الدكتور فياض والعاصفة القادمة

بقلم: فراس ياغي

رياح التغيير هبّت على الشعب الفلسطيني في العِقدين ونيف الماضيين، فأتت لنا قيادتنا ومُمثلنا الشرعي ب "إتفاق أوسلو"، حينها لم نجلس لنراجع ونقيم مسيرتنا ونضع خطة لمستقبلنا، إنشغلنا في العودة للوطن وتطبيق الإتفاق وتحسين بعض شروطه بما يتعلق بشكل المؤسسه القادمه وطبيعتها، ومواجهة كل المحاولات التي مارسها البعض السياسي وعلى رأسه الإخوان المسلمين وفرعها في فلسطين "حماس" لتقويض الإتفاق وتحت مُسميات مختلفه أساسها أن فلسطين أرض "وقف" إسلامي وأن "المقاومه" هي العنوان لتحرير هذه الأرض...وبعد عِقد وإصبعان من الإتفاق أعلاه دخلت "حماس" المؤسسه الناتجه عنه وتحت عنوان تحويلها لمؤسسه "مقاومه" هدفها حماية "المقاوميين"...النتيجه إنقلاب عام 2007 والسيطره على غزة بإسم شرعية الإنتخابات، إسرائيل لحظتها وخلفها أمريكيا وقفتا تنظر وتراقب المشهد الجديد دون أي تدخل وبإسم أن ما يجري هو صراع بين "فتح" و "حماس".

ودارت العجله، والنتيجه، حصار وتجويع غزة وأربع حروب، وإنكشاف الدور السياسي والإنساني "القطري" المُنسق أمريكيا في ترويض جماعة الإخوان وعلى رأسها "حماس"، وتحضير الجيو-السياسيه الفلسطينيه للرياح الجديده القادمه والتي ستكون عباره عن عواصف شديده على كل المناطق الحَضرّيه العربيه في المشرق وشمال أفريقيا، هنا كان ما أُطلق عليه جزافاً ب "الربيع العربي"...

لقد تم خلق صراعات دمويه وتدميريه في المجتمعات العربيه ساهمت فيها بقوة جماعة الإخوان المسلمين بشكل مباشر وغير مباشر عبر تنظيمات إرهابيه تغطّت بالفكر والموروث الإسلامي والوهابي الدموي، وكان على رأسها ما سُميَ ب "داعش" و "جبهة النصره" والعديد من تفرعات تنظيم "القاعدة" الوهابي الإرهابي، وبإسم تغيير الأنظمة الديكتاتوريه، فتحالفت هذه التنظيمات الإسلاميه مع حلف شمال الأطلسي "الناتو" وبدأت عملية التدمير المُمنّهجه والمُمَوّله من دول "محطات البنزين" على شواطي الخليج العربي، الهدف، كان ولا يزال، تنفيذ سياسة أمريكيه- إسرائيليه تؤدي للسيطره التامه على كل مقدرات الأمه والشعوب العربيه وتجزيئها تحت عناوين مذهبيه وطائفيه تخدم بالأساس مفهوم "التمكين" الإسرائيلي وتدفن مفهوم القضية الفلسطينيه والحق الفلسطيني في الحرية والإستقلال.

اليوم، وبعد هذا كلّه، جاء وقت الحصاد، وبما أن المُعضلة إقليميه، فالحل يجب أن يكون إقليمي، فظهر علينا ما أسموه ب "صفقة القرن"، والحقيقه، أنها صفقة إقليميه، أساسها تغيير التحالفات وخلق عدو جديد، وإنهاء الحق الفلسطيني في الدولة والعودة عبر حلول إقتصاديه تشمل العديد من الدول القريبه والمحيطه وأساسها الجغرافي "غزة" شرط توسيع مساحتها وتحت مفهوم "تبادل" الأراضي، وبما يؤدي إلى إنهاء المطالبه الفلسطينيه بالضفة ككل والقدس الشرقيه بما فيها بلدتها القديمه، مع إبقاء مفهوم الحق "الديني" بما يشمل الوضع القائم حاليا من سيطرة للأوقاف الإسلاميه على الأماكن المقدسه الإسلاميه وحرية الوصول للصلاة في المسجد الأقصى وقبة الصخره.

الرّياح العاصفه قادمه لا محاله، والمعضله القادمه ليس في الموقف منها فقط، بل في طريقة التصدي لها فلسطينيا أولاً وعربيا ثانيا، وبدون موقف فلسطيني مُتقدم اساسه وحدة وطنيه لا يمكن أبداً الحديث عن موقف عربي، "أوسلو" جاء وعلى أرض الواقع إنتهى، واليوم متطلبات تقليل الحسائر تتطلب إعادة رسم الشكل والجوهر الفلسطيني بما يستدعي إنهاء الإنقسام وتفعيل دور الإطار "القيادي المؤقت" وفق إتفاق القاهره 2005، خارج الإطار الرسمي لمنظمة التحرير شرط أن يكون هذا الشكل القيادي هو الأساس في إتخاذ القرارات المصيريه وتحت عنوان التوافق، وقد طرح الدكتور "سلام فياض" رئيس مجلس الوزراء السابق وعضو المجلس التشريعي الفلسطيني خطة شاملة بهذا الخصوص، اساسها توحيد مؤسسات السلطه بالتدريج وتشكيل قيادة واحدة بالتوافق بعيدا عن مفهوم الإطار الرسمي الذي سينفذ القرارات الصادره عنه، وتحديد مرحلة إنتقاليه محددة السقف الزمني يعقبها إجراء إنتخابات رئاسيه وتشريعيه ومجلس وطني، وتُشرف عليها حكومة وحدة وطنية برئاسة شخصية توافقيه ووطنيه ولها علاقات دولية وإقليميه وقادرة على قيادة وبناء المؤسسة الفلسطينيه، أعتقد أن الدكتور "فياض" وخطته في هذا الوقت المصيري هما الأنسب والأصلح لمواجهة العاصفه القادمه دوليا وإقليميا، خاصة أن لقاء "هلسنكي" القادم بين رئيس الصفقات "ترامب" والرئيس الروسي "بوتين" قد يأتي لنا ب "يالطا" جديده يكون ضحيتها بالأساس الحق الفلسطيني والقضية الفلسطينيه، مقابل سوريا كامله ولبنان كامله وإيران خارجهما، أليس ما يسمى ب "صفقة القرن" هي صفقة إقليميه تشمل الإقليم ككل وليست القضية الفلسطينية فحسب، سوى الجزء الذي سيتم هدر دمه فيها.

بقلم/ فراس ياغي