطة من أجل المصالحة وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني.

10.  يؤمن فرصة تاريخية للحوار الجاد وتطوير استراتيجية فلسطينية موحدة والأهم يعيد الاعتبار لمنظمة التحرير وموقع الرئيس الفلسطيني الذي سيلتحم بشعبه في غزة، فغزة ليست "حماس" وأهلها هم الشعب الفلسطيني وقواه وهم قيادات الفصائل مختلفة والعمل الوطني وهم الضمانة الحقيقية بوجود منظمة التحرير ورئيسها من أجل مواجهة صفقة "ترامب".

11.  قد تكون فرصة أخيرة من أجل انقاذ الوضع الفلسطيني وإعادة الاعتبار للدور العربي ممثلاً بمصر في الصراع السياسي ضد دولة الاحتلال، أما بقاء جزء مهم من السلطة في الضفة فهو ضامن لبقاء الرابط، ومن ثم فان الرئيس لديه القدرة والصلاحية للحركة بين الضفة وغزة بما يؤمن تعزيز الوحدة بينهما جغرافياً وسياسياً.

فهل يُقدِم الرئيس "أبو مازن" على خطوة جريئة كهذه؟ ويعيد المراهنة على شعبه وعلى منظمة تحرير فلسطين التي تشمل الكل الفلسطيني انطلاقاً من غزة واليها وصولاً الى الدولة على حدود 1967 وعاصمتها القدس بديلاً لصفقة "ترامب".

 

بقلم الأسير الصحفي منذر خلف مفلح