نصائح للطلاب بعد التوجيهي 2018

بقلم: فهمي شراب

لا شك بان مرحلة ما بعد الثانوية العامة فيها كثير من الحيرة والارتباك والتفكير متعدد الاتجاهات والأبعاد، وبان الطالب يحتاج فيها إلى استشارة ذوي الخبرة والمعرفة لكي يتخذ القرار المناسب، و ليتقدم بناء على ما يمتلكه من قدرات ومعدل، ورغبة في إكمال تخصصه الذي يرى بأنه سينفعه في حياته الخاصة، وسيبدع فيه، وسينفع من خلاله مجتمعه الذي يعيش فيه.
والطالب المحظوظ هو من يجد من يسدي له النصح، لأنه (ما خاب من استشار وما ندم من استخار) "الحديث". فعليه سؤال الراسخون في العلم، الذين شقوا طريقهم للنجاح باقتدار، وان يسدد ويقارب ويختار الأفضل والمناسب له، مع نظرة واقعية على سوق العمل، حتى تزداد فرص الطالب لاحقا في الوصول لوظيفة لائقة.
وما يجب أن يركز عليه الطالب حين يبدأ خطواته الأولى أن يجعل هدفه تحصيل أقصى قدر من المعرفة والعلم، في تخصصه، وفي مساقات المتطلبات الجامعية، وهي مواد متنوعة يغلب عليها طابع الثقافة العامة، وان لا يفتح نوافذ عقله لهواجس ومخاوف شح الوظائف والوقوع في مستنقع الواقع الحالي. إذ، هذا الواقع الانقسامي البغيض هو استثنائي وان طال أمده، فلو انتهى الانقسام، سيتغير كل شيء ويتحول هذا الواقع إلى واقع أفضل في أسابيع أو أشهر معدودات، حيث إننا نعيش في بلد عربي رجعي، تسيطر فيه السياسة على الاقتصاد، على عكس دول العالم المتقدم الذي تكون فيه الأولويات والاهتمامات للاقتصاد والتنمية والتقدم والازدهار، وتأتي السياسة تابعة لكل ما سلف، وخادمة، ووسيلة لتحسين مستويات المعيشة وتطوير الإنسان.


فلو أن المصالحة تحققت، - وهو أمر ممكن في أي لحظة كما حصل في عدة بلدان- فان البلد سيكون في حاجة ماسة للقدرات والكفاءات العلمية والعملية، وستفتح الأبواب على مصراعيها للوظائف، حيث سيسافر كثير من الخريجين بناء على اتفاقيات سابقة للسلطة الفلسطينية مع عدة دول خليجية، والتي تضمنت سفر عدة آلاف من الخريجين لسنوات محددة ليلتحقوا بسوق العمل الخليجي، وعدة آلاف أخرى سيتوجهون إلى العمل داخل أراضي 48، وبناء على إنهاء الانقسام المتوقع في أي لحظة، فان رؤوس الأموال الفلسطينية ستبدأ في العمل داخل قطاع غزة، التي ستشهد استقرارا سياسيا واقتصاديا لاحقا، وستكون هناك حاجة ماسة لاستيعاب أعداد كبيرة من الخريجين، كما كان قبل الانقسام 2007، وستحتاج الشركات إلى مؤهلين وحتى مجموعة الإنشاءات التي ستقوم تحتاج إلى كل العمال والمهنيين والتقنيين، وستتحسن الأمور الحياتية في وقت قصير.. لذا نرجع لنؤكد أن على الطالب أن لا يقضي وقته أثناء دراسته بالتفكير الميتافيزيقي عن الوظيفة وصعوبة توفرها، بل يركز على تحصيل كل ما يمكنه بنفسية مطمئنة هادئة، وان يتعلم ما سوف يخدمه في قادم الأيام، أما التفكير في الوظيفة والاستعداد لها فيكون في آخر شهور دراساته، وان يدرس ويتمكن من اللغة الانجليزية، لأنها ما زالت لغة العلم، وجميع الأمم تترجم عن الانجليزية، ولان اللغة لا يمكن تعلمها في "كورس" يتيم، حيث إنها معرفة و ثقافة يتم اكتسابها ضمن عدة سنوات ومراحل ومساقات متنوعة. ولان اللغة بوابة للدخول في عوالم أخرى ومحفز للقبول في أي وظيفة. وأيضا تأتي رافعة للمعدل.

فالطالب عليه أن يكون طالب علم أولا، وان هذه السنوات الأولى هي الأهم لتشكيل شخصيته العلمية وبلورة الكاريزمة المهنية العملية له، وكثير من الذين حصلوا على معدلات منخفضة حول 60 % مثلا، اجتهدوا وتفوقوا وأبدعوا في سنوات الجامعة، وكسبوا محبة أساتذتهم ولاحقا مدرائهم ومسئوليهم في العمل بسبب روحهم الجميلة وأخلاقهم العالية وتفانيهم في العمل، بل فاقوا أصحاب الامتياز، فالشخصية العلمية مكونة من قدرات صبر وتحمل واجتهاد حسن استماع وحوار مشترك، وعدم التصلب في الآراء والمواقف، وصوابية الهدف، والعمل عليه مهما كانت خطواتنا بطيئة، وان الناس جميعاً تحترم أصحاب الأخلاق الرفيعة من المتعلمين، وهذه الصفة التي يكتسبها طالب العلم الحقيقي، وفي كثير من الأحيان ننال بأخلاقنا ما لم نستطعه بتقديراتنا ومعدلاتنا العالية، فالأخلاق تتأتى عبر مرحلة تعلم حقيقية، فكثير من الذين تم اختيارهم للوظيفة شفعت لهم مسموعاتهم الطيبة وأخلاقهم عند السؤال عنهم والتحري عن سلوكهم. فالسمعة الطيبة هي رأس مال إضافي للطالب الباحث عن تحقيق أهدافه النبيلة. فأصحاب السلوك غير المهذب و العثرات الكثيرة، يتردد الكثيرون في تعيينهم، وحتى في تزويجهم، أو حتى مجالستهم، وما يفعله الطالب الآن سيحاسب عليه لاحقا، وسيحدد مستقبله، فاكتب بماء الذهب مستقبلك من خلال واقعك الحالي وأيامك الحالية التي تعيشها الآن أيها الطالب العزيز.


  فهمي شراب*

*كاتب- وأستاذ في الجامعات الفلسطينية
-نشر بالتزامن في موقع النجاح الإخباري