في ختام جلسة لحكومة الكيان " الإسرائيلي " ، كانت قد عقدتها في آواخر تشرين الثاني من العام 2014 ، من أجل المصادقة على ما يسمى ب" قانون الدولة القومية " ، صرّح يومها نتنياهو قائلاً : " إنّ القانون أكد أنه لا توجد حقوق قومية في إسرائيل ، إلاّ للشعب اليهودي " ، ومضيفاً بالقول : " القانون جاء لكي يخلق توازناً بين ديمقراطية الدولة ويهوديتها " . ويومها فاز القانون تصوتياً بأغلبية 14 وزيراً في مقابل 6 معترضين ووزير ممتنع .
اليوم وبعد التصويت والمصادقة على القانون من قبل " الكنيست " ، وفي هذا التوقيت فهو ينطوي على جملة من المخاطر التي تستهدف الفلسطينيين بشكل مباشر ، والتعمّد في تأزيم وتعقيد الأوضاع التي وصلت إلى مستويات مرتفعة نتيجة السياسات والممارسات التعسفية العنصرية لحكومة الكيان الصهيوني على امتداد الوطن الفلسطيني ، بما فيها مناطق العام الـ48 ، وفي الضفة ومدينة القدس ، وقطاع غزة . وبالتالي إقرار القانون جاء ليشكل المقدمات الضرورية لما ستتضمنه " صفقة القرن " ، التي تتحفز الإدارة الأمريكية لطرحها ، مدعومة من قبل عدد من الدول العربية التي باتت تجاهر باستعدادها في إقامة علاقات طبيعية مع الكيان " الإسرائيلي " .
ساسة الكيان على مختلف أطيافهم السياسية والحزبية ومواقعهم ومسؤولياتهم ، كان شغلهم الشاغل المطالبة بضرورة الاعتراف ب" يهودية الدولة " منذ العام 2003 ، عندما طالب رئيس الحكومة " الإسرائيلية " آنذاك المقبور شارون السلطة الفلسطينية الاعتراف بدولة يهودية في خطاب ألقاه في مدينة العقبة . وهذا ما تم التشديد عليه في مؤتمر أنابوليس آواخر العام 2007 الاعتراف ب" يهودية الدولة " شرطاً لتسوية نهائية تنتهي بحل الدولتين .
عمل نتنياهو وائتلافه على تسريع القانون من أجل إقراره أولاّ في الحكومة ومن ثم في الكنيست ، حيث نص القانون بمواده أل 14 على منح اليهود الصهاينة كل شيء ، في مقابل تجريد الفلسطينيين من كل شيء . بل إنّ هذا القانون جاء ليعيد صياغة الكيان " الإسرائيلي " على كل الصعد والمستويات ، بما لا يتيح للفلسطينيين ممارسة أي من حقوقهم ولو في حدودها الدنيا . حيث جاءت مواد " قانون الدولة القومية للشعب اليهودي " أل ( 14 ) ، إشهار لسيف عنصرية الكيان ، وتكريس فاضح وسافر لهذه السياسة التي يمارسها منذ عقود ضدّ سكان المدن والقرى الفلسطينية ، الذين يُعاملون سكان من الدرجة الدنيوية ، من شأنه أن يبدّد حقوق الفلسطينيين الجماعية وتحويلها إلى حقوق فردية ، وهي بدورها معرّضة للانتهاك والسلب عند أيّ حجة أو مسوغ يختلقه " الإسرائيلي " ضدّ أي مواطن فلسطيني بما فيها سحب الجنسية " الإسرائيلية " ، وهذا ما أشار إليه أيال غروس الأستاذ في القانون ، حين قال ومنذ إقرار القانون في الحكومة آواخر العام 2014 : " عملياً قانون الدولة القومية ، هو يشكل أساساَ قانونياَ للتميّز العنصري ، لأنه يحرم الفلسطينيين من إمكانية الحصول على أراض من الدولة ، وهو التفاف على قرار محكمة العدل العليا في إسرائيل العام 2000 ، الذي منع الدولة أن تكون عنصرية في تمييزها لجهة حق الفلسطينيين في الاستفادة من هذه الأراضي " .
والقانون العنصري في بعده الديني ، سيفتح الباب أمام التشريعات والمحاكم لكي تستند وتعتمد على هذا البعد ، الأمر الذي سيُسرّع في تحويل الصراع من سياسي إلى ديني ، وهذا ما تعمل عليه المدارس التلمودية والحاخامات في الكيان . ولن يقف الأمر عند هذا الحدّ . بل يذهب القانون وإقراره ليطال حق الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم التي طردوا منها عام 1948 ، على خلفية أن الفلسطيني من حقه العودة إلى أراضي دولته الفلسطينية المفترضة ، أو إلى أراضي السلطة ، وهي بدورها عودة مشروطة في تنازل هذا الفلسطيني عن حقه في العودة ، وعلى الجانب الآخر قد شرّع أبواب فلسطين أمام هجرة اليهود فقط
وسيلاحق " قانون القومية " اللغة العربية ليُسقط مكانتها الرسمية التي تمتعت بها على مدار 70 عاماً ، وهذا سيتيح للكيان التعرض للمناهج التعليمية وهي في الأساس عرضة لتزييف الحقائق التاريخية والدينية والثقافية ، أنّ فلسطين وطن الشعب الفلسطيني ، وبأن لا سند تاريخي أو ديني في أنّ فلسطين هي " أرض ميعاد اليهود " ، بحسب إدّعاءاتهم الباطلة .
ومهما حاول نتنياهو وحكومته تزيين القانون ، في أنه لا يتناقض مع القيم الديمقراطية للكيان " الإسرائيلي " ، التي لطالما تغنى بها ، على أن " إسرائيل " الواحة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة . ها هي اليوم وبعد سبعة عقود على جريمة اغتصابها الأرض الفلسطينية ، تكشف عن ستر عورتها ، وتسقط القناع عن وجهها القبيح ، وتؤكد على حقيقتها العنصرية البغيضة ، وأنها كيان يعتمد سياسة الفصل العنصري " الأبرتهايد " . والحديث عن تقديم الضمانات في أنّ المساواة لغير اليهود ستبقى مصانة ، ما هو إلاّ ذرّ الرماد في عيون المجتمع الدولي . لأنّ هذا القانون في محصلته النهائية يحوّل أرض فلسطين إلى " دولة للشعب اليهودي " .
القانون الجديد ، سيزيد من حجم التحديات المتعاظمة في وجه الفلسطينيين وقضيتهم بعناوينها ، والتي ستكون في هذه المرحلة أمام استهداف مباشر من قبل قانون " الدولة القومية للشعب اليهودي " ، الذي سيُشرّع سياسة عنصرية قائمة على التهميش والإقصاء للفلسطينيين . ولكن في المقلب الآخر من شأنه أن يقلب السحر على الساحر ، بمعنى أنه سيعمق الصراع مع الاحتلال ، ويعطيه أبعاداً جديدة . هذا من جهة ومن جهة ثانية سيدفع المجتمع الدولي والرأي العام العالمي من خارج الإدارة الأمريكية ، إلى المزيد نحو اتخاذ القرارات المؤيدة للقضية الفلسطينية ، بسبب السياسات العنصرية التي يمارسها الكيان " الإسرائيلي " . ومن شأن القانون وبدء تطبيقه ، التذكير بقرار الأمم المتحدة عام 1975 تحت الرقم 3379 ، والذي وجد أن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتميز العنصري .
رامز مصطفى
كاتب فلسطيني