كتاب جميل لإنسان أكثر جمالا!
ترى هل كان أسلوب الكتاب وحتى شكله في ذهن الكاتب وهو يقدم تلك السردية الإنسانية وطنيا وشخصيا!
ويزداد عمق السؤال إذا تأملنا بعنوان الكتاب: الصحافة من البليت الى التابليت، أي أننا إزاء التطور التكنولوجي الذي من خلال تأثيره التقني فقد أثر أيضا في مجمل العملية كلها، المضمون أحد جوانبها الرئيسية.
الجواب يكمن في النظرية النقدية لتفسير الشكل والمضمون للعمل الإبداعي: المضمون يستدعي شكله!
أو يخلق شكله؛ فكلا اللفظين يدوران حول الإبداع.
في ظل سعادتي بنظريتي التي أطورها وأطبقها أدبيا وفنيا، أجدها هنا من ستجيب على سؤالي حول الشكل والمضمون في "الصحافة من البليت الى التابليت" للأستاذ إبراهيم ملحم.
مضمون الكتاب مضمون الصحافة والإعلام من خلال السرد عنها تاريخيا وشخصيا، حيث منح هذا التعدد حيوية للنص، فهو يسرد عن العام والخاص ليس مهنيا فقط، بل وطنيا، بسبب الارتباط العضوي-الموضوعي بين الوطن والكلمة، عبر كل أشكال التعبير الصحفي والأدبي أيضا. وعليه، فإن المطلع على الكتاب سيجد أسلوبا ملائما لهذا الموضوع، يقترب من عوامل الجذب الصحفي. لقد ظهر الأسلوب هنا على مستوى السرد المتعدد، والمتنوع، ما بين السرد التاريخي، والسرد الشخصي، من خلال إيراد الحكايات الشخصية التي تشكل توثيقا إنسانيا ومهنيا لفترات مهمة من حياتنا، بل إن تتبعها وتحليلها قد يلقي المزيد من الضوء ليس على تطور الصحافة، بل عن ارتباطاتها وخصوصا العلاقة بين الكاتب والسياسي والمجتمع.
لقد تنقل الكاتب بين الكتابة الوصفية والتقريرية، ورواية الحكايات، عبر نصوص مختلفة فعلا، بحيث يزداد القارئ تشوقا لمتابعة ليس المضمون فقط بل أسلوب تقديم حكاية الصحافة من البليت الى التابليت، أي من منتصف السبعينيات حتى الآن.
والحق، أن إخراج الكتاب كان خادما لما ذكرنا من حيوية، حيث لم يكن الإخراج الا انعكاسا لتلك التعددية المشوقة.
وقد لعبت الصور دورا حيويا، حيث يكاد يكون الكتاب سيناريو بصري للإعلام الفلسطيني.
وما يعنينا هنا، وما أود أن أصل إليه هو أن الإعلام شكل ومضمون معا، ولا يكون النجاح كاملا إلا بهما، وكأن الكتاب جاء ليؤكد على نجاح هذا الإعلامي القدير الذي حاز محبة الجمهور واحترامه، وحاز انجذابه له أيضا.
لقد كانت تجربة الكاتب ضمن تجربة الصحافة في ظل وطن محتل؛ فلم يشأ الكاتب هنا الحديث عن السيرة الذاتية له، بقدر اهتمامه بسيرةالوطن الإعلامية، أو سيرة الإعلام والصحافة الوطنية المقاومة، والمساهمة في التنمية والتطور خصوصا بعد الهامش الذي تحقق مع قيام السلطة الوطنية على أرض فلسطين.
مضمون الكتاب مضمون سيرة حياة صحفي، حتى وإن لم يضع كلمة سيرة هنا، لكن وجود صورة الكاتب يحيل الى ان الحديث عن عالم الصحافة سيكون من خلال التجربة والحياة.
لعلّ هذه هي القراءة الثالثة للكتاب الذي صدر أخيرا، ترى كيف كررنا القراءة دون ملل!
جذبني الكتاب مهنيا وثقافيا وإنسانيا ووطنيا؛ كما جذب آخرين وأخريات؛ فخلال الاطلاع عليه، نجد أنفسنا عائدين إلى زمن مضى، ممتدا حتى الآن، وكأنه سيرتنا جميعا لا سيرة صحفيّ واحد.
مرة أخرى، نرى أننا وجدنا أنفسنا هنا، صحفيين وكتابا ومواطنين، ووطنا جميلا وتاريخا كتب بالدم والعرق والدموع.
فهل قصد الكاتب هنا أن تكون سيرة كل هؤلاء-الوطن هي سيرته!
أم قصد أن تكون سيرته هؤلاء والوطن!
لعله قصد، ولعل ذلك نبل جميل من جانب، وإبداع أدبي من جانب آخر؛ حين نرى سيرة الفرد-الجماعة معا في سيرة الوطن من خلال مهنة السرد والقص والحكي والنشر-الصحافة والإعلام مكتوبا ومسموعا ومرئيا والكترونيا!
سيتساءل القارئ عن هذا الجيش من البشر هنا، فلم أحضرهم الحاج إبراهيم؟
حكايات وصور؟ السرّ هو نفسه، أنه يرى نفسه وعمله الإعلامي من خلالهم..
ونحن أيضا، فقد نجد كمواطنين أنفسنا وكثيرين نعرفهم في تلك الصفحات والصور. اذن حضر الوطن وهل أجمل من هذا الحضور.
من حيوية النص هنا، أنه يجذب الصحفيين وطلبة الصحافة، كما يجذب القراء على اختلاف مشاربهم، كما كان إبراهيم أيضا وما زال يجذبنا بلغته وحضوره وأسلوبه الخاص في التناول الذي يجمع الادب بالفكر بالتفكير النقدي، يزين كل ذلك بالانتماء الوطني والمهني.
وفي الكتاب لمسة حنان ووفاء واحترام للجميع، لكل من شاركه الرحلة زملاء وزميلات وأهل وشعب.
بل وجدنا العروبة حاضرة هنا والعالم..
فيه كل ما يعبر عن مراحل من العمل الصحفي، وإن كنا نميل إلى حقبتي السبعينيات والثمانينيات خصوصا في القدس، ولعلي بذلك أختتم.
مكان عمل الكاتب كان القدس، المكان الأثير، والأزمنة وتحولاتها محك البشر.
ننظر بعين المودة والاحترام لصحفيي القدس/ات، الذين كانوا مفتاحا وطنيا وهاما، للحفاظ على الهوية والعمل الوطني واستقلال قرارنا الفلسطيني، ولعل الكاتب يتحفنا بسردية أخرى لا تقل جمالا عن سرديته التي بين أيدينا.
بالرغم من الإشارات التي ذكرها الكاتب عن الصحافة والعمل الوطني، فإننا نطمع ونطمح لذكر التفاصيل، فهو مستودع لتلك القصص بكل ما فيها.
لقد كنا فتية حينما كنا نتلقى الوعي الوطني من تلك الصحف والمجلات المقدسية، التي عمل فيها خيرة الكتاب والصحفيين، والذين تعرضوا للمعاناة من الاعتقال في السجون الى الإقامة الجبرية.
زمن الكتاب مأخوذ من الاسم، أي من العمل اليدوي، في الإعداد للنشر الى العمل التكنولوجي، حيث عرض الكاتب هنا تجربته في كافة أشكال العمل الإعلامي، عبر مرحلة العمل الوطني قبل قيام السلطة الوطنية وبعدها، ولكن يبقى للمرحلة الأولى وهجها وتأثيرها، فبالرغم من تغير الوضع السياسي والتكنولوجي، إلا أن صحافة البليت كانت الأثر أثرا..ربما لأسباب غير تكنولوجية..لعلها أسباب وطنية وإنسانية.
وها نحن سنعود دوما لتقليب صفحات الكتاب لنرى أنفسنا وشعبنا من جديد..
تحسين يقين