الآن وبعد كل هذه السنين المليئة بالصراعات والمشاكسات والمناكفات والانقسام الغير مبرر ، فعلى جميع ألوان الطيف السياسي والوطني والإسلامي أن يلتفتوا إلى مصالح شعبنا أولا ، هذا إذا أرادوا للكينونة الفلسطينية الاستمرار والتطور والاستقلال ، وأن يوظفوا كل إمكانياتهم في خدمة المواطن الفلسطيني ، وأن ينشلوه من البؤس والعناء والشقاء والحرمان والفقر والجهل والبطالة ، ويوفروا لكل مواطن معيشة كريمة طيبة أينما كان ، فإن نجحوا في ذلك عندها سيكون وطننا قويا موحدا بشعبه وقيادته وفصائله وحكومته ، وسيأتي العدو قبل الصديق طائع وهو يتمنى ويتوسل في بناء علاقة متينة وصادقة مع فلسطين الجديدة الغنية والقوية ، وعندها سيفتخر الكل الفلسطيني ، أينما وجد وسيرفع رأسه شامخا ويقولها بأعلى صوته في كل مكان من العالم فلسطيني أنا وأفتخر.
تكرر جماهير شعبنا حديث مشهور ولكني في الحقيقة لم اعثر عليه في المصادر المعتبرة ، ولا حبذا من يعرف أين يجد هذا الحديث في المصادر يتفضل علينا بذكره لنا (وله الأجر والثواب) وهذا الحديث يقول (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) وما اقرب وحدة المعنى مع ارحموا الجماهير يرحمكم الله.
ليس في أفواه جماهير شعبنا الآن إلا كلمة واحدة موحدة ، عليكم بإنهاء الانقسام وبالحوار فالحوار سبيل أوحد لإنهاء الخلافات والأزمات ، ولا تخلقوا أي فرصه لأن ينفصل أي مكون من مكونات فلسطين ، بعد ان شعرت بالغبن والتهميش في إرادتها ، فبعد مؤتمر مكة الذي رعته المملكة العربية السعودية في فبراير 2007 ، كان طموح الجماهير آنذاك معول ومنعقد على المصالحة ورؤيتها الجادة للمشروع كبارقة أمل ، كانت المصالحة في رجوع اضطرادي بسبب عدم تطور واقعها على الأرض ولعدم وضوح نتائجها الجلية ، وخاصة بتزايد بياني واضح للاتهامات والتجاذبات بين الطرفين المنقسمين في الوطن ، فتعقد الوضع الفلسطيني بعد اتفاق مكة بأسابيع قليلة بتجدد الاشتباكات فيما بينهم ، وهو ما انتهى ما انتهينا له الآن ، ووصل الوطن إلى شفير الهاوية وهنا في وقت كان اشد المتفائلين ينادي في المصالحة ، أصبح اقل المتشائمين يعتبر (المصالحة) حبر على ورق لن يعد لها قيمة في الواقع الفلسطيني .
وفي ظل هذا الجو المحموم تم عقد العديد من المؤتمرات ومن بينها مؤتمر الوفاق الوطني للقوى الوطنية والإسلامية والسياسية الفلسطينية ووثيقة الأسرى ، والذي شهدت إقبالا كبيراً ونوعياً وحققت ايجابيات ملحوظة من ناحية الأطروحات والأفكار، ومن ناحية تبلور إيمان سياسي فلسطيني جماعي بجدوى فكر المصالحة في الخروج من عنق الزجاجة في الوطن ، بالتالي فإن المبادرات لاقت نجاحاً إعلاميا وسياسياً وجماهيريا كبيراَ على عكس ما كان ينظر له ، فنجاح المبادرات وتزايد الدعم الشعبي وعودة الروح لنبض الشارع تجاه فكر المصالحة ، انسجم مع تقديم الكثير من الدعوات من دول عربية ومنظمات مجتمع مدني نحو عقد مؤتمرات أخرى تكميلية أو غير ذلك وكلها تصب في حقل المصالحة ، فجاءت مبادرات كل من العاهل السعودي والأمير القطري والرئيس المصري والرئيس التركي وجامعه الدول العربية وأخيرا روسيا الخاصة بالمصالحة الوطنية ، والتي تحتاج الى المخلصين من أبناء الوطن لتفعيلها وتطوير بنودها وأهدافها ، وقد أعلنت العديد من منظمات المجتمع المدني وتجمعات أخرى وأعلنت عن مبادرات للمصالحة بموازاة المبادرة التي طرحها الدكتور سلام فياض رئيس الوزراء السابق والتي ينبغي الاستفادة من جميع المبادرات ومشاريع ومواثيق الشرف والمصالحة الأخرى المطروحة على الساحة ، واخذ النقاط المهمة والمفيدة والقابلة للتطبيق من المبادرات الأخرى التي يمكن معها تطوير مبادرة الاشقاء في جمهورية مصر العربية والصديقة روسيا لإثرائها وإغنائها بكل الأفكار البنَاءة.
علينا ان نؤكد ونركز على ان المصالحة والمصافحة ليست الهدف النهائي لهذه المبادرات بل الهدف الاسمي هو التآخي والتوحد حتى نصل الى شعب واحد موحد يُؤمن بحق كل مواطن فيه ويضع نصب عينيه خدمة الوطن والنهوض به الى مصافي الدول المتقدمة ونصل الى دولة مستقلة سلمية لا وجود فيها لانقلابات او مؤامرات أو انقسامات مرة أخرى.
ولأننا وطن منحه الله من عوامل التقدم والخيرات الوفيرة والغير متوفرة لكثير من الأوطان والأمم ولو نبذنا الإنقسام جانبا وتوجهنا الى اعمار الوطن ، فان فلسطين ستكون وفي خلال سنوات قليلة مضرب للأمثال.
نعم بلا شك إن المصالحة الوطنية تصب في خدمة الوطن وتحقن دماء أبناءه وتفشل جميع المؤمراة التي عزفت على وتر الحزبية والتكتلات الغير صحية والعودة الى الوراء ، فمن يقف مع المصالحة يقف مع الجماهير الفلسطينية بكل أطيافها ، ومن يتخلف يكون بالضد لهذه الجماهير ، إذن علينا ان نحدد بشكل واضح من هم الذين يريدون الخير والسلام ونشر المحبة ولغة الحوار البناء في ظل نظام ديمقراطي يحفظ للجميع حقوقهم الوطنية دون أي تمييز بغض النظر عن انتمائهم الحزبي والديني ، وتحمل المسؤولية على أساس الكفاءات التي تضمن رقي الوطن والسير به الى الأمام.
في الختام نقول ان مشروع المصالحة الوطنية يصب في مصلحة هذا الوطن وتقدمه وازدهاره والدليل على ذلك ان هذه المصالحة مؤيدة من الشرفاء والمخلصين من أبناء الوطن الغالي وبالتالي نعم هي لنا وليس علينا.
ومضة أخيرة:.
ارحموا من في الأرض، لان الجماهير أصبحت بركان من ثورة غضب ولا يعلم أحد متى يمكن إن يثور هذا البركان.
بقلم / رامي الغف*
*إعلامي وباحث سياسي