بالرغم من الانخفاض الشديد في أعداد المهاجرين واللاجئين الذين يصلون إلى إحدى بلدان الاتحاد الأوروبي خلال الشهور الأخيرة، حيث بلغت نسبة التراجع 94 في المئة عما كان الحال عليه في الأعوام الماضية وخاصة العام 2015 حين دخل حوالي مليونين لاجئ إلى دول الاتحاد كما صرح المسؤولين في البرلمان الأوروبي، إلا أن الضجة التي تثار حول ملف اللاجئين والمهاجرين لا تستكين، بل تحولت إلى قضية تجاذب سياسية بين مختلف الأحزاب الأوروبية يمينها ويسارها، وصلت إلى حد تحولها إلى أزمة باتت تهدد الوحدة الأوروبية ذاتها.
مع إن الدول الأوروبية فرضت قيوداً متشددة للحد من وصول اللاجئين إلى أراضيها بطرق غير شرعية، حيث تعتبر هذه الإجراءات هي الأشد والأكثر قسوة في تاريخ معالجة الاتحاد الأوروبي لهذه القضية، لكن هذا الملف تحول إلى مادة مثيرة لوسائل الإعلام المختلفة. ووجدت فيه الأحزاب اليمينية المتطرفة الذريعة التي تنتظرها كي توسع نفوذها وسط شرائح جديدة ومتعددة في المجتمعات الأوروبية، لأهداف انتخابية للوصول إلى البرلمانات، من خلال نشر ثقافة الخوف بين الأوروبيين من القادمين لسرقة وظائفهم، هؤلاء الوافدون من خلفيات عرقية وإثنية مختلفة وهو ما يهدد النسيج الاجتماعي ويشوه الهوية الثقافية الأوروبية كما يدعون، والمغالاة في تصوير الخطر القادم من المسلمين عبر توجيه خطاب عنصري شوفيني من قبل قادة الأحزاب اليمينية المتطرفة في فرنسا وهولندا وإيطاليا، واليونان والمجر وبولندا وبلغاريا وبلجيكا، وبصورة اقل في ألمانيا والسويد والدانمرك.
حزب الرابطة الإيطالي العنصري يدعو إلى طرد نصف مليون مهاجر غير شرعي من إيطاليا، ويرفع شعارات "لن تصبح إيطاليا مخيم اللاجئين الخاص بأوروبا" وقال زعيم الحزب "سالفيني" الذي يشغل حالياً منصب وزير داخلية إيطاليا موجهاً كلامه إلى سفن منظمات المجتمع المدني المنتشرة في المتوسط والتي تقوم بإنقاذ المهاجرين في عرض البحر أن هؤلاء المهاجرين "لن يروا إيطاليا إلا في البطاقات السياحية" ودعا إلى تشكيل رابطة أوروبية موحدة تجمع الأحزاب اليمينية العنصرية في أوروبا للدفاع عن "شعوب أوروبا وحدودها" كما قال. وبالرغم من الانتقادات التي وجهت له ولسياساته حول الهجرة أكد أنه لن يتراجع عنها.
ما هي حكاية اليمين
اثناء الثورة الفرنسية في العام 1789 وفي إحدى اجتماعات الجمعية الوطنية الفرنسية، تم استبدال الجمعية بمجلس تشريعي، فجلس الرافضين للتجديد والمؤيدين للملك والمدافعين عن الدستور على يمينه، بينما جلس على الجهة اليسرى مؤيدو الثورة والمجددون.
لكن مصطلح اليمين واليسار بمفهومه الأيديولوجي لم يظهر إلا في بداية القرن العشرين، حيث تبلورت المفاهيم السياسية وأصبحت تصاغ بطريقة ممنهجة. فأصبح اليساريين يصفون أنفسهم على أنهم "جمهوريين" وصار اليمينيين يصفون حالهم "محافظين". خلال الحرب العالمية الأولى التي بدأت في العام 1914 أصبحت جميع القوى والأحزاب الاشتراكية والجمهورية والراديكالية في الجلوس بالجهة اليسرى للمجلس التشريعي الفرنسي.
يتبنى اليمين عادة الخطاب المحافظ الذي يدعو إلى إصلاح متدرج، مع المحافظة على كل ما هو عناصر موروثة، ويؤمن اليمين أن هناك فروقات شخصية واجتماعية بين البشر، ويعتنق أفكار تحارب التجدد، وترفع شعارات حرية الأسواق والتجارة والملكية الفردية.
بينما اليسار يؤمن بمفهوم العدالة الاجتماعية والمساواة، يعترف بالتقسيم الطبقي لكنه يناضل لأجل إلغائه، يدعو إلى التغيير والتجدد، وإلى وضع ضوابط لحركة الأسواق والتجارة.
اليمين ليس جميعه يميناً منسجماً، نجد اليمين إلى يمين الوسط واليمين المتطرف. يعرف عن يمين الوسط تبنيه لبعض السياسات الاجتماعية، وانفتاح محدود للتغيير في حدود ضيقة، إذ أنه ليس يميناً محافظاً بالكامل. فيما يتعلق باليمين المتطرف فإنه يغالي في خطابه الذي يعتمد في الأساس على مبادئ اليمين المحافظ.
أيضاً لليسار تصنيفات، هناك يسار الوسط الذي يتبنى بعض السياسات الليبرالية، واليسار الراديكالي الذي يؤمن بالصراع الطبقي وضرورة التغيير الجذري.
بعض المفكرين الغربيين يعتمد تصنيف الأحزاب الأوروبية إلى " شيوعية، اشتراكية، خضراء، ليبرالية، ديمقراطية مسيحية، محافظة، يمين متطرف" ارتباطاً بالموقف من ملكية وسائل الإنتاج، والموقف من الأوضاع الاجتماعية كمقياسين أساسيين. وهناك من يعتمد معايير تقسم الأحزاب بناء على موقفها من الفرد أو الجماعة، مثل " الليبرالية الفوضوية واليمين المسيحي"، إلا أن أكثر التقسيمات شيوعاً هي التي تعتمد على تصنيف اليمين واليسار والتفرعات بينهما.
اليمين المتطرف، هو ما توصف به بعض الأحزاب الأوروبية التي تتقاطع فيما بينها في عدة نقاط أهمها إظهار العداء للمهاجرين، وسعيها لوقف الهجرة إلى الدول الأوروبية، حيث أن هذه الأحزاب تعتبر ان هؤلاء المهاجرين يهددون الهوية القومية الأوروبية – وهذا الموقف يتعلق برؤية هذه الأحزاب للإسلام والمسلمين الذين لا يؤمنون بعلمانية المجتمعات الأوروبية- وكذلك يتهم هذا اليمين المهاجرين أنهم السبب الرئيسي وراء ارتفاع معدلات الجريمة وانتشار الجريمة، وأنهم يستغلون مزايا الرفاه الاجتماعي المتوفر في الدول الأوروبية دون أن يقدمون المقابل.
وتشترك هذه الأحزاب فيما بينها برفضها لسياسات الاندماج الأوروبية، وتعارض تشريع القوانين الديمقراطية الاجتماعية المدنية، وتدعوا إلى تخفيض الضرائب، والتشدد في العقوبات في مواجهة الجريمة، وهي لا تبدي اهتماماً بقضايا البيئة، ولديها موقف عدائي من الأقليات والأعراق الأخرى.
أهم الأحزاب الأوروبية اليمينية المتطرفة
حزب الجبهة الوطنية الفرنسي:
بزعامة "مارين لوبان" ابنة مؤسس الحزب "جان ماري لوبان". الحزب تأسس العام 1972، وحقق في الانتخابات المحلية الأخيرة العام 2017 على ما نسبته 25 بالمئة من الأصوات.
حزب من أجل الحرية الهولندي:
أسسه المتطرف "جيرت فيلدرز" العام 2006 الذي أنتج فيلم "فتنة" المسيء للإسلام. حصل الحزب على 24 مقعداً برلمانياً من أصل 150 في انتخابات 2010، وله 5 مقاعد في البرلمان الأوروبي.
الحزب الوطني الديمقراطي الألماني:
تأسس في العام 1964، وينشط في الولايات الشرقية، وفي العام 2013 تم تأسيس حزب "البديل من أجل ألمانيا" الذي حصد سبعة مقاعد في البرلمان الأوروبي العام 2014. وظهرت حركة "بيجيدا" محتصر لاسم أوروبيين وطنيين ضد أسلمة الغرب.
حزب الاستقلال البريطاني:
تأسس كحزب مناهض للاتحاد الأوروبي العام 1993 وهو معروف باسم "يوكيب". وحصل على مقعد في البرلمان البريطاني في العام 2014 ويتزعمه "نايجل فاراج".
حزب رابطة الشمال الإيطالية:
حزب سياسي إيطالي، يتطلع إلى فصل منطقة بادانيا بشمالي إيطاليا، معروف بنزعته العنصرية، وعداوته للمهاجرين. تأسس الحزب في العام 1989. معروف بعدائه الشديد للمسلمين.
الفجر الذهبي في اليونان:
حزب يوناني متطرف، اسسه " نيكولاوس ميخالولياكوس" في العام 1980، بدأ تنظيما نازيا وانتهى حزبا سياسيا له شعبية ومؤيدون. شكلت الأزمة الاقتصادية التي ضربت البلاد أحد أسباب صعوده. وقد شن أعضاؤه ومناصروه مئات الهجمات على الأجانب في اليونان.
حزب الحرية النمساوي:
تأسس في العام 1956، له ماضي نازي، يتزعمه الفاشي "هاينز كريستيان شتراهي" المشهور بعدائه للإسلام والمسلمين، ويتبنى خطاباً نارياً ضد المهاجرين.
حزب أتاكا في بلغاريا:
أسسه "فولان سيديروف" في العام 2005. وهو حزب يميني متطرف، يعتبر أن الأقليات العرقية في بلغاريا – الأتراك، الرومز، الغجر- لا يستحقون مساواتهم مع المواطنين البلغار، ويعارض الحزب انضمام بلغاريا لحلف الناتو، وينادي بعودة الكنيسة ليكون لها دور أكبر في الحياة العامة. لديه سياسة معادية للمهاجرين.
حركة يوبيك في المجر:
وهي جماعية يمينية متطرفة تشكلت في العام 2015 في بودايست. تتبنى خطاباً عنصرياً متشدداً صريحاً ضد الهجرة وضد اللاجئين، يعادي الحزب كلاً من العرب والأفارقة والغجر، ويقول أحد زعماء الحزب "بالاش لاسلو" " يجب أن يأتي مجتمعنا العرقي أولاَ، لا توجد مساواة".
حزب المصلحة الفلاندرية في بلجيكا:
تأسس في العام 1979 ويطالب في انفصال إقليم "فلاندريا" في بلجيكا، يتمدد ويحقق نجاحات في الانتخابات البلدية. الحزب يميني قومي متعصب، يعادي اللاجئين ومعادي للإسلام والمسلمين.
وحزب اليمين الجديد في بولندا:
حزب يميني قومي عرقي تأسس العام 2016، ويطالب بولندا بالخروج من الاتحاد الأوروبي، يدعو لإعادة عقوبة الإعدام، يرفع لافتات عنصرية واضحة مثل "أوروبا البيضاء" و "الدماء النقية". حزب معادي للمهاجرين وللأقليات.
حزب الأحرار في النمسا:
يرفع شعار "النمسا أولاً". حزب يميني قومي عنصري متطرف، ". تأسس العام 1956، يتبنى الحزب ايديولوجية معادية للمهاجرين وللإسلام.
حزب الشعب السلوفاكي:
تأسس العام 1991 باسم الحركة الديمقراطية لأجل سلوفاكيا، وفي العام 2014 أصبح اسمه حزب الشعب. حزب قومي يميني متطرف معادي للمهاجرين واللاجئين، يعادي الإسلام والمسلمين، يعادي الولايات المتحدة الأمريكية واليهود، يرفع شعار شهير "حتى لاجئ واحد فهو كثير". حلف الناتو يصفه بالمنظمة الإجرامية.
|