قانون القومية (قانون أساس : إسرائيل – الدولة القومية للشعب اليهودي) ليس مجرد قانون كبقية القوانين التي تصدر عن الكنيست الإسرائيلي بل هو كما يرد في عنوانه قانون أساس أو (دستور) جديد لإسرائيل جديدة تختلف عن كل ما كانت تروجه عن نفسها كدولة ديمقراطية كما تختلف في نهجها وتعاملها مع الفلسطينيين سكان البلاد الأصليين سواء الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية أو سكان المناطق المحتلة عام 1967 ، وبالتأكيد فهذا القانون ينسف ما تبقى من مراهنة على تسوية سياسية مع الفلسطينيين .
صحيح ، إن كل ما ورد في القانون بمواده الأحد عشر لم تخرج عن النهج والسلوك الإسرائيلي منذ تأسيس دولة إسرائيل وهي نصوص مستمدة من العقيدة اليهودية والأيديولوجيا الصهيونية وتشكل تشويه للتاريخ وانتهاك متواصل للقانون والشرعية الدولية ، إلا أن الجديد هو قوننة هذا السلوك العنصري الاستعماري وجعله مرجعية ملزمة وهادية لكل الحكومات الإسرائيلية ومحاولة فرضه على العالم .
أسباب متعددة وراء صدور هذا القانون الذي يحيي مجددا العنصرية والكراهية وهي :
1- التحولات العميقة داخل المجتمع الإسرائيلي نحو المتطرف .
2- الموقف الأمريكي غير المسبوق في دعم إسرائيل .
3- ضعف الأمم المتحدة التي يفترض أنها حامية القانون الدولي والشرعية الدولية فيما القانون اليهودي يتعارض كليا معهما .
4- الحالة العربية الضعيفة إن لم تكن متآمرة على الشعب الفلسطيني .
5- الانقسام والضعف الفلسطيني .
ارتباط صدور هذا القانون العنصري بالتحولات الداخلية والخارجية يجعلنا نستحضر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3379 بتاريخ العاشر من نوفمبر 1975 والذي نصه : " إن الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري " مطالبا جميع دول العالم بمقاومة الأيدولجية الصهيونية التي حسب القرار تشكل خطرًا على الأمن والسلم العالميين ، وللأسف كان العالم مدركا مبكرا مخاطر إسرائيل والحركة الصهيونية إلا أن متغيرات دولية وإقليمية أدت للتصويت على إلغاء هذا القرار عام 1992 ، وللأسف فإن بعض الدول العربية صوتت إلى جانب إلغاء هذا القرار .
قانون القومية اليهودية يكشف مجددا الطبيعة العنصرية للصهيونية ولدولة إسرائيل وتكمن مخاطر هذا القانون بما يلي :
1- تكريس يهودية الدولة .
2- يتحدث عن أرض إسرائيل التوراتية وليس إسرائيل التي اعترفت بها الأمم المتحدة عام 1947 .
3- تجاهل قرارات الأمم المتحدة وتفاهمات التسوية حول القضية الفلسطينية .
4- تزوير التاريخ من خلال الحديث عن الوجود التاريخي للشعب اليهودي في فلسطين ، وهذا ينفي الرواية الفلسطينية .
5- يتعامل مع اليهودية كقومية وليس دين .
6- يحصر حق تقرير المصير باليهود وفي هذا انتهاك لحقوق الفلسطينيين سكان البلاد الأصليين .
7- اعتبار القدس الموحدة والكاملة عاصمة لدولة إسرائيل .
8- اعتبار اللغة العبرية اللغة الرسمية للدولة وفي هذا تجاهل للغة العربية .
9- حق عودة اليهود للإسرائيليين فقط أو ما يسميه القانون (لم الشتات) .
10- شرعنة الاستيطان ودعمه .
كثيرون كتبوا وتحدثوا عن مخاطر قانون القومية اليهودي وهذه مهمة المثقفون وأصحاب الرأي وكل من يساند عدالة القضية الفلسطينية ، ولكن لا يجوز أن يكون ردة فعل القيادات السياسية الفلسطينية مجرد الرفض والتنديد ومناشدة العالم بالتدخل ، بل المطلوب خطوات عملية ، وحيث إن الأمر يتعلق بصياغة قوانين ووثائق أساسية استراتيجية فلا يُعقل أن لا يكون عند الفلسطينيين وثيقة أو قانون أساس محل توافق ويحدد الثوابت والمرجعيات ويضبط العمل السياسي داخليا وخارجيا .
لقد تم تجاوز أو تعديل قانون الوطنية الفلسطينية أو الميثاق الوطني برعونة واستخفاف عام 1996 إرضاء للرئيس الأمريكي كلينتون ، وتم التلاعب بكثير من الثوابت في إطار المناورة السياسية ، بل إن القرارات التي تصدر عن المجلسين الوطني والمركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية لا يتم تنفيذها ، كما أن الصفة التمثيلية لمنظمة التحرير محل شك وتشكيك من بعض القوى السياسية كحركتي حماس والجهاد ، كما أن القانون الأساس للسلطة وبالرغم من اقتصاره على تدبير الشأن العام في مناطق السلطة إلا أنه شبه معطل بسبب الانقسام . ليس هذا فحسب بل إن حركة حماس التي وضعت ميثاقها الإسلامي 1988 ليكون بديلا عن الميثاق الوطني تراجعت عن ميثاقها عام 2017 ليحل محله وثيقة ملتبسة ومُبهمة .
غياب الوثائق المرجعية الوطنية الجامعة يفسر التخبط والتضارب في السلوك والموقف السياسي للطبقة السياسية الفلسطينية ، وما هو أخطر من ذلك أنه يتيح لأي كان من الطبقة السياسية التلاعب بمصير القضية الوطنية وبالثوابت كمفهوم الدولة واللاجئين والمقاومة والسلطة ووظيفتها الخ كما يجري في الفترة الأخيرة .
وأخيرا ، هل ستستمر منظمة التحرير بالاعتراف بإسرائيل بعد أن أعادت هذه الأخيرة تعريف نفسها كدولة يهودية عنصرية ؟ وهل ستستمر حركة حماس في تجاهل الوطنية الفلسطينية واصطناع تعارض بين الوطنية والدين ولعب دور وظيفي لخدمة مشاريع غير وطنية ؟.
د/ إبراهيم أبراش